الأصول لا يفيد بنفسه الجزم، لكثرة الشبه الحادثة في النفس والمدونة في الكتب، حتى إنهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لأعمارهم في فن الكلام، فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لأجل تصحيح عقائده ليشتغل بعد ذلك بأمور معاشه ومعاده؟! خصوصا والشيطان يغتنم الفرصة لإلقاء الشبهات والتشكيك في البديهيات، وقد شاهدنا جماعة صرفوا أعمارهم ولم يحصلوا منها شيئا إلا القليل " (1).
هذا كله بالنسبة إلى القادر على تحصيل العلم، وأما غير القادر، فقال: الظاهر عدم وجوب تحصيل الظن عليه، لأن المفروض عجزه عن الإيمان والتصديق المأمور به، ولا دليل آخر على عدم جواز التوقف.
نعم، لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم، ورأى العالم منه التمكن من تحصيل الظن بالحق، ولم يخف عليه إفضاء نظره الظني إلى الباطل، فلا يبعد وجوب إلزامه بالتحصيل، لأن انكشاف الحق - ولو ظنا - أولى من البقاء على الشك فيه (2).
القسم الثاني - ما يجب الاعتقاد والتدين به إذا حصل العلم به، فلا يجب الاعتقاد به أولا وبالذات، نعم لو حصل العلم به وجب الاعتقاد به.
ومن هذا القبيل تفاصيل المعارف، كالتفاصيل المذكورة في التوحيد والمعاد والنبوة والإمامة.
ثم استشهد بكلام الشهيد الثاني وغيره على ما ادعاه.
ثم اعترف بأن الفرق بين القسمين في غاية الصعوبة والإشكال، ثم نقل عن العلامة أنه ذكر أمورا ادعى أن الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن ربقة الإيمان، ولا دليل على وجوب معرفتها كذلك.
ثم قال: " وهو في غاية الإشكال " (1).
وأما بالنسبة إلى ما اختاره هو في هذا القسم، فإنه قال:
حيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل المعرفة العلمية في هذا القسم ابتداء، فالأقوى القول بعدم وجوب العمل فيه بالظن لو فرض حصوله ووجوب التوقف فيه، للأخبار الكثيرة الناهية عن القول بغير علم والآمرة بالتوقف.
ثم قال بعد ذكر عدة أخبار في ذلك:
" والمستفاد من هذه الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين - وهو الظاهر أيضا من جماعة من علمائنا الأخيار، كالشهيدين في الألفية وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية وشارحها وغيرهم - هو:
أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجودا واجب الوجود لذاته، والتصديق بصفاته