فلو عاد الأول بعد الإعراض، ففيه وجهان، والأشهر أنه يساوي غيره " (1).
والمستفاد من كلامه: أن الإعراض مسقط للحق عند المشهور.
وقال صاحب الحدائق: " المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم): أن من سبق إلى مكان من المسجد أو المشهد فهو أولى به ما دام باقيا فيه، فلو فارقه ولو لحاجة كتجديد طهارة وإزالة نجاسة بطل حقه وإن كان ناويا للعود، إلا أن يكون رحله - مثل شئ من أمتعته ولو سبحة ونحوها - باقيا فيه، وقيده الشهيد (قدس سره) مع ذلك بنية العود، وهو جيد. فلو فارق لا بنيته سقط حقه وإن كان رحله باقيا... " (2).
ونقل كلام الأردبيلي الذي نقلناه أولا بالنسبة إلى زوال الأولوية بالإعراض لا غير، ثم أيده (3).
وأما صاحب الجواهر، فقد حاول أن يفرق بين مثل حق الجلوس في المسجد والمدرسة والطريق، وبين مثل حق التحجير وسائر الحقوق المالية، فإن القسم الأول من الحقوق غير قابل للاغتصاب والتوريث والمعاوضة بخلاف القسم الثاني، فإنه قابل لذلك.
ولا يترتب على القسم الأول إلا الحكم التكليفي، وهو حرمة دفع صاحب الحق عن حقه، ولذلك قيل: لو دفعه شخص آخر وجلس مكانه صار أحق به، لكن فعل محرما.
وبناء على ذلك لو فارق الأمكنة المذكورة مع عدم نية العود سقط حقه قطعا. نعم لو كان له رحل أو متاع في ذلك المكان لم يجز التصرف فيه، لأنه تصرف في مال الغير، إلا أن يعارض بقاؤه المنفعة المقصودة من ذلك المكان فيزال. ووضع الرحل طريق شرعي لحبس المكان، باعتبار حرمة التصرف فيه لغير صاحبه (1).
وأما بالنسبة إلى القسم الثاني من الحقوق، فالظاهر منه في بحث نفقة الزوجة أن حقها يسقط بالإعراض عما بذله الزوج لها (2).
وقال بالنسبة إلى الإعراض عن البينة بعد قول المحقق الحلي: " ولعل الأقرب الجواز "، أي جواز الرجوع إليها بعد الإعراض عنها: " بل هو الظاهر، بل يمكن القطع به، لإطلاق ما دل على حجيتها السالم عما يقتضي كون ذلك من الحقوق التي تسقط بالإسقاط لو فرض تصريحه بذلك، فضلا عن غيره. بل ظاهر الأدلة كونها من الأسباب المقتضية ثبوت الحق، فلا يتصور فيها معنى الإسقاط الذي يتعلق بنحو حق الخيار وشبهه " (3).
وقد أشار في كلامه إلى ما قدمناه: من أن