فالملاك بناء على ما قاله هو كون الضرر المتوعد عليه مضرا بحاله في نفسه أو ماله أو عرضه من دون ملاحظة التعادل بينه وبين الضرر الحاصل على من أكره على الإضرار به، وهذا يعني لو أكره على أخذ ألف دينار من شخص، فإن امتنع اخذ منه مئة دينار وكان ذلك مضرا بحاله، كان ذلك مجوزا لارتكاب ما أكره عليه.
والمثال قد لا يوضح الفرق بين المسلكين، لكن يمكن أن يكون مشيرا إلى ذلك.
ثانيا - حكم الإكراه وضعا:
الكلام عن ذلك يقع في جهات ثلاث:
1 - الإكراه على الإتلاف.
2 - الإكراه على الأسباب الفعلية المفيدة للملك.
3 - الإكراه على العقود والإيقاعات.
1 - الإكراه على الإتلاف:
قد تقدم في عنوان " إتلاف ": أنه لو اجتمع السبب والمباشر في الإتلاف، فالضمان على المباشر، واستثني من ذلك ما لو كان المباشر ضعيفا وكان السبب أقوى منه، وذكروا من مصاديق ذلك ما لو كان المباشر مكرها على الإتلاف إلا في قتل النفس، فإن الضمان يكون على المباشر حينئذ، وأما قطع العضو والجرح، ففي إلحاقه بالقتل وعدمه اختلاف قد تقدم ذكره، فعلى القول بالإلحاق يكون الضمان على المباشر، وعلى القول بعدمه فعلى السبب وهو المكره، لصحة نسبة الاتلاف إليه عرفا (1).
وهنا يرد إشكال، وهو: ما الفرق إذن بين القتل وغيره، فلتكن نسبة الإتلاف في القتل إلى المكره أيضا؟
وأجيب: بأن ذلك صادق أيضا إلا أنه قام الدليل على تضمين المباشر لأهمية الدماء والنفوس، ولذلك يحبس الآمر - سواء كان مكرها أم لا - مدى عمره.
هذا هو المعروف، لكن استظهر بعضهم (2) من كلام الشهيد الثاني في الروضة إمكان تضمين المباشر أيضا، فلصاحب المال الرجوع إلى كل من المباشر والسبب، لكن إن رجع على المباشر، فللمباشر الرجوع إلى السبب، مثل موارد الغرور.
وكلام الشهيدين في اللمعة وشرحها هكذا:
قال الشهيد الأول: "... فيستقر الضمان في الغرور على الغار، وفي الإكراه على المكره " (3).