ومن بايعه تقدم بيعة الأول لم يعزر وإلا عزر ولما روى من قوله (ع) إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما وتأوله بعضهم بما إذا أصر ولم يبايع الأول فإنه يكون باغيا يقاتل وقال بعضهم لا تطيعوه ولا يقتلوا قوله فيكون كمن مات أو قتل ولو عرف سبق أحدهما ولم يتعين أو لم يعلم أوقعا معا أو على التعاقب فالحكم كالجمعتين ولو سبق أحدهما على التعيين واشتبه السابق وقف الامر إلى أن ينكشف الحال فإن طالت المدة أو لم يمكن الانتظار قال بعض الشافعية تبطل البيعتان وتستأنف بيعة أحدهما وفي جواز العدول إلى غيرهما خلاف وذكر إنه لو ادعى كل منهما إنه الأسبق لم تسمع الدعوى ولم يحلف لان الحق يتعلق بجميع المسلمين وإنه لو قطعا التنازع وسلم أحدهما إلى الاخر لم تستقر الإمامة له بل لابد من بينة تشهد بتقدم بيعة وأنه لو أقر أحدهما للاخر بتقدم بيعة خرج منها المقر ولابد من النية ليستقر الامر للاخر فإن شهد له المقر مع آخر قبلت شهادته إن كان يدعى اشتباه الامر قبل الاقرار وإن كان يدعى التقدم لم تسمع لما في القولين من التكاذب وإذا ثبت الإمامة بالقهر والغلبة فجاء آخر فقهره انعزل وصار القاهر إماما ولا يجوز خلع الامام بلا سبب ولو خلعوه لم ينفذ لان الآراء تتغير فلا يأمن تكرر التولية والعزل وفي ذلك سقوط الهيبة والوقع من القلب ولو عزل الامام نفسه نظر إن عزل للعجز عن القيام بأمور المسلمين من هرم أو مرض انعزل عندهم ثم إن ولى غيره انعقدت الإمامة لمن ولاه وإلا بايع الناس غيره وإن عزل نفسه من غير عذر ففي انعزاله وجهان أحدهما ينعزل ولا يكلف أن يترك مصلحة نفسه محافظة على مصلحة غيره وصار كما لو لم يجب إلى المبايعة ابتداء والثاني المنع لما روى أن أبا بكر قال أقيلوني أقيلوني ولو تمكن من عزل نفسه لما طلب الإقالة (وقال صح) بعضهم للامام أن يعزل ولى العهد لان الخلافة لم ينتقل إليه فلا يخشى من تبديله الفساد والفتنة وقال بعضهم ليس له ذلك ما لم يتغير حاله وإن جاز له عزل من استنابه في اشغاله في الحال لأنه يستنيبه لنفسه واستخلاف ولى العهد يتعلق بالمسلمين عامة فصار كأهل البيعة يبايعون ولا يعزلون من بايعوه. مسألة. الامام عندنا لا يتحقق منه صدور الفسق لأنه واجب العصمة من أول عمره إلى آخره أما من لم يشترط عصمته فالأظهر عند الشافعية منهم إن الامام لا ينعزل بالفسق لانهم يجوزون إمامة الفاسق فإذا كان لا يمنع الفسق من الابتداء فأولى أن لا يمنع من الاستدامة ولا ينعزل بالاغماء لأنه متوقع الزوال قالوا وينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم وبالجنون وقال بعضهم لو كان الجنون منقطعا أو كان زمان الإفاقة أكثر وتمكن معه من القيام بالأمور لم ينعزل وينعزل بالعمى والصم والخرس ولا ينعزل بثقل السمع وتمتمة اللسان وبينهم خلاف في أنهما هل يمنعان ابتداء التولية وفي أن قطع إحدى اليدين أو الرجلين هل يؤثر في الدوام. مسألة. يثبت وصف البغى بشرايط ثلاثة أحدها أن يكونوا في كثرة ومنعة لا يمكن كفهم وتفريق جمعهم إلا باتفاق وتجهيز جيوش وقتال فإما أن كانوا نفرا يسيرا كالواحد والاثنين والعشرة وكيدها كيد ضعيف فليسوا أهل بغى وكانوا قطاع طريق ذهب إليه الشيخ في المبسوط وابن إدريس وهو مذهب الشافعي لان عبد الرحمن بن ملجم لعنة الله لما جرح عليا (ع) قال لابنه الحسن (ع) إن برئت رأيت رأيي وإن مت فلا تمثلوا به وقال بعض الجمهور يثبت لهم حكم البغاة إذا خرجوا عن قبضة الامام وفيه قوة الثاني أن يخرجوا عن قبضة الامام منفردين عنه في بلد أو بادية أما لو كانوا معه وفي قبضته فليسوا أهل بغى لان عليا (ع) كان يخطب فقال رجل بباب المسجد لا حكم إلا لله تعريضا بعلى (ع) إنه حكم في دين الله فقال علي (ع) كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث أن لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا اسم الله فيها ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤوكم بقتال فقوله (ع) ما دامت أيديكم معنا يعنى لستم منفردين الثالث أن يكونوا على المباينة بتأويل سايغ عندهم بأن تقع لهم شبهة تقتضي الخروج على الامام فأما إذا لم يكن لهم تأويل سايغ وباينوا فهم قطاع طريق حكمهم حكم المحارب والشافعية اعتبروا في أهل البغى صفتين إحديهما أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج على الامام أو منع الحق المتوجه عليهم لان من خالف الامام من غير تأويل كان معاندا ومن يتمسك بالتأويل يطلب الحق على اعتقاده ولا يكون معاندا فيثبت له نوع حرمة كما في حق من خرج على علي (ع) حيث اعتقدوا أنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لرضاه بقتله ومواطاتهم إياه وكذا مانعوا أبى بكر عن الزكاة حيث قالوا أمرنا بدفع (الزكاة صح) إلى من صلاته سكن لنا وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت لست كذلك والتأويل المشروط في أهل البغى إذا كان بطلانه مظنونا فهو معتبر وإن كان بطلانه مقطوعا به فوجهان أظهرهما إنه لا يعتبر كتأويل أهل الردة والثاني يعتبر ويكفى تغلطهم فيه قالوا ولهذا كان معاوية وأصحابه بغاة واستدلوا عليه بقوله (ع) إن عمارا تقتله الفئة الباغية ثم قالوا إن شرطنا في البغى أن يكون بطلان التأويل مظنونا كان معاوية فميا ذهب إليه ظنا قلنا وإن شرطنا العلم قلنا إن معاوية كان مبطلا قطعا وأما الخوارج فهم صنف مشهور من المبتدعة يعتقدون تكفير أصحاب الكباير واستحقاق الخلود في النار بها كشرب الخمر والزنا والقذف ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم وطعنوا في علي (ع) وعثمان ولا يجتمعون معهم في الجمعات والجماعات وللشافعية خلاف في تكفيرهم وهل حكمهم إذا لم يكفروهم كحكم أهل البغى أو حكم أهل الردة الأصح عندهم الثاني وعلى هذا تنفذ أحكامهم بخلاف أحكام البغاة وأكثر الشافعية أنه إن أظهر قوم رأى الخوارج وتجنبوا الجماعات وكفروا الامام ومن معه فإن لم يقاتلوا وكانوا في قبضة الامام فلا يقتلون ولا يقاتلون لقول علي (ع) للخارجي لكم علينا ثلاث أن لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤوكم بقتال ثم إنهم إن صرحوا بسب الامام أو غيره من أهل العدل عزروا وإن عرضوا فوجهان وعندنا إن الخوارج كفار وإن من سب الامام وجب قتله ولو بعث الامام إليهم واليا فقتلوه فعليهم القصاص وهل يتحتم قتل قاتله كقاطع الطريق لأنه شهر السلاح أولا لأنه لا يقصد إخافة الطريق للشافعية أقوال ثلاثة أحدها فيه وجهان الصفة الثانية أن يكون لهم شركة وعدد بحيث يحتاج الامام في ردهم إلى الطاعة إلى كلفة ببذل مال واعداد رجال ونصب قتال وشرط جماعة من الشافعية في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء وربما قالوا ينبغي أن يكونوا بحيث لا يحيط بهم أخبار الامام والمحققون لم يعتبروا ذلك بل اعتبروا استعصاءهم وخروجهم عن قبضة الامام حتى لو تمكنوا من المقاومة مع كونهم محفوفون بجند الامام قاوموهم وهل يشترط أن يكون بينهم إمام منصوب أو منتصب قولان الأكثر على المنع وهو قول أكثر الشافعية لأنه ثبت لأهل الجمل وأهل النهروان حكم البغاة ولم يكن فيما بينهم إمام و وقال بعضهم يعتبر في أهل البغى وراء ما سبق أمران أن يمتنعوا من حكم الامام وأن يظهروا لأنفسهم حكما ولا يعتبر أن يكون عددهم عدد أجناد الامام بل يكفي أن يتوقعوا الظفر. مسألة. كل من خرج على إمام عادل ثبتت إمامته بالنص عندنا والاختيار عند العامة وجب قتاله إجماعا وإنما يجب قتاله بعد البعث إليه والسؤال عن سبب خروجه وايضاح ما عرض له من الشبهة وحلها له وكشف الصواب إلا أن يخاف كلبهم ولا يمكنهم ذلك في حقهم أما إذا أمكنه تعريفهم وجب عليه أن يعرفهم فإذا عرفهم فإن رجعوا فلا بحث وإن لم يرجعوا قاتلهم لان الله تعالى أمر بالصلح فقال فاصلحوا بينهما قبل الامر بالقتال ولان الغرض كفهم ودفع شرهم فإذا أمكن بمجرد القول لم يعدل إلى القتل وإذا أمكن بالاثخان لم يعدل إلى التدفيف فإن النخم القتال واشتد الحرب خرج الامر عن الضبط ولما أراد أمير المؤمنين علي (ع) قتل الخوارج بعث إليهم عبد الله بن عباس
(٤٥٤)