الموسوعة الفقهية الميسرة - الشيخ محمد علي الأنصاري - ج ٤ - الصفحة ٥١
أ - إطعام المسلم المكلف على نحو الإجبار أو الإكراه (1):
صرح جملة من الفقهاء - الذين تعرضوا لهذا الموضوع - بالحرمة في هذه الصورة، لأن المستفاد من الأدلة حرمة التسبيب إلى الحرام، وإلقاء الآخرين فيه، وتغريرهم بارتكابه، فالإكراه عليه حرام بطريق أولى، وممن صرح بذلك الشيخ الأنصاري، والسيدان: الخوئي والخميني.
قال الشيخ الأنصاري بالنسبة إلى حرمة أصل التغرير: " ويشير إلى هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة على حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات " (2).
وقال في خصوص الإكراه: " والحاصل أن هنا أمورا أربعة: أحدها: أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج - كما إذا أكره غيره على المحرم - ولا إشكال في حرمته وكون وزر الحرام عليه، بل أشد، لظلمه " (3).
وقال السيد الخوئي: "... فإنه يستفاد من مذاق الشارع حرمة إلقاء الغير في الحرام الواقعي " (1).
وقال أيضا: " إن المستفاد من إطلاقات أدلة المحرمات الموجهة إلى المكلفين حسب المتفاهم العرفي: أن انتساب الأفعال المحرمة إلى موجديها مبغوض مطلقا، سواء كانت النسبة مباشرية أو تسبيبية " (2).
وقال الإمام الخميني في خصوص الإكراه ونحوه ما حاصله: أن العناوين العذرية - كالإكراه والاضطرار ونحوهما - إنما هي مأخوذة على نحو الإطلاق، بمعنى أن جعل شخص مكرها أو مضطرا حرام، سواء كان من قبل الشخص نفسه - أي المباشر - أو من قبل غيره (3).
ولكن في مقابل هذا رأي آخر، وحاصله: أن المحرمات إنما يحرم وجودها من خصوص مباشريها، أما من المسبب فلا دليل عليه.
وقد تبنى السيد الحكيم هذا الرأي، فقال:
" لا دليل على تحريم التسبيب كلية " (4).
ثم فرق بين التسبيب في باب الضمان - حيث يكون الضمان على المسبب فيما لو كان أقوى من المباشر - وبين غيره، ثم قال: "... بخلاف شرب (1) مصباح الفقاهة 1: 115.
(2) التنقيح (الطهارة) 2: 333.
(3) المكاسب المحرمة (للإمام الخميني) 1: 141 - 142.
(4) المستمسك 1: 218.

(1) لم يتعرض كثير من الفقهاء وخاصة المتقدمين منهم لهذا الفرع، وإنما ذكروا فروعا أخرى، مثل عدم جواز بيع النجس والمتنجس للمسلم وجوازه لمن يستحله، كأهل الذمة، ولعله يفهم من فحوى كلامهم عدم جواز إطعام النجس للمسلم المكلف، وفي صورة الإكراه تتضاعف الحرمة من جهة الظلم والتعدي. وعدم تعرضهم لهذه المسألة لعله كان بسبب وضوح حكمها عندهم.
(2) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 73.
(3) المكاسب (للشيخ الأنصاري) 1: 75.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست