أمرا متحدا مع المشروط في الوجود، كالإيمان في الرقبة، أو مباينا له في الوجود كالطهارة في الصلاة، فإن المناط في جريان البراءة هو: أن يكون المشكوك فيه مما تناله يد الوضع والرفع الشرعي ولو بوضع منشأ الانتزاع ورفعه، وأن يكون في رفعه منة وتوسعة على المكلفين، وهذا المناط يعم الشك في الأجزاء، والشروط على نسق واحد " (1).
دوران الأمر بين الجنس والنوع:
من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط هو دوران الأمر بين العام والخاص إذا كانا من قبيل الجنس والنوع، أو الطبيعي والفرد (الحصة)، لكن اختار فيه جملة من محققي الأصوليين القول بالاحتياط، سواء كانوا قائلين بالبراءتين في الأجزاء والشرائط، أو بخصوص البراءة الشرعية.
وممن التزم بذلك: صاحب الكفاية والمحققان النائيني والعراقي.
أما صاحب الكفاية، فقد تقدم كلامه قبل قليل.
وأما النائيني فقال: " والأقوى: أنه يجب فيه الاحتياط ولا تجري البراءة عن الأكثر، فإن الترديد بين الجنس والنوع وإن كان يرجع بالتحليل العقلي إلى الأقل والأكثر، إلا أنه خارجا [و] بنظر العرف يكون من الترديد بين المتباينين، لأن الإنسان بما له من المعنى المرتكز في الذهن مباين للحيوان عرفا، فلو علم إجمالا بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان، فاللازم هو الاحتياط بإطعام خصوص الإنسان... لأنه جمع بين الأمرين، فإن إطعام الإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضا " (1).
وأما العراقي فقال: " وأما لو كان الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة، كما إذا دار الأمر بين وجوب إطعام مطلق الحيوان أو الإنسان، أو وجوب إكرام الإنسان أو خصوص زيد، ففي جريان البراءة فيه عن الخصوصية المشكوكة إشكال منشؤه الإشكال في كون الشبهة فيه من الأقل والأكثر أو المتباينين، ولكن الأقوى فيه وجوب الاحتياط " (2).
ثم علله بقوله: " لأن بإطعامه يقطع بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين، بخلاف صورة إطعام غير زيد، فإنه لا يقطع بحصول الفراغ ولا يؤمن العقوبة على ترك إطعام زيد.
وبما ذكرنا يظهر الحال في جميع موارد الدوران بين التخيير والتعيين الشرعي " (3).
هذا ولكن لم يفرق بعض الأصوليين بين المطلق والمقيد والعام والخاص وإن كان بمثل الجنس والنوع فقالوا بجريان البراءة فيهما، مثل السادة: