أما المتأخرون عن الشيخ، فالأغلب جعلوا العلمين - التفصيلي والإجمالي - من واد واحد، واشتهر بينهم القول بالجواز، لكن خالفهم النائيني فقال بعدمه، واستدل له:
بأن الامتثال التفصيلي مع إمكانه مقدم على الامتثال الإجمالي، لأن الانبعاث والتحرك نحو الفعل يكون في الامتثال التفصيلي عن الأمر نفسه، وفي الامتثال الإجمالي عن احتمال الأمر، لأن المكلف حينما يأتي بكل فرد لا يقطع بتعلق الأمر به، بل يحتمله لا أكثر، ومن المعلوم أن الانبعاث عن الأمر نفسه مقدم على الانبعاث عن احتمال الأمر (1).
واستدل لهذا القول أيضا:
بأن تكرار العبادة يمنع من قصد الوجه فيها (2).
وبأن تكرار العبادة لأجل الامتثال إجمالا مع التمكن من عدم التكرار والامتثال تفصيلا، عبث ولعب بأمر المولى (3).
وأجيب عن ذلك بما يلي:
أولا - أن إتيان الفعل في كل مرة يكون بداعي الأمر نفسه، والاحتمال إنما يكون في داعوية الأمر.
وبعبارة أخرى: أن المكلف إنما ينبعث إلى الإتيان بالواجب المردد بين الفعلين عن الأمر الجزمي المتعلق به، غاية الأمر أنه لا يتمكن من تطبيق الواجب على المأتي به، لا أنه ينبعث إليه عن احتمال الأمر (1).
ثانيا - أن قصد الوجه - على فرض القول بوجوبه - حاصل، لأن المكلف إنما يأتي بالواجب المردد بين الفعلين لوجوبه بحيث لولا كونه واجبا لم يأت بشئ من المحتملين، فقصد الوجه أمر ممكن في صورة التكرار (2).
ثالثا - أن الاحتياط مع التكرار ليس من اللغو والعبث عند تعلق الغرض العقلائي به، كما إذا توقف العلم بالواجب والامتثال التفصيلي على مؤونة زائدة، كالمشي إلى مكان بعيد للسؤال مثلا، فيتركه ويأتي بالفعل مكررا، وعلى فرض كونه عبثا في بعض الموارد فإنما هو في كيفية الإطاعة لا في نفسها، لأن الواجب هو أحد الأمور المتكررة، وقد حصل (3).
أسباب الإعادة:
وهي متعددة، فمنها ما يوجبها، ومنها (1) انظر: المستمسك 1: 8 - 9، والتنقيح (الاجتهاد والتقليد): 74.
(2) انظر المصدرين المتقدمين، وكفاية الأصول: 274، ونهاية الأفكار 3: 50 - 53، ونهاية الدراية 3: 111 - 112، وغيرها.
(3) انظر المصادر المذكورة في الهامش المتقدم.