تساوى الكيل فإذا باعها وزنا ربما تفاضلت كيلا فلم يجز والمراد هنا بالكيل معرفة المقدار والخروج عن الجهالة فبأي شئ قدره جاز فحينئذ يجوز أن يسلف في ما أصله الوزن كيلا وبالعكس وبه قال الشافعي لما رواه وهب عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام قال لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن ومنع بعض الشافعية من السلم كيلا في الموزونات أما لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا لم يصح لان القدر اليسير منه ماليته كثيرة والمكيل لا يعد ضابطا فيه. مسألة. لا يكفي العدد في المعدودات التي تدخل تحت الوزن كالبطيخ والقثا والرمان والسفرجل والباذنجان والنارنج والبيض بل يجب الوزن ولا يعتبر الكيل لأنها تتجافى في المكيال ولا العدد لتفاوتهما كبرا وصغرا وإنما اكتفى بالعدد في العيان تعويلا على المشاهدة وتسامحا بخلاف السلم الذي لا مشاهدة فيه وكذا الجوز واللوز لا يجوز السلف فيهما عددا بل لابد من الوزن وفي الكيل فيهما للشافعية وجهان أحدهما الجواز لعدم تجافيها (في المكيال صح) وكذا الفستق والبندق وقال بعضهم لا يجوز السلم في الجوز واللوز لا كيلا ولا وزنا لاختلاف قشورهما غلظة ورقة والغرض يختلف باختلافها فامتنع السلف فيها بالوزن أيضا وليس بجيد لان القشور هنا كالثوري في التمر فإنه يختلف صغرا وكبرا ولم يعتبره الشارع كذا هنا وقال أبو حنيفة يجوز السلم في البيض عددا لان التفاوت فيها يسير وليس بجيد. مسألة. جميع البقول (والخضروات صح) كالقثاء والخيار والبطيخ لا يجوز السلف فيها عددا ولا كيلا بل يجب الوزن ولا يجوز السلم في البقل جرما لعدم ضبطها ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة إلا مع الوزن فتكون عامة الوجود لا قليلة الوقوع ولا في عدد منها لأنه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود أما اللبن فيجوز الجمع فيه بين العدد والوزن بل هو الواجب فيقول كذا كذا لبنه ووزن كل واحدة كذا لأنها تضرب عن اختيار فالجمع فيها بين الوزن والعدد لا يورث عزة الوجود والامر فيه على التقريب دون التجديد. مسألة. لو عين مكيالا غير معتاد كالكوز فسد العقد وإن كان يعتاد فسد الشرط وصح العقد لان ملاءه مجهول القدر ولان فيه غررا لا حاجة إلى إحتماله فإنه قد يتلف قبل المحل في البيع ولو قال بعتك ملاء هذا الكوز من هذه الصبرة بطل مع جهالة قدر ملا الكوز وللشافعية وجهان أصحهما الصحة أما لو عين في البيع والسلم مكيالا معتادا فإنه يصح البيع ويلغوا الشرط كساير الشروط التي لا غرض فيها وهو أصح وجهي الشافعية والثاني يفسد لتعرضه للتلف وهل السلم الحال على تقديره جوازه كالمؤجل أو كالبيع للشافعي وجهان أحدهما إنه كالمؤجل لان الشافعي قال لو أصدقها ملاء هذه الجرة خلا لم يصح لأنها قد تنكسر فلا يمكنه التسليم كذا هنا ولو قال أسلمت إليك في ثوب كهذا الثوب أو في مائة صاع كهذه الحنطة لم يصح لامكان التلف الثوب المحال عليه أو الحنطة وهو أحد قولي الشافعية وفي الثاني يصح ويقوم مقام الوصف ولو أسلم في ثوب ووصفه بصفات السلم ثم أسلم في آخر بتلك الصفة جاز. مسألة. يجوز السلم في المذروع كالثياب والحبال وشبهها لان ضبطها بذلك ولا يجوز في القصب إطنانا ولا الحطب خرما ولا الماء قربا ولا المخروز خرزا لاختلافها وعدم ضبطها بالصغر والكبر ولو ضبط بالوزن جاز لان جابرا سأل الباقر عن السلف في روايا الماء فقالت لا تبعها فإنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة ولكن اشتر معاينة وهو أسلم لك وله. مسألة. وكما يجب العلم في المبيع بالقدر والوصف وكذا يجب في الثمن فيقول إن كان الثمن في الذمة لم يعينه المتعاقدان فلابد من ضبط صفته و قدره كما يضبط صفة المسلم فيه إلا أن يكون من الأثمان فيكفي إطلاقه إذا كان في البلد نقد غالب واحد ويجوز أن يكون رأس المال موصوفا في الذمة ويعيناه في المجلس قبل التفرق فيجرى مجرى ذلك تعيينه حال العقد وإن كان الثمن معينا حالة العقد فإن كان مشاهدا كفت الرؤية عن وصفه وإن لم يكن مشاهدا فلابد من وصفه بما يرفع الجهالة وبه قال مالك واحمد والشافعي في أحد القولين وأبو إسحاق المروزي لان عقد السلم منتظر مترقب لا يمكن إتمامه في الحال وإنما هو موقوف على وجود المسلم فيه عند المحل لا يؤمن انفساخه فوجب معرفة رأس المال فيه ليؤديه له كما في القرض وعقد الشركة والقول الثاني للشافعي لا يجب تعيينه وضبطه بالوصف وهو اختيار المزني وقال أبو حنيفة إن كان رأس المال مكيلا أو موزونا وجب ضبط صفاته وإن كان مذروعا أو معدودا لم يجب ضبط صفاته لان المكيل والموزون يتعلق العقد بقدره بدليل إنه لو باع صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر كان له أن يأخذ عشرة ويرد الباقي ولو اشترى ثوبا على إنه عشرة أذرع فبأن أحد عشر ذراعا تخير البايع إن شاء سلم الكل وإن شاء فسخ لأن العقد تعلق بعينه واحتج الشافعي على عدم الحاجة إلى الوصف بأنه عوض مشاهد فاستغنى بمشاهدته عن معرفة قدره كبيوع الأعيان وكما لو كان مذروعا أو معدودا ولا يلزم أعيان الربا لأنه لا يحتاج إلى معرفة القدر وإنما يحتاج إلى معرفة التساوي فيها والجواب عما قاله أبو حنيفة إنه خطأ لان المكيل والموزون يجوز أن يكون جزافا في البيع والصداق فلو تعلق بقدره لم يجز وما استشهد به فإنما كان كذلك لان المكيل والموزون ينتقض ولا ضرر فيه والثوب ينتقض بقطعه فلهذا اختلفا لا لما ذكره وما قاله الشافعي ضعيف لأنا نمنع الاكتفاء بالمشاهدة عن معرفة القدر في بيع الأعيان بخلاف المذروع فإنه غير واجب العلم بقدر الذرع وكذا العدد إذا ثبت ما قلناه فلابد من ضبط صفات الثمن فما لا يضبط بالوصف مثل الجواهر والاخلاط لا يجوز أن يكون رأس مال السلم وإما يجوز أن يكون رأس المال ما جاز أن يسلم فيه هذا إذا لم يكن مشاهدا وأما إذا كان مشاهدا فلا حاجة إلى الوصف بل يجب معرفة القدر سواء كان مثليا أو لا وبالجملة كلما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون رأس مال السلم فإن لم يعرف صفاته عينه فإن انفسخ السلم فيه رد رأس المال إن كان موجودا ومثله إن كان مفقودا وله مثل وإن لم يكن له رد مثل قيمته ولو اختلفا في قدره أو قيمته فالقول قول المسلم إليه لأنه غارم. مسألة. لو كان رأس المال مقبوضا وضبطت صفاته بالمعاينة لم يشترط معرفة قيمته كثوب بعض صفاته مشاهدة وجارية موصوفة وهو قول أكثر الشافعية وقال بعضهم فيه قولان ولا فرق بين السلم الحال والمؤجل وبعض الشافعية خص القولين بالسلم المؤجل وقطع في الحال بالاكتفاء بالمعاينة فيه وموضع القولين لهم ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة أما إذا علما ثم تفرقا فلا خلاف في الصحة وليس بجيد عندنا بل القدر (يجب صح) أن يكون معلوما حالة العقد وبنى كثير من الشافعية على هذين القولين إنه هل يجوز أن يجعل رأس مال السلم مالا يجوز السلم فيه إن قلنا بالأصح جاز وإلا فلا وإذا كان رأس المال جزافا عنده واتفق الفسخ وتنازعا في القدر كان القول قول المسلم إليه لأنه غارم. البحث السادس قبض الثمن. مسألة. يشترط في السلم قبض الثمن في المجلس فلا يجوز التفرق قبله فإن تفرقا قبل القبض بطل السلم عند علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة والشافعي واحمد لأنه عقد لا يجوز فيه شرط تأخير عوض المطلق فلا يجوز فيه التفرق قبل القبض كالصرف ولان المسلم فيه دين في الذمة ولو أخر تسليم رأس المال عن المجلس لكان ذلك في معنى (بيع صح) الكالي بالكالي لان تأخير التسليم ينزل منزلة الدينية والصرف وغيره ولان الغرر في المسلم فيه احتمل للحاجة فجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل لئلا يعظم الغرر في الطرفين وقال مالك يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر ما لم يكن يشترط أو يطول المدة لأنه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سلما فوجب أن لا يفسده كما لو أخره وهما في المجلس والفرق ظاهر بين المفارقة قبل القبض في المجلس وفيه كالصرف. مسألة. لو قبض بعض الثمن في المجلس ثم تفارقا قبل قبض الباقي بطل السلم فيما لم يقبض كالصرف وسقط بقسطه من المسلم فيه والحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل القبض ولو جاء المشترى ببعض الثمن في المجلس كان للبايع الامتناع من قبضه للتغيب بالتشقيص بخلاف الدين فإن الديون لو دفع بعض الدين وجب على صاحب الدين قبضه ولو كان رأس المال منفعة عبد
(٥٥٦)