والعبارة ظاهرة في زوال الملكية بالإعراض.
ثانيا - الإعراض عن الحق من جملة الفروق التي ذكروها بين الحق والحكم هو: أن الحق قابل للإسقاط، بخلاف الحكم، فإنه غير قابل لذلك. فالأول مثل حق الاختصاص والأولوية الحاصل من التحجير، أو حق النفقة، أو حق القسم للزوجة، أو نحو ذلك، والقسم الثاني، مثل جواز نكاح أربع نسوة.
والكلام هنا إنما يكون في الحقوق القابلة للإسقاط، سواء قلنا: بأن الحقوق كلها قابلة للإسقاط، أو قلنا: بأن جملة منها قابلة للإسقاط لا كلها، لأن الحقوق غير القابلة للإسقاط - على فرض وجودها - لا أثر للإعراض عنها بعد فرض عدم سقوطها بإسقاطها صريحا.
ولتفصيل ذلك يراجع العنوانان: " حق " و " حكم ".
كلمات الفقهاء في الإعراض عن الحق:
لا يسعنا فعلا ذكر جميع كلمات الفقهاء في الإعراض عن الحق، وإنما نكتفي بإيراد نماذج منها بشأن الحقوق القابلة للإسقاط فيما يلي:
قال الشيخ الطوسي بالنسبة إلى نكول المدعي بعد رد اليمين عليه: " وإن قال: تركت الحلف ولست أختاره، فقد سقطت اليمين عن جنبته، فلا يعود إليه... " (1).
وقال في مورد مشابه: " والأقوى عندي: أنه ليس له ذلك، لأنه أسقط حق نفسه بالاستحلاف، فلا يعود إليه إلا بدليل " (2).
وقال بالنسبة إلى من سبق إلى مكان:
"... وكذلك إذا سبق إلى موضع من تلك المواضع كان أحق بها من غيره، لأن ذلك جرت به عادة أهل الأعصار... فإذا قام عن ذلك الموضع، فإن ترك رحله فيه فحقه باق، وإن حول رحله منه انقطع حقه منه، فمن سبقه بعد ذلك إليه كان أحق به منه. وهكذا الحكم في المسجد، فمن سبق إلى مكان كان أحق به، فإن قام وترك رحله فيه، فحقه باق، وإن حوله زال حقه... " (3).
وقال بالنسبة إلى البئر التي يحفرها الإنسان لا بقصد أن يتملكها: " إن المحيي لا يملك بالإحياء إلا إذا قصد تملكه به، فإذا ثبت أنه لا يملكه، فإنه يكون أحق به مدة مقامه، فإذا رحل، فكل من سبق إليه فهو أحق به، مثل المعادن الظاهرة " (4).
والمستفاد من مجموع كلماته: أن الإعراض عن الحق موجب لسقوطه.
ومثله قال ابن إدريس بالنسبة إلى البئر (5).