في أن هذا النوع من الإعراض هل هو مزيل لعلقة الملكية أم لا؟
وهذا البحث لا يختص بالملك، بل يشمل الحق أيضا، فإن الإعراض عنه كالإعراض عن الملك.
منهج البحث ومراحله:
والمنهج الذي يستوجبه البحث عن الموضوع هو كالآتي:
1 - هل الإعراض يفيد إزالة الملك أو لا؟
2 - وعلى فرض عدم إزالة الملك، هل يفيد إباحة للغير أم لا؟
3 - وهل الإباحة الحاصلة للغير هي إباحة التصرف أم إباحة التملك؟
وتأتي هذه المنهجية بالنسبة إلى الحق أيضا.
لكن لما لم يبحث الفقهاء عن الموضوع بصورة مركزة وواضحة، بل اختلفت عباراتهم بالنسبة إلى تحديد الإعراض، حتى قال صاحب الجواهر بعد نقل بعضها: "... إلى غير ذلك من كلماتهم التي مرجعها إلى تهجس (1) في ضبط عنوان لذلك " (2).
فلذلك كله آثرنا نقل كلمات الفقهاء في الموضوع، ثم بيان ما يستفاد منها.
كلمات الفقهاء في الإعراض عن الملك:
قال الشيخ الطوسي في الخلاف: " إذا ملك صيدا فانفلت منه، لم يزل ملكه عنه، طائرا كان أو غير طائر، لحق بالبراري والصحاري أو لم يلحق. وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال مالك: إن كان يطير في البلد وحوله، فهو على ملكه، وإن لحق بالبراري فعاد إلى أصل التوحش زال ملكه " (1).
ومثله قال في المبسوط (2).
والملاحظ في عبارته: أن مفروض المسألة عنده هو انفلات الحيوان منه، وهو عار من قصد إفلاته، والمناسب للإعراض هو الثاني، إلا أن يحصل الإعراض بعد الانفلات بسبب اليأس من عوده.
وقال أيضا: " نثر السكر واللوز في الولائم وغير ذلك جائز، غير أنه لا يجوز لأحد أخذه إلا بإذن صاحبه، إما قولا أو شاهد حال أنه أباحه...
ويملك النثار كما يملك الطعام إذا قدم إلى قوم. وقيل فيه ثلاثة أوجه ذكرناها في كتاب الأطعمة، أقواها أنه يملكها بالأخذ والحيازة " (3).
ومعنى النص: أن صاحب النثار يبيحه للآخذ، والآخذ يملك ما يأخذه من النثار.
لكن فرض إباحة المالك النثار للآخرين (1) الخلاف 6: 28، المسألة 28.
(2) المبسوط 6: 274.
(3) المبسوط 4: 323.