أو عامدا وقلنا إن عمده خطأ ففي فساد حجه قولان كالبالغ إذا جامع ناسيا والأظهر انه لا يفسد وان قلنا إن عمده عمد فسد حجه وهل عليه القضاء فيه قولان أحدهما لا لأنه ليس أهلا لوجوب العبادات البدنية وأصحهما نعم لأنه احرام صحيح فيوجب إفساده القضاء كحج التطوع إذا عرفت هذا فإن أوجبنا القضاء فإنه لا يجزئه حالة الصبى بل يجب عليه بعد بلوغه وللشافعي قولان في إجزاء القضاء قبل البلوغ أصحهما نعم اعتبارا بالأداء والثاني لا وبه قال مالك واحمد لأنه فرض والصبي ليس أهلا لأداء فرض الحج فعلى هذا القول لو لم يقض حتى بلغ نظر فيما أفسده إن كانت بحيث لو سلمت عن الافساد أجزأت عن حجة الاسلام فان بلغ قبل فوات الوقوف اجزاء القضاء عن حجة الاسلام وإن كانت لا تجزى لو سلمت عن الافساد لم تجز عن حجة الاسلام وعليه ان يبدأ بحجة الاسلام ثم يقضى فان نوى القضاء أولا قالت الشافعية انصرف إلى حجة الاسلام (وفيه اشكال وعلى تقدير تجويز القضاء في الصغر لو شرع فيه وبلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الاسلام) وعليه القضاء وإذا أفسد حجه وأوجبنا القضاء وجبت الكفارة أيضا وان لم نوجب القضاء ففي الكفارة للشافعية وجهان والأصح عندهم الوجوب وإذا وجبت الكفارة فهي على الولي أو في مال الصبى فيه الخلاف مسألة لو فعل الولي في الصبى ما يحرم على الصبى مباشرته كما لو طيبه أو ألبسه مخيطا أو حلق رأسه فان فعل ذلك لحاجة الصبى كما لو طيبه تداويا فالأقرب انه كمباشرة الصبى لأنه وليه قد فعل شيئا لمصلحته فيكون ما ترتب عليه لازما للصبي وهو أصح وجهي الشافعية والثاني ان الفدية على الولي لان المباشرة وقعت منه والأقرب الأول مسألة أجمع علماء الأمصار على أن الصبى إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبى وعتق العبد وجب عليهما حجة الاسلام إذا جمعا الشرايط قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ذلك إلا من شذ عنهم ممن لا يعد قوله خلافا وبه قال ابن عباس وعطا والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لما رواه العامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال إني أريد ان أجدد في صدور المؤمنين عهدا أيما صبى حج به أهله فمات أجزأت عنه فان أدرك فعليه الحج وأيما مملوك يحج به فمات أجزأت عنه فان أعتق فعليه الحج ومن طريق الخاصة ما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السلام قال لو أن غلاما حج عشر سنين ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام ولو أن مملوكا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه فريضة الاسلام إذا استطاع إليه سبيلا ولان الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها فلا تقع مجزية كما لو صلى قبل الوقت مسألة لو حج الصبى أو العبد فبلغ أو أعتق في أثناء الحج فإن كان زوال العذر بعد الوقوف بالمشعر الحرام لم تجزئهما عن حجة الاسلام وهو قول العلماء لان معظم العبادة وقع حالة النقصان وما رواه معوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال قلت له مملوك أعتق يوم عرفة قال إذا أدرك أحد الموقفين قد أدرك الحج دل بمفهومه على عدم ادراك الحج إذا لم يدركهما معتقا ولا فرق بين ان يكون وقت الوقوف باقيا ولم يقف فيه أو قد فات وهو قول أكثر الشافعية وقال ابن شريح إذا بلغ ووقت الوقوف باق يجزئه عن حجة الاسلام وان لم يعد إلى الوقف وإن بلغ الصبى أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة معتقا وفعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الاسلام وكذا لو بلغ أو أعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع وبه قال ابن عباس وهو مذهب الشافعي واحمد وإسحاق لما قدمناه من الحديث عن الصادق عليه السلام وقال الحسن البصري في العبد يجزى وقال مالك لا يجزئهما وهو قول ابن المنذر وقال أصحاب الرأي لا يجزى العبد فأما الصبى فان جدد إحراما بعد احتلامه قبل الوقوف أجزأه وإلا فلا لان احرامهما لم ينعقد واجبا فلا يجزى عن الواجب كما لو بقيا على حالهما ويعارض بأنه أدرك الوقوف حرا بالغا فأجزأه كما لو أحرم تلك الساعة ولا خلاف في أن الصبى لو بلغ أو العبد لو أعتق بعرفة وهما غير محرمين فاحرما ووقفا بعرفة وقضيا المناسك فإنه يجزئهما عن حجة الاسلام ونقل عن ابن عباس انه إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجته وان أعتق بجمع لم يجزأ عنه وقد تلخص من هذا ان مالكا شرط في الصبى والعبد وقوع جميع الحج في حالة التكليف وأبو حنيفة لا يعتد بإحرام الصبى ولا يجب عليه إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ وهو أحد وجهي الشافعية لأنه لا بأس بتقدم السعي كتقدم الاحرام وأصحهما عندهم وجوب الإعادة لوقوعه في حالة النقص ويخالف الاحرام فإنه يستدام بعد البلوغ والسعي لا استدامة له والأصل براءة الذمة وقد بنى الشافعية الوجهين على أنه إذا وقع حجه عن حجة الاسلام فكيف تقدير احرامه هل نبين انعقاده في الأصل فرضا أو نقول بأنه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا فان قلنا بالأول فلا حاجة إلى الإعادة وان قلنا بالثاني فلابد منها مسألة إذا أجزأ حجهما عن حجة الاسلام بأن يدركا أحد الموقفين كاملين لم يكن عليهما دم مغاير لدم الهدى وللشافعية طريقان أظهرهما انه على قولين أحدهما نعم لان احرامه من الميقات ناقص ولأنه ليس بفرض وأصحهما لا لأنه أتى بما في وسعه ولم يقدر منه إساءة وبنى بعضهم القولين على التبين فان قلنا به فلا دم عليه وان قلنا بانعقاد احرامه نفلا ثم انقلب فرضا لزم الدم والطريق الثاني انه لا دم عليه وهذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يعد بعد البلوغ إلى الميقات فان عاد إليه لم يلزمه الدم بحال لأنه أتى بالممكن أولا وأخيرا وقد بذل ما في وسعه وقد بينا مذهبنا في ذلك مسألة لو بلغ الصبى أو أعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الاتيان بالحج ويجب عليهما ذلك لان الحج واجب على الفور فلا يجوز لهما تأخيره مع امكانه كالبالغ الحر خلافا للشافعي ومتى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين لان ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده مسألة المجنون لا يجب عليه الحج بالاجماع لأنه ليس محلا للتكليف لما رواه العامة عن علي عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال رفع القلم عن ثلاثة عن النايم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى ينبت وعن المعتوه حتى يعقل ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي قال سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن قول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلا سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج والمجنون غير صحيح فلا يندرج تحت الخطاب إذا عرفت هذا فلو حج حالة جنونه لم يجزئه إجماعا ولو أحرم به الولي صح احرامه كالطفل فان عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به أجزأه عن حجة الاسلام وإن كان بعد الوقوف لم يجزه ووجب عليه إعادة الحج مع افاقته وكمال الشرايط ولو كان الجنون يعتوره أدوارا فان وسع الوقت في نوبة العقل لأداء الحج من بلده واكماله وعوده وجب عليه الحج لأنه عاقل مكلف مستطيع وان قصر الوقت عن ذلك سقط عنه الوجوب وحكم المجنون حكم الصبى غير المميز في جميع ما تقدم ولو خرج الولي بالمجنون بعد ما استقر فرض الحج عليه وأنفق عليه من ماله فإن لم يفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر وإن أفاق وأحرم وحج فلا غرم عليه لأنه قضى ما وجب عليه وشرطت الشافعية افاقته عند الاحرام والوقوف والطواف والسعي ولم يتعرضوا لحالة الحلق وقياس كونه منسكا عندهم اشتراط الإفاقة كساير الأركان وحكم المغمى عليه حكم المجنون لا يجب عليه الحج ولا يحرم عنه غيره على اشكال وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لأنه ليس أهلا للخطاب حالة الاغماء وقال أبو حنيفة يحرم عنه رفيقه فيصير محرما بإحرامه استحبابا أو قد علم من ذلك ان التكليف شرط الوجوب دون الصحة إذ يصح من غير المكلف البحث الثاني في شرط الحرية مسألة لا خلاف بين علماء الأمصار ان الحرية شرط في وجوب الحج والعمرة وقد سبق البحث في ذلك ويصح من العبد الحج بإذن مولاه ولا يجزئه عن حجة الاسلام بعد عتقه لو وجب عليه إلا أن يدرك أحد الموقفين معتقا على ما تقدم وليس له ان يحرم بحج أو عمرة إلا بإذن مولاه بلا خلاف لان منافعه مستحقة لمولاه ويجب عليه صرف زمانه في اشغاله ولا يجوز أن يفوت حقوق مولاه
(٢٩٩)