فإن الفاعل فيه قاصد للفعل.
فالمكره على الإفطار في نهار رمضان قاصد للإتيان بالمفطر، سواء كان أكلا أو شربا أو غيرهما، لكن يأتي بذلك عن إكراه.
وأما المجبور، فلا يتحقق منه قصد الإفطار، كمن أوجر في فيه الماء.
ولذلك حينما يتكلمون عن شرطية الاختيار لصحة العقد، يقولون: المراد منه هو الاختيار المقابل للإكراه، لا المقابل للإجبار، لأن الثاني يرتفع معه القصد، وعندئذ لا يتحقق أصل العقد.
وإلى هذا المعنى أشير في هدى الطالب حيث جاء فيه: " إن الاختيار يطلق تارة على الإرادة والقدرة على كل من الفعل والترك، في قبال المضطر والمجبور المسلوب إرادته، كحركة يد المرتعش، وكالصائم المكتف الذي يصب الماء في حلقه بحيث لا قصد له إلى الشرب أصلا، وهو مقهور في فعله بنحو لا يصح إسناد الفعل إليه، بل يسند إلى القاهر والحامل له.
وأخرى على الرضا الذي هو أمر نفساني مغاير للقدرة على كل من الفعل والترك، وهو أمر زائد عليه، بمعنى أنه بعد تحقق إرادة فعل في الخارج وعدم إجبار عليه، تصل النوبة إلى كونه صادرا عن طيب النفس، أو عما يقابله من الإكراه الذي يتحقق بتحميل الغير وتوعيده، كما في تهديد الصائم بإيراد ضرر على نفسه أو طرفه أو ماله لو لم يتناول المفطر بيده.
والفرق بين المعنيين إسناد الفعل إلى المباشر المكره على ما يفعل، لصدور الفعل عن إرادته وإن لم يكن راضيا به، بخلافه في المجبور الفاقد للإرادة.
والمقصود بالبحث اشتراط العقد بالاختيار بمعناه الثاني المقابل للمكره، بعد الفراغ عن تحقق الإرادة والقصد إلى الفعل فيه " (1).
الفرق بين الإكراه والاضطرار:
الإكراه يتحقق من الغير، فلا يصدق الإكراه إلا مع وجود المكره، مثل إكراه الجائر المكره بترك واجب أو ارتكاب محرم، أو إجراء عقد ونحو ذلك.
وأما الاضطرار، فلا يتوقف حصوله على فعل الغير، مثل حصول الجوع والعطش والمرض ونحوها، فلو باع شخص ما يملكه لشراء الخبز أو الماء أو الدواء كان بيعه اضطراريا ولم يلزمه أحد بذلك.
والإكراه يرفع الحرمة ويبطل العقد والإيقاع.
أما الاضطرار فهو يرفع الحرمة، لكن لا يبطل العقد أو الإيقاع.
والسر في ذلك هو: أن حديث الرفع - الذي تضمن رفع الإكراه والاضطرار - وارد مورد الامتنان على الأمة، وذلك يقتضي بطلان عقد المكره وصحة عقد المضطر، لأن صحة عقد المكره