داره ليعالج مريضه ليس له طيب طبعي، لكن له طيب عقلي، فإن عقله يحكم بحسن فعله، فلذلك يكون بيعه صحيحا، ولكن المكره وإن كان واجدا لهذا الطيب وهو الطيب العقلي، لأن عقله يحكم ببيع داره ليتخلص من ظلم المكره، إلا أن الفقهاء حكموا ببطلان عقده، وليس ذلك إلا لأجل كون العاقد مكرها، فالمناط في عدم الصحة هو الإكراه لا الكره (1).
وممن يظهر منه ذلك الإمام الخميني، لأنه فسر الرضا وطيب النفس بعدم الإكراه، حيث قال: " إن طيب النفس في المعاملات غير معتبر لو أريد منه انشراح الصدر واشتياق النفس (2)، وكذا الرضا المعتبر فيها ليس مقابل السخط، بل الطيب المعتبر فيها هو إيقاعها بلا تحميل الغير إياه والرضا بها كذلك " (3).
وعكس بعضهم الأمر وأرجع أدلة مانعية الإكراه إلى شرطية الرضا، " وذلك إخضاعا لها للارتكازات العقلائية، إذ من الواضح أن الارتكاز العقلائي يرى شرطية الرضا ولا يكتفي بعدم الإكراه، وإنما يحكم العقلاء بمبطلية الإكراه لنكتة فقدان الرضا فيه، فأدلة مبطلية الإكراه تحمل على ذلك " (4).
والظاهر من النائيني والسيد الخوئي: أن الشرط هو الرضا، وأن بطلان عقد المكره إنما هو من جهة فقدانه للرضا المعتبر في المعاملة (1).
ومهما كان فالأدلة بعضها يدل على شرطية الرضا، وبعضها على مانعية الإكراه، كما سيأتي بيانها.
والمهم في بحثنا هو بيان حكم الإكراه في العقود، والنتيجة واحدة هنا سواء قلنا بشرطية الرضا أو مانعية الإكراه، لأن عقد المكره فاقد للرضا ومتصف بكونه مكرها عليه.
الاستدلال على بطلان عقد المكره:
هناك مجموعة من الأدلة يدل بعضها على شرطية الرضا وطيب النفس بالعقد في صحته، وبعضها الآخر على مانعية الإكراه لصحة العقد.
وفيما يلي نشير إليهما معا:
أولا - ما يدل على اشتراط الرضا:
1 - قوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (2).
والمراد من الأكل هو التملك، والباء في * (بالباطل) * للسببية والمقابلة، أي لا تتملكوا أموالكم بسبب باطل إلا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض.
فالآية بصدد حصر الأسباب المشروعة