وادعى قيام السيرة على إعراض المالك عما يبقى من تراب الذهب ورضاض الحديد والقطع الصغار من القماش عند الصاغة والحدادين والخياطين وغيرهم (1).
والمستفاد من مجموع كلماته:
1 - أن الإعراض ليس مزيلا للملك، كما هو المعروف.
2 - أنه يجوز للغير التصرف في المال المعرض عنه ولو بالتصرف الناقل.
3 - أن بعض الأمثلة المذكورة في كلمات الفقهاء ليست داخلة في الإعراض، مثل:
نثار العرس، لأنه في الواقع إباحة من المالك لأن يتصرف فيه آخذه.
وكذلك كل ما لا يتمكن أن يتصرف فيه المالك للعجز عن ذلك، كالمال الذي أصابه الغرق أو تسلط عليه الغاصب، أو نحو ذلك من العوامل التي تحول دون تصرف المالك في ملكه.
اللهم إلا أن يقال: إنه يجوز تملك ما في السفينة الغارقة بالغوص بمجرد انقطاع رجاء صاحبه من حصوله وتركه التعرض لإخراجه، وهو غير الإعراض، وإباحة تملك الغير له (2).
وقال الشيخ الأنصاري عند مناقشته لأن يكون نثار الأعراس من الإعراض: "... إن الإعراض الملحق للمعرض عنه بالمباحات هو:
ما قصد الإعراض عنه أولا وبالذات من غير تعلق القصد أولا بأخذ الغير له، لا ما كان المقصود منه بالذات تصرف الغير فيه وأخذ الغير له واستلزامه الإعراض عنه " ثم قال:
" والحاصل: أن الإعراض قد يحصل قصدا وبالذات، وقد يحصل ضمن إرادة تصرف الغير وأخذه وإتلافه، والملحق بالمباحات الأصلية هو الأول - مع تسليم وجود الدليل عليه عموما - لا الثاني المتحقق فيما نحن فيه " (1).
والمستفاد من كلامه:
أولا - أن الإعراض المبحوث عنه هو الإعراض الحاصل مع قطع النظر عن أن يأخذه الغير أو لا، كإطلاق الطير أو غيره من الحيوان في الفلاة. لا الإعراض الحاصل بسبب أخذ الغير له وإن كان الأخذ عن رضا المالك (2)، والإعراض في نثار الأعراس من قبيل الثاني.
ثانيا - أن الدليل على كون الإعراض - بالمعنى الأول - يجعل المعرض عنه كالمباحات الأصلية، مفقود. نعم ربما يظهر من كلامه وجوده على نحو الموجبة الجزئية وفي بعض الموارد.
وللإيرواني رسالة مختصرة في الإعراض، (1) النكاح: 35 - 36.
(2) أعظم بهذه الدقة! فلقد أجاد فيما أفاده (قدس سره)، ويشير إليه تقسيم المتاركة بين المالك وماله في مدخل البحث إلى أقسام ثلاثة، وجعل موطن البحث في القسم الثالث الذي كان بمعنى متاركة المال من دون إنشاء إباحة للغير.