الظاهر من المذهب جوازه لأنه من فروض الامام فإذا فعله كان صحيحا لأنه معصوم. مسألة. إذا فسد عقد الهدنة إما لزيادة في المدة أو التزام المال أو غيرهما لم يمض ووجب نقضه لكن لا يجوز اغتيالهم بل يجب إنذارهم وإعلامهم أولا وإذا وقع صحيحا وجب الوفاء بالكف عنهم إلى انقضاء المدة أو صدور خيانة منهم تقتضي الانتقاض ولو عقد نايب الامام عقدا فاسدا كان على من بعده نقضه وقال بعض الشافعية إن كان فساده من طريق الاجتهاد لم يفسخه وإن كان بنص أو إجماع فسخه وينبغي للامام إذا عاهد أن يكتب كتابا عليه على عقد الهدنة ليعمل به من بعده ولا بأس أن يقول فيه لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمتي ومهما صرحوا بنقض العهد وقاتلوا المسلمين أو أو أعينا عليهم أو كاتبوا أهل الحرب بأخبارهم أو قتلوا مسلما أو أخذوا مالا فقد انتقض عهدهم. البحث السادس.
في تبديل أهل الذمة دينهم ونقض العهد. مسألة. إذا انتقل ذمي تقبل منه الجزية كاليهودي والنصراني والمجوسي إلى دين يقر أهله عليه بالجزية كاليهودي و يصير نصرانيا أو مجوسيا أو بالعكس لعلمائنا قولان أحدهما إنه يقبل منه ذلك ولا يجب قتله بل يجوز إقراره بالجزية لان الكفر كالملة الواحدة والثاني لا يقر لقوله (ع) من بدل دينا فاقتلوه ولقوله تعالى " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " فعلى الأول قال الشيخ لو انتقل إلى بعض المذاهب أقر على جميع أحكامه وإن انتقل إلى المجوسية فمثل ذلك غير انا على أصلنا لا تجوز مناكحتهم بحال ولا أكل ذبايحهم ومن أجاز أكل ذبايحهم من أصحابنا ينبغي له أن يقول إن انتقل إلى اليهودية أو النصرانية أكلت ذبيحته وإن انتقل إلى المجوسية لا توكل ولا تناكح قال وإذا قلنا لا يقر على ذلك وهو الأقوى عندي فإنه يصير مرتدا عن دينه تذنيب إذا قلنا لا يقر عليه فبأي شئ يطالب فمنهم من يقول إنه يطالب بالاسلام لا غير لاعترافه ببطلان ما كان عليه وما عدا دين الاسلام باطل فلا يقر عليه ومنهم من يقول إنه يطالب بالاسلام أو بدينه الأول وقوى الشيخ (ره) الأول فعليه ان لم يرجع إلا إلى دينه الأول قتل ولم ينفذ إلى دار الحرب لما فيه من تقوية أهل الحرب ولو انتقل من لا يقر على دينه إلى دين من يقر أهله عليه كالوثني ينتقل إلى التهود أو التنصر الأقوى ثبوت الخلاف السابق فيه ولو انتقل الذمي إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر عليه إجماعها وكما الذي يقبل منه قيل لا يقبل منه إلا الاسلام وقواه الشيخ للآية والخبر وقيل يقبل منه الاسلام أو الدين الذي كان عليه لأنه انتقل من دين يقر أهله عليه إلى ما لا يقر أهله عليه فيقبل منه واستبعده ابن الجنيد وقال لا يقبل منه إلا الاسلام لأنه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه قد أباح دمه وصار حكمه حكم المرتد وقيل يقبل منه الاسلام أو الرجوع إلى دينه الأول أو الانتقال إلى دين يقر أهله عليه لان الأديان المخالفة للدين الاسلام ملة واحدة لان جميعها كفر وهو الاظهر عند الشافعية قال الشيخ (ره) وأما أولاده فإن كانوا كبارا أقروا على دينهم ولهم حكم نفوسهم وإن كانوا صغارا نظر في الام فإن كانت على دين يقر أهله عليه ببذل الجزية أقر ولده الصغير في دار الاسلام سواء ماتت الام أو لم تمت وإن كانت على دين لم يقر أهله عليه كالوثنية وغيرها فإنهم يقرون أيضا لما سبق من لهم الذمة والام لا يجب عليها القتل. مسألة. إذا عقد الامام الهدنة وجب عليه الوفاء بما عقده ما لم ينقضوها بلا خلاف فعليه لقوله تعالى " أوفوا بالعقود " وقال تعالى " وأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضى أمدها أو ينبذ إليهم على سواء ولو شرع المشركون في نقض العهد فإن نقض الجميع وجب قتالهم لقوله تعالى " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم " وإن نقض بعض نظر فإن أنكر عليهم الباقون بقول أو فعل أو اعتزلوهم أو أرسلوا إلى الاسلام بأنا منكرون لفعلهم مقيمون على العهد كان العهد باقيا في حقه وإن سكتوا على ما فعل الناقضون ولم يوجد إنكار ولا تبرئ من ذلك كانوا كلهم ناقضين للعهد لان سكوتهم دال على الرضا به كما لو عقد بعضهم الهدنة وسكت الباقون دل على رضائهم كذا هنا فإن نقض الجميع غزاهم الامام وبيتهم وأغار عليهم ويصيروا أهل حرب ليس لهم عقد هدنة وإن كان من بعض غزاة الامام الناقضين دون الباقين على العهد ولو كانوا ممتزحين أمرهم الامام بالتمييز ليأخذ من نقض ولو لم يتميزوا فمن إعترف بأنه نقض قتله ومن لم يعترف بذلك لم يقتله وقبل قوله لتعذر معرفته الآمنة ولو نقضوا العهد ثم تابوا عنه قال ابن الجنيد أرى القبول منهم. مسألة. لو خاف الامام من جناية المهادنين وغدرهم بسبب أو أمارة دلته على ذلك جاز له نقض العهد قال الله تعالى وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ إليهم على سواء يعنى أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن أمارة تدل على ما خافه ولا تنتقض الهدنة بنفس الخوف بل للامام نقضها وهذا بخلاف الذمي إذا خيف منه الخيانة فإن عقد الذمة لا ينتفض بذلك لان عقد الذمة يعقد لحق أهل الكتاب ولهذا يجب على الامام إجابتهم عليه وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقهم فافترقا ولان عقد الذمة آكد لأنه عقد معاوضة ومؤبد بخلاف الهدنة والأمان ولهذا لو نقض بعض أهل الذمة وسكت الباقون لم ينتقض عهدهم ولو كان في الهدنة انتقض ولان أهل الذمة في قبضة الامام ولا يخشى الضرر كثيرا من نقضهم بخلاف أهل الهدنة لان الامام يخاف منهم الغارة على المسلمين والضرر الكثير. مسألة. إذا انتقضت الهدنة لخوف الامام ونبذ إليهم عهدهم ردهم إلى مأمنهم وصاروا حربا فإن لم يبرحوا عن حصنهم جاز قتالهم بعد النبذ إليهم لانهم في مأمنهم كما كانوا قبل العقد وإن كانوا قد نزلوا فصاروا في عسكر المسلمين ردهم الامام إلى مأمنهم (لانهم دخلوا إليه من مأمنهم صح) فعليه أن يردهم إليه وإلا لكان خيانة من المسلمين والله لا يجب؟ الخائنين فإذا زال عقد الهدنة نظر فيما زال به فإن لم يتضمن وجوب حق عليه (مثل صح) أن يأوى لهم عينا أو يخبرهم بخبر المسلمين ويطلعهم على عوراتهم رده إلى مأمنه ولا شئ عليه وإن كان يوجب حقا فإن كان لآدمي كقتل نفس أو إتلاف مال استوفى ذلك منه وإن كان لله تعالى محضا كحد الزنا والشرب أقيم عليه أيضا عندنا خلافا للعامة وإن كان مشتركا كالسرقة أقيم عليه عندنا وللعامة قولان. مسألة.
إذا عقد الامام الذمة للمشركين كان عليه أن يذب عنهم كل من لو قصد المسلمين لزمه أن يذب (عنهم صح) ولو عقد الهدنة لقوم (منهم صح) كان عليه أن يكف عنهم كل من يجرى عليه أحكامه من المسلمين وأهل الذمة وليس عليه أن يدفع عنهم أهل الحرب ولا بعضهم عن بعض والفرق إن عقد الذمة يقتضى جرى أحكامنا عليهم فكانوا كالمسلمين والهدنة عقد أمان لا يتضمن جرى الاحكام فاقتضى ان يأمن من جهته من يجرى عليه أحكام الامام دون غيره فإن شرط الامام في عقد الذمة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب فإن كانوا في وسط بلاد الاسلام كالعراق أو في طرف بلاد الاسلام كان الشرط فاسدا لأنه يجب عليه أن يمنع أهل الحرب من دخول دار الاسلام فلا يجوز أن يشترط خلافه وإن كانوا في دار الحرب أو بين دار الاسلام ودار الحرب كان الشرط جايزا لعدم تضمنه تمكين أهل الحرب من دار الاسلام. إذا ثبت هذا فمتى قصدهم أهل الحرب ولم يدفعهم عنهم حتى مضى حول فلا جزية عليهم لان الجزية تستحق بالدفع فإن سباهم أهل الحرب فعليه أن يرد ما سبى منهم من الأموال لان عليه حفظ أموالهم فإن كان في جملته خمر أو خنزير لم تلزمه استعادته لأنه لا يحل إمساكه وإذا أغار أهل الحرب على أهل الهدنة وأخذوا أموالهم وظفر الامام بأهل الحرب واستنقذ أموال أهل الهدنة قال الشافعي يردها الامام عليهم وكذا إذا اشترى مسلم من أهل الحرب ما أخذوه من أهل الهدنة وجب رده عليهم لأنه في عهد منه فلا يجوز أن يتملك ما سبى منهم كأهل الذمة وقال أبو حنيفة لا يجب رد ما أخذوه من أهل الحرب من أموالهم لأنه لا يجب عليه أن يدفعهم عنهم فلا يلزمه رد ما استنقذه