هذا الجنس من الانكار لا يكون إلا للأئمة أو لمن يأذن له الامام فيه قال (ره) وكان المرتضى (ره) يخالف في ذلك ويقول يجوز فعل ذلك بغير إذنه لان ما يفعل بإذنه يكون مقصودا وهذا بخلاف ذلك لأنه غير مقصود وإنما قصده المدافعة والممانعة فإن وقع ضرر فهو غير مقصود وقد أفتى الشيخ بذلك أيضا في كتاب التبيان. مسألة.
لا يجوز لاحد إقامة الحدود إلا الامام أو من نصبه الامام لاقامتها ولا يجوز لاحد سواهما إقامتها على حال وقد رخص في حال غيبة الامام ان يقيم الانسان الحد على مملوكه إذا لم يخف ضررا على نفسه وماله وغيره من المؤمنين وآمن بوايق الظالمين قال الشيخ وقد رخص أيضا حال الغيبة إقامة الحد على ولده وزوجته إذا امن الضرر ومنع ابن إدريس ذلك في الولد والزوجة وسلمه في العبد وفي رواية حفص بن غياث إنه سأل الصادق (ع) من يقيم الحدود السلطان والقاضي فقال إقامة الحدود إلى من إليه الحكم وهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود في حال الغيبة جزم به الشيخان عملا بهذه الرواية كما يأتي إن للفقهاء الحكم بين الناس فكان إليهم إقامة الحدود ولما في تعطيل الحدود من الفساد وقد روى أن من استخلفه سلطان ظالم على قوم وجعل إليه إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال ويعتقد أنه إنما يفعل ذلك بإذن سلطان (الحق لا بإذن سلطان صح) الجور ويجب على المؤمنين معونته وتمكينه من ذلك ما لم يتعد الحق في ذلك وما هو مشروع في شريعة الاسلام فإن تعدى من إليه الحق لم يجز له القيام به ولا لاحد معونته على ذلك ومنع ابن إدريس من ذلك نعم لو خاف الانسان على نفسه من ترك إقامتها جاز له ذلك للتقية ما لم يبلغ قتل النفوس فإن بلغ الحال ذلك لم يجز فعله ولا تقية فيها على حال. مسألة. الحكم والفتيا بين الناس منوط بنظر الامام ولا يجوز لاحد التعرض له إلا بإذنه وقد فوض الأئمة (ع) ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين المخلصين العارفين بالأحكام ومداركها الباحثين عن ماخذ الشريعة القيمين بنصف الأدلة والامارات لان عمر بن حنظلة سأل الصادق عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى الطاغوت أو إلى السلطان أيحل ذلك فقال من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن يكفر به قلت كيف يصنعان قال انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا (وعرف أحكامنا صح) فلترضوا به حاكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا (رد والراد علينا صح) راد على الله وهو على حد الشرك بالله عز وجل وروى أبو خديجة عن الصادق (ع) قال إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعرف (يعلم خ ل) شيئا من قضايانا (قضائنا خ ل) فاجعلوه بينكم فإني جعلته قاضيا فتحاكموا إليه. إذا عرفت هذا فينبغي لمن عرف الاحكام وما خذها من الشيعة الحكم والافتاء وله بذلك أجر عظيم ما لم يخف في ذلك على نفسه أو على أحد من المؤمنين فإن خاف شيئا من ذلك لم يجز له التعرض بحال. مسألة. لو طلب أحد الخصمين المرافقة إلى قضاة الجور كان متعديا للحق مرتكبا للإثم مخالفا للامام لقول الصادق (ع) في الصحيح أيما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جابر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الاثم ويجب على (كل صح) متمكن منع الطالب لقضاة الجور ومساعدة غريمه على المرافعة إلى قضاة الحق بلا خلاف وإذا ترافع إلى الفقيه العارف بالأحكام الجامع لشرايط الحكم خصمان وجب عليه الحكم بينهما على مذهب (أهل صح) الحق ولا يجوز له أن يحكم بما يخالف الحق من المذاهب لقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " وقول الصادق (ع) في الصحيح من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عز وجل فهو كافر بالله العظيم. إذا ثبت هذا فلو اضطر إلى الحكم بمذهب أهل الخلاف بأن يكون قد اضطر إلى الولاية من قبلهم ولم يتمكن من إنفاذ الحكم بالحق جاز له ذلك ما لم يبلغ إلى الدماء فإنه لا تقية فيها ويجتهد في تنفيذ الاحكام على الوجه الحق ما أمكن للضرورة الداعية (إليه صح) ولقول زين العابدين (ع) إذا كنتم في أئمة جور فاقضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا وإن تعاملتم بأحكامنا كان خيرا لكم. إذا ثبت هذا فلو تمكن من إنفاذ الحكم بالحق وحكم بحكم أهل الخلاف كان آثما ضامنا لان عليا (ع) اشتكى عينه فعاده رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا علي (ع) يصيح (يضج خ ل) فقال له النبي (ع) أجزعا أو وجعا يا علي (فقال صح) يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما وجعت وجعا أشد منه قال يا علي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الفاجر أنزل معه سفودا من نار فيقبض روحه به فتصيح (فتصج خ ل) جهنم فاستوى علي (ع) جالسا فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله أعد على حديثك فقد أنساني وجعي ما قلت فهل يصيب ذلك أحدا من أمتك فقال نعم حكماء جايرين وآكل مال اليتيم وشاهد الزور. مسألة. يجوز لفقهاء الشيعة العارفين بمدارك الاحكام الجامعين لشرايط الحكم الافتاء بين الناس ويجب عليهم ذلك حال غيبة الإمام (ع) إذا امنوا الضرر ولم يخافوا على أنفسهم ولا على أحد من المؤمنين قال الله تعالى " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات " الآية وقال تعالى " فلو لا نفر من كل فرقه منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " وقال الباقر (ع) لعن رسول الله من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له ورجلا خان أخاه في امرأته ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة. إذا عرفت هذا فإنه يجب على المفتى الافتاء عن معرفة لا عن تقليد وإنما يحل له الافتاء بعد المعرفة بالأحكام ومداركها والأصول والنحو الذي يحتاج إليه في ذلك واللغة المحتاج إلهيا فيه ولا يحل له الافتاء بغير علم لقول الباقر (ع) في الصحيح من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه ولو خاف على نفسه من الافتاء بالحق جاز له مع الضرر وخوفه الافتاء بمذاهب أهل الخلاف والسكوت لأنا جوزنا الحكم بمذهب أهل الخلاف للضرورة فالافتاء أولي ويجوز لفقهاء الحق أن يجمعوا بين الناس في الصلوات ويستحب ذلك استحبابا مؤكدا مع الامن وقد اختلف علماؤنا في الجمعة حال الغيبة والامن والتمكن من الخطبتين على ما يسوغ فجوزه بعض علمائنا ومنعه آخرون ولا يجوز لاحد أن يعرض نفسه للتولي من قبل الظالمين إلا أن يعلم أنه لا يتعدى الواجب ولا يرتكب القبيح ويتمكن من وضع الأشياء مواضعها فإن علم أو ظن أنه يخل بشئ من ذلك لم يجز له التعرض لذلك مع الاختيار فإن أكره جاز له ويجتهد في تنفيذ الاحكام على مذهب الحق ما أمكن. الفصل الثامن. في الرباط. مسألة. (الرباط صح) فيه فضل كثير وثواب عظيم قال سلمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقا ومن القتان ومعنى الرباط الإقامة عند الثغر لحفظ بيضة الاسلام وأقله ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما فإن زاد كان جهادا ثوابه ثواب المجاهدين وقال احمد لا طرف له في القلة وليس جيدا لأنه لا يصدق على المجتاز في الثغر إنه مرابط ولقول الباقر (ع) والصادق (ع) الرباط ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما فإذا جاز ذلك فهو جهاد والرباط حال ظهور الإمام أشد استحبابا أما حال الغيبة فلا يتأكد (استحبابها صح) وإن كانت مستحبة لأنها لا تتضمن قتالا بل حفظا وإعلاما وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفا لشدة الحاجة هناك وكثرة النفع بمقامه به فإن رابط حال ظهور الإمام بإذنه وسوغ له القتال جاز له وإن كان مستترا ولم يسوغ له القتال (بل يجز القتال صح) ابتداء بل يمنع الكفار من الدخول إلى دار الاسلام ويعلم المسلمين بأحوالهم فإن قاتلوه جاز له مقاتلتهم ويقصد بذل الدفع عن نفسه وعن بيضة الاسلام. مسألة. تستحب المرابطة بنفسه وغلامه وفرسه ويكره له نقل الذرية والاهل إلى الثغور المخوفة لجواز استيلاء الكفار عليهم وظفر العدو بالذراري والنسوان مع ضعفهم عن الهرب ولو عجز عن المرابطة بنفسه رابط فرسه أو غلامه أو جاريته أو أعان المرابطين وينبغي