وناقشها، ثم قال: " وهكذا يتضح من مجموع ما تقدم: أن شيئا من الموانع المتصورة غير تام، وأن العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر في الأجزاء ليس منجزا لوجوب الأكثر " (1).
الثاني - القول بجريان البراءة النقلية دون العقلية:
اختار هذا القول صاحب الكفاية والمحقق النائيني.
قال صاحب الكفاية: " والحق أن العلم الإجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضا يوجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر، لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا " (2).
ثم ناقش القول بانحلاله، ثم استدل بوجه آخر وحاصله: أن الأحكام تابعة للمصالح الواقعية - بناء على مسلك العدلية - ولا يمكن إحراز المصلحة الواقعية عند الدوران بين الأقل والأكثر إلا بالإتيان بالأكثر، لأن مع الإتيان بالأقل نشك في حصول المصلحة الواقعية (3).
إلى أن قال: " هذا بحسب حكم العقل، وأما النقل، فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته، فبمثله يرتفع الإجمال والتردد عما تردد أمره بين الأقل والأكثر، ويعينه في الأول " (1).
وأما المحقق النائيني فقد قال بعد بحث طويل:
" فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لا محل للبراءة العقلية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطي.
وأما البراءة الشرعية فلا محذور في جريانها، لأن رفع القيدية إنما هو من وظيفة الشارع كجعلها غايته، إن وضعها ورفعها إنما يكون بوضع منشأ الانتزاع ورفعه، وهو التكليف بالأكثر وبسطه على الجزء المشكوك فيه... " (2).
ويتلخص الوجه الذي ارتضاه لعدم الانحلال عقلا في: أن وجوب الأقل وإن كان معلوما تفصيلا إلا أن هذا العلم التفصيلي يرجع إلى العلم الإجمالي بين الأقل والأكثر بل هو عينه، لتردد وجوب الأقل بين وجوبه لا بشرط الأكثر أو بشرطه، فلا سبيل إلى دعوى الانحلال. وبعبارة أخرى: أن العقاب على ترك الجزء المشكوك وإن كان عقابا بلا بيان، إلا أن احتمال كونه قيدا للأقل مع انضمام العلم الإجمالي إلى ذلك، يجعل العقل حاكما بتنجز التكليف واستحقاق العقاب على تركه، ووضع القيدية أو رفعها ليس بيد العقل وإنما هو بيد الشارع، نعم العقل حاكم بلزوم الخروج عن عهدة التكليف والقطع بامتثاله، وهذا يقتضي العمل بالأكثر، أي ضم الجزء المشكوك إلى الأقل (3).