إن البيع باطل وبه قال مالك لان الثمن وقع مجهولا لأنه غير المسمى فلم يصح وجوابه تقدم إذا ثبت أن البيع صحيح فإن المشترى يتخير بين أخذه بجميع الثمن الذي وقع عقد المرابحة عليه وبين الرد وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي في أحد القولين لان الثمن مسمى في العقد وإنما كان فيه تدليس وخيانة وذلك يوجب الخيار دون الحطيطة كما لو ظهر فيه عيب دلسه البايع والقول الثاني للشافعي إنه يأخذ بما ثبت إنه رأس المال وحصة من الربح وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وأحمد بن حنبل لأنه باعه إياه برأس ماله وما قدره من الربح وإنما ذكره أكثر من رأس المال قدرا كان متعينا به وبالزيادة بخلاف العيب لأنه لم يرض إلا بالثمن المسمى وهنا رضي برأس المال والربح المقرر ويمنع أن البيع برأس المال لأنه عينه بالذكر قاله الشافعية إذا قلنا بالصحة فلا يخلوا إما أن يكون كذبه في هذه الأخبار خيانة أو غلطا فإن كان خيانة فقولان منصوصان عن الشافعي في اختلاف العراقيين أحدهما وبه قال احمد إنا نحكم بانحطاط الزيادة وحصتها من الربح لأنه يملك باعتبار الثمن الأول فينحط الزايد عليه كما في الشفعة والثاني وبه قال أبو حنيفة إنا لا نحكم به لأنه سمى ثمنا معلوما وعقد به العقد فليجب وإن كان غلطا فالمنصوص القول الأول والثاني مخرج من مثله في الحالة الأولى مسألة. قد بينا أنه إذا أخبر بالزايد يتخير المشترى وهو أحد قولي الشافعي وفي الثاني إنه يحط الزايد وما يصيبه من الربح فعلى الانحطاط هل للمشترى الخيار للشافعي قولان أظهرهما نفى الخيار لأنه قد رضي بالأكثر فبالأقل أولي والثاني وبه قال أبو حنيفة إنه يثبت الخيار لأنه إن بان كذبه بالاقرار لم يؤمن كذبه ثانيا وثالثا وإن بان بالبينة على الشراء أو بالبينة على الاقرار فقد يخالف الباطن الظاهر ولأنه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ ليحله قسم أو إنفاذ وصية ونحوها وللشافعية طريق آخران القول الأول محمول على ما إذا تبين (كذب البايع بالبينة والثاني على ما إذا تبين صح) بالاقرار والفرق إذا ظهر بالبينة خيانته لم يؤمن خيانته من وجه آخر والأقرب يشعر بالأمانة وبذل النصح والطريقة الأولى أظهر عندهم فإن قلنا لا خيار له أو قلنا له الخيار فامسك بما يبقى بعد الحط فهل للبايع الخيار للشافعية وجهان وقيل قولان أحدهما لأنه لا يسلم له مسماه في العقد وأظهرهما المنع لاستبعاد أن يصير تلبسه أو غلطه سببا لثبوت الخيار له ومنهم من خص الوجهين بصورة الخيانة وقطع بثبوت الخيار عند الغلط. مسألة. قد بينا مذهبنا في ظهور كذب اخبار البايع وإن المشترى يتخير ولا يحط شيئا وهو أحد قولي الشافعي وحينئذ إنما يثبت الخيار لأنه قد غره ودلس عليه فلو كان المشترى عالما بكذب البايع لم يكن له خيار ويكون بمنزلة ما لو اشترى معيبا وهو عالم بعيبه وإذا ثبت الخيار فلو قال البايع لا تفسخ فإني أحط الزيادة سقط الخيار وللشافعي وجهان ولا فرق بين أن يظهر الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو حلوله أو قلة أجله. مسألة. لو ظهر كذب البايع بعد هلاك السلعة ففي سقوط خيار المشترى إشكال ينشأ من أنه ثبت بحق فلا يسقط بهلاك المعقود عليه كغيره من أنواع الخيار ومن أن الخيار ثبت لإزالة الضرر فلا يثبت مع الضرر كالبايع واختلف الشافعية فقال بعضهم تحط الخيانة وحصتها من الربح قولا واحدا وقال بعضهم يجريان القولين في الانحطاط وإن قلنا بالانحطاط فلا خيار للمشترى لان البايع قد لا يريد القيمة فالفسخ رد القيمة يضر به وأما البايع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة فكذا ههنا وإن أثبتناه ثم يثبت هنا أيضا كما لو وجد بالعبد عيبا والثوب الذي هو عوضه بألف وإن قلنا بعدم الانحطاط فهل للمشترى الفسخ وجهان أظهرهما كما لا.
لو عرف بالعيب بعد تلف المبيع ولكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من الثمن كما يرجع بأرش العيب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف سقط حقه قال يفسخ ولا يرجع بشئ لان الخيار ثبت له من طريق الحكم لا لنقص فيسقط بتلف السلعة كخيار الرؤية وحكى عن محمد إنه قال يرد القيمة ويرجع في الثمن كما قويناه نحن أولا وقول أبي حنيفة باطل لان الخيار ثبت له لتدليس البايع ونقص الثمن عما حكاه فهو بمنزلة العيب يستره عنه ولا يشبه خيار الرؤية لأنه يثبت للاختيار لا لأجل نقص أو خيانة يثبت وأما الفسخ بعد التلف فإضرار بالبايع كما لا يثبت إذا تلف المبيع المعيب في يد المشترى. مسألة. يجب عليه الاخبار بكل ما يتفاوت الثمن بسببه على وجهه كالأجل وشبهه من عيب طرأ في يده فنقص أو جناية على ما تقدم فلو كذب تخير المشترى وهو أحد قولي الشافعي وفي الثاني يحط الجناية وقدرها من الربح هذا في القدر أما لو كذب في سلامة المبيع وكان معيبا أو في حلول الثمن وكان مؤجلا هل يكون حكمه حكم القدر قال بعض الشافعية بذلك فعلى قول الحط فالسبيل النظر إلى القيمة ويقسط الثمن عليها ونحن لا نقول بذلك. مسألة. لو كذب بنقصان الثمن بأن قال كل الثمن أو رأس المال أو ما قامت السلعة به على مائه وباع مرابحة لكل عشرة درهم ثم عاد وقال غلطت والثمن مائة و عشرة فإن صدقه المشترى فالبيع صحيح لأنه عقد صادر من أهله في محله بثمن معلوم فيكون صحيحا كغيره من العقود وهو أحد وجهي الشافعية كما لو غلط بالزيادة وقال بعضهم البيع باطل لأن العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقصان فهو معهود عند الشرع بدليل الأرش وعلى ما اخترناه من صحة البيع لا يثبت (الزيادة صح) كما لا يثبت الحط لكن للبايع الخيار في فسخ البيع وإمضائه بلا شئ وهو أحد وجهي الشافعية القائلين به والثاني لهم تثبت الزيادة مع ربحها وللمشتري الخيار وإن كذبه المشترى وهو قسمان - آ - أن لا يبين للغلط وجهان محتملا فلا يسمع دعواه ولو أقام بينة لم تسمع لأنه أقر بأن الثمن مائه وتعلق بذلك حق المشترى فلا يقبل رجوعه عنه ولا تسمع بينته لان إقراره يكذبها بخلاف ما لو أقر بأن الثمن أقل لأنه اعترف فيها بما هو حق لغيره وضرر عليه ولان إقراره الثاني يكذب قوله وبينته فإن ادعى علم المشترى بصدقه والتمس تحليفه على إنه لا يعرف ذلك أجيب إليه لأنه ربما يقر عند عرض اليمين عليه وهو أحد وجهي الشافعية والثاني لا يجاب كما لا تسمع بينته فإن نكل يرد اليمين على المدعى وهو أحد قولي الشافعية والثاني لا يرد والوجهان مبنيان على أن اليمين المردودة بعد نكول المدعى عليه كالاقرار من جهة المدعى عليه أو كالبينة من جهة المدعى وسيأتى تحقيقه فعلى الأول يرد لا على الثاني لان بينته غير مقبولة فإذا قلنا بتحليف المشترى يحلف على نفى العلم فإن حلف ثبت العقد على ما حلف عليه فيثبت المبيع له بمائة وعشرة وكذا إذا قلنا لا يعرض اليمين عليه و إن نكل ورددنا اليمين على البايع فإنه يحلف على القطع إنه اشتراه بمائة وعشرة وإذا حلف فللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه البايع فيكون الثمن عليه مائة و أحد وعشرين وبين الفسخ لأنه دخل في العقد على أن يكون الثمن مائه وعشرة مع الربح - ب - أن يبين للغلط وجها محتملا مثل أن يقول ما كنت اشتريته بنفسه بل اشتراه وكيلي وأخبرني إن الثمن مائة فبأن خلافه أو ورد على كتابه فبأن مزورا أو يقول كنت راجعت جريدتي فغلطت من متاع إلى غيره فتسمع دعواه للتحليف لان بيان هذه الاعذار يجوز ظن صدقه وهو قول بعض الشافعية وبعضهم طرد الخلاف في التحليف وسماع البينة يترتب على التحليف إن قلنا لا تحليف فالبينة أولي أن لا تسمع وإن قلنا له التحليف ففي البينة وجهان الاظهر عندهم سماعها وعندنا إنه يحلف المشترى كما إذا أقر بإقباض الرهن ثم رجع عن ذلك وقال أحمد بن حنبل القول قول البايع مع يمينه لأنه لما دخل معه المشترى في بيع المرابحة فقد جعله أمينا فالقول قوله مع يمينه كالوكيل والشريك والمضارب وهو خطأ لأنه قبل قوله فيما أخبر به من الثمن وذلك لا يصير به أمينا له كما لو أخبره بقدر المبيع فإن قال بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة فقبل قوله ثم بانت تسعة وأنكر البايع ذلك لم يقبل قوله ويفارق الوكيل والشريك لأنه استنابة في التصرف عنه فقبل قوله عليه بخلاف المتنازع. مسألة. إذا قال رأس مالي مائة درهم بعتك بها وربح كل شعرة واحد اقتضى أن يكون الربح من جنس الثمن الأول وكذا لو قال بعتك بمائة وربح عشرة ويجوز أن يجعل الربح من غير جنس الأصل ولو قال اشتريت بكذا وبعتك به وربح درهم على كل عشرة فالربح يكون من جنس نقد البلد لاطلاقه الدرهم والأصل