ما يؤكل لحمه إلا ما لابد لكم من أكله ولان الحاجة تشتد إلى ذلك فإن نقل الميرة عسر جدا وقسمته يستلزم عدم الانتفاع بما يحصل منه وقال الزهري لا يؤخذ إلا بإذن الامام (لأنه غنيمة صح) فهو لأربابه وهو منوع لاشتداد الحاجة وهل يجوز اخذ الطعام والعلف مع عدم الحاجة والوجه المنع لأنه مغنوم لجماعة الغانمين غير محتاج إليه فأشبه ساير الأموال نعم لهم التزود لقطع المسافة بين أيديهم وقال بعض العامة يجوز مع عدم الحاجة أيضا لان عمر سوغ الاكل ولم يقيد الحاجة و الحيوان المأكول يجوز ذبحه والاكل منه مع الحاجة ولا تجب القيمة لأصالة البراءة ولا فرق بين الغنم وغيرها وقال بعض الشافعية ما يمكن سوقه يساق وأما الغنم فتذبح لأنها كالأطعمة ولهذا قال (ع) حين سئل عن ضالتها هي لك أو لأخيك أو للذئب وقال بعض العامة تجب القيمة لندور الحاجة إليه بخلاف الطعام وليس بشئ لأنا فرضنا الحاجة وإذا ذبح الحيوان للاكل رد الجلود إلى المغنم ولا يجوز استعمالها لعدم الحاجة إليها ولو استعمل الجلد في سقاء أو نعل أو شراك رده إلى المغنم مع أجرة المثل لمدة استعماله وأرش نقص أجزائه بالاستعمال ولو زادت قيمته بالصنعة فلا شئ له لأنه متعد وأما ما عدا الطعام والعلف واللحم فلا يجوز تناوله ولا استعماله ولا الانفراد به لقوله (ع) أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار يوم القيمة وللشافعية في الفواكه وجهان ويمكن الفرق بين ما يسرع إليه الفساد و يشق نقله وبين غيره وأما الدهن المأكول فيجوز استعماله في الطعام مع الحاجة لأنه نوع من الطعام ولو كان غير مأكول فإن احتاج إلى أن يدهن به أو دابته لم يكن له ذلك إلا بالقيمة قاله الشافعي لأنه مما لا تعم الحاجة إليه ولا هو طعام ولا علف وقال بعض العامة يجوز لان الحاجة إليه في اصلاح بدنه ودابته كالحاجة إلى الطعام والعلف ويجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه كالجلاب والسكنجبين وغيرهما عند الحاجة لأنه من الطعام وقال أصحاب الشافعي ليس له تناوله لأنه ليس قوتا ولا يصلح به القوت والوجه الجواز لأنه محتاج إليه فأشبه الفواكه وليس له غسل ثوبه بالصابون لأنه ليس طعاما ولا علفا وإنما يراد للتحسين والتزيين لا للضرورة ولا يجوز الانتفاع بجلودهم ولا اتخاذ النعال منها ولا الجرب ولا الخيوط ولا الحبال وبه قال الشافعي لأنه مال غنيمة لا تعم الحاجة فلا يختص به البعض ورخص مالك في الحبل يتخذ من الشعر والنعل والخف يتخذ من جلود البقر. مسألة. الكتب التي لهم فإن كان الانتفاع بها حلالا كالطب والأدب والحساب والتواريخ فهي غنيمة وإن حرم الانتفاع بها مثل كتب الكفر والهجو والفحش المحض فلا يترك بحاله بل تغسل إذا كان على رق أو كاغذ ثخين يمكن غسله ثم هو كساير أموال الغنيمة وإن لم يمكن غسله أبطلت منفعته بالتمزيق ثم الممزق وكساير الأموال من الغنيمة فإن للمزق قيمة وإن قلت وكذا كتب التورية والإنجيل لأنها مبدلة محرفه فلا يجوز الانتفاع بها وإنما تقر في أيدي أهل الذمة لاعتقادهم كما يقرون على الخمر والأولى إنها لا تحرق لما فيها من أسماء الله تعالى وأما جوارح الصيد كالفهد والبازي وكلب الصيد فغنيمة ولو لم يرغب فيها أحد من الغانمين جاز إرسالها وإعطاؤها غير الغانمين ولو رغب فيها بعض الغانمين دفعت إليه ولا تحتسب عليه من نصيبه لأنه لا قيمة لها وإن رغب فيها الجميع قسمت ولو تعذرت القسمة أو تنازعوا في الجيد منها أقرع بينهم وقال بعض الشافعية إن الامام يخص بالكلاب من شاء قالوا وللامام أن يسلمها إلى واحد من المسلمين لعلمه باحتياجه إليه ولا يكون محسوبا عليه واعترض عليه بأن الكلب منتفع به فليكن حق اليد فيه لجميعهم كما إن من مات وله كلب لا يستبد به بعض الورثة فقال بعضهم إن أراده بعض الغانمين أو بعض أهل الخمس ولم ينازع فيه سلم إليه وإن تنازعوا فإن وجدنا كلابا وأمكنت القسمة عددا قسمت وإلا أقرع بينهم وقد تعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة أو ينظر إلى منافعها ولو وجدوا خنازير قتلوها لحصول الأذى منها ولو وجدوا خمرا أراقوه ولو كان لظروفه قيمة أخذوها غنيمة إلا أن تزيد مؤنة الحمل على قيمتها أو تساويها فيتلفها عليهم ولا يجوز لبس ثياب الغنيمة ولا ركوب دوابها لأنه مال مغنوم فلا يختص به أحد ولو كان للغازي دواب أو رقيق جاز له أن يطعمهم بما يجوز أكله سواء كانوا للقنية أو للتجارة للحاجة بخلاف ما لو كان معه بزاة أو صقور لعدم الحاجة إليها بخلاف الخيل ولا يجوز استعمال أسلحة الكفار إلا أن يضطر إليه في القتال فإذا انقضى الحرب رده إلى المغنم وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجوز استعمال أسلحتهم ولو جمعت الغنايم وثبتت يد المسلمين عليها وفيها طعام وعلف لم يجز لاحد أخذه إلا لضرورة لأنا أبحنا له الاخذ قبل استيلاء يد المسلمين عليها مع الضرورة فبعد الاستيلاء أولي ولان الغانمين ملكوها بالحيازة فخرجت عن المباحات فلا يجوز الاكل منها إلا أن لا يجد غيره لان حفظ النفس واجب سواء خيرت في دار الحرب أو دار الاسلام وقال بعض العامة إن خيرت في دار الحرب جاز الاكل كما جاز قبل الحيازة لان دار الحرب مظنة الحاجة وهو غلط لان المسلمين ملكوه فلا يباح أخذه إلا بإذن ولان الحيازة في دار الحرب تثبت الملك كالحيازة في دار الاسلام ولهذا جاز قسمته وثبت فيه أحكام الملك. مسألة. لو فضل معه من الطعام فضله فأدخله دار الاسلام رده إلى المغنم وإن قل فإن كانت الغنيمة لم تقسم رد في المغنم وإن قسمت رده إلى الامام فإن أمكن تفريقه كالغنيمة فرق وإن لم يمكن لتفرق الغانمين و قلة ذلك احتمل جعله في المصالح ولا خلاف في وجوب رد الكثير لان المباح أخذ ما يحتاج إليه في دار الحرب فالفاضل غير محتاج إليه فيردوا ما لقليل فكذلك وهو أحد قول الشافعي وقول أبي حنيفة وأبى ثور وبن المنذر واحمد في إحدى الروايتين لقوله (ع) ردوا الخيط والمخيط ولأنه ما لا يقسم فأشبه الكثير وقال مالك يكون مباحا لا يجب رده إلى المغنم وبه قال الأوزاعي وعطا الخراساني ومكحول والشافعي في القول الآخر واحمد في رواية أخرى لأنه أبيح إمساكه عن القسمة فأبيح في دار الاسلام كمباحات دار الحرب والفرق ظاهر وعن أبي حنيفة إنه كان ذلك قبل القسمة (الغنيمة) رده إلى المغنم وإن كان بعدها باعه وتصدق بثمنه. مسألة. ما يؤخذ أموال المشركين حال الحرب بالقهر فهو للمقاتلة يؤخذ منه الخمس والباقي للغانمين وما تأخذه سرية بغير إذن الإمام فهو للامام خاصة عندنا وما يتركه المشركون فزعا ويفارقونه من غير حرب فهو للامام أيضا وما يؤخذ صلحا أو جزية فهو للامام أيضا وما يؤخذ صلحا أو جزية فهو للمجاهدين ومع عدمهم يقسم في فقراء المسلمين وما يؤخذ غيله من أهل الحرب إن كان في زمان الهدنة أعيد إليهم فإن لم يكن كان لاخذه وفيه الخمس ومن مات من أهل الحرب وخلف مالا فماله للامام إذا لم يكن له وارث وقال بعض الشافعية لو دخل واحد أو شرذمة دار الحرب مستخفين وأخذوا ما لا على صورة السرقة كان ملكا لاخذه خاصة لان السارق يقصد تملك المال والثابت اليد عليه ومال الحربي غير معصوم فكأنه غير مملوك وصار سبيله سبيل الاستيلاء على المباحات بخلاف مال الغنيمة فإنه وإن حصل في يد الغانمين فليس مقصودهم التملك إذ لا يجوز التغرر بالمهج لاكتساب الأموال وإنما الغرض الأعظم رفع كلمة الله تعالى وقمع أعداء الدين وللقصد أثر ظاهر فما يملك بالاستيلاء وقال بعضهم إنه غنيمة مخمسة كأنهم جعلوا دخوله دار الحرب وتغريره بنفسه قايما مقام القتال ولهذا قالوا لو غزت طايفة بغير إذن الإمام متلصصين وأخذت مالا فهو غنيمة مخمسة وروى عن أبي حنيفة إنه لا يخمس بل ينفردون به إذا لم يكن لهم قوة وامتناع وفي رواية أخرى يؤخذ الجميع منهم ويجعل في بيت المال وقال بعض الشافعية إذا دخل الرجل الواحد دار الحرب واخذ من حربي
(٤٢٠)