البصرة ولان الاعتكاف يتعلق به أحكام شرعية من أفعال وتروك والأصل عدم تعلقها بالمكلف إلا مع ثبوت المقتضى ولم يوجد احتج المفيد بقول أمير المؤمنين عليه السلام لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو في مسجد جامع احتج ابن أبي عقيل بقوله تعالى وأنتم عاكفون في المساجد ولقول الصادق عليه السلام لا اعتكاف إلا بصوم وفى المصر الذي أنت فيه واحتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام كل مسجد له إمام ومؤذن يعتكف فيه ولأنه قد يأتي عليه الجمعة فان خرج أبطل اعتكافه وربما كان واجبا وان لم يخرج أبطل جمعته فحينئذ يجب المسجد الذي يصلى فيه جمعة والجواب ان قول أمير المؤمنين عليه السلام أو في مسجد جامع مطلق وما قلناه مقيد فيحمل عليه جمعا بين الأدلة ولا دلالة في الآية لان اللام قد تقع للعهد وقول الصادق عليه السلام محمول على المسجد الذي هو أحد الأربعة ولا بد من التأويل لأنه يقتضى تحريم الاعتكاف إلا في مصره وهو خلاف الاجماع وحجة أبي حنيفة لنا تذنيب ليس للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها وهو الذي عزلته وهياته للصلاة فيه لأنه ليس له حرمة المساجد وليس مسجدا حقيقة ولهذا يجوز تبديله وتوسيعه وتضييقه فلم يكن مسجدا حقيقة فأشبه ساير المواضع وهو الجديد للشافعي وبه قال مالك واحمد وقال في القديم يجوز لها ذلك وهذا التفريع على رأى من يعمم الأماكن وأبو حنيفة قال بالجواز أيضا لأنه مكان صلاتها كما أن المسجد مكان صلاة الرجل وليس بجيد لان نساء النبي صلى الله عليه وآله كن يعتكفن في المسجد ولو جاز اعتكافهن في البيوت لاشبه أن يلازمها وعلى الجواز ففي جواز الاعتكاف للرجل وجهان للشافعية لان تنفل الرجل في البيت أفضل والاعتكاف ملحق بالنوافل وكل امرأة يكره لها حضور الجماعات يكره لها الاعتكاف في المساجد مسألة يشترط في الاعتكاف الصوم عند علمائنا أجمع وبه قال ابن عمر وابن عباس وعايشة والزهري وأبو حنيفة ومالك والليث والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي واحمد في إحدى الروايتين لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا اعتكاف إلا بصوم ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام لا اعتكاف إلا بصوم ولأنه لبث في مكان مخصوص فلم يكن بمجرده قربة كالوقوف بعرفة وقال الشافعي لا يشترط الصوم بل يجوز من غير صوم وبه قال ابن مسعود وسعيد بن المسبب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطا وطاوس وإسحاق واحمد في الرواية الأخرى لان عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله انى نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وآله أوف بنذرك ولو كان الصوم شرطا لم يصح اعتكاف الليل ولقول ابن عباس ليس على معتكف صوم ولأنه عبادة تصح في الليل فلا يشترط لها الصيام كالصلاة والجواب الليلة قد تطلق مع اراده النهار معها كما يقال أقمنا ليلتين أو ثلاث والمراد الليل والنهار ونمنع صحة الاعتكاف ليلا خاصة والفرق بينه وبين الصلاة ظاهر لأنه بمجرده لا يكون عبادة فاشترط فيه الصوم وقول ابن عباس لا يكون حجة مسألة لا يشترط صوم معين بل أي صوم اتفق صح الاعتكاف معه سواء كان الصوم واجبا أو ندبا وسواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب الصوم بالنذر لان ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا فلو اعتكف في شهر رمضان صح اعتكافه وكان الصوم واقعا عن رمضان وأجزأ عن صوم اعتكافه الواجب وكذا لو نذر صوم شهر ونذر اعتكاف شهر وأطلق النذرين أو جعل زمانهما واحدا صح ان يعتكف في شهر صومه المنذور وتقع نية الصوم عن النذر المعين أو غير المعين وكذا لو نذر اعتكافا وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبا جاز والقائلون بعدم اشتراط الصوم من العامة حكموا باستحبابه لان النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف وهو صائم ولا خلاف فيه وجوزوا اعتكاف بعض يوم أو بعض ليلة ومن اشترطه منهم لم يسوغوا اعتكاف بعض يوم ولا اعتكاف ليلة منفرد ولا بعضها لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم ويحتمل عندهم صحة اعتكاف بعض يوم إذا صام اليوم بأسره لأن الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف ولا يعتبر وجود (المشروط في زمن كل زمان؟) الشرط وعلى مذهبنا من اشتراط الصوم لا يصح اعتكاف زمان لا يصح فيه الصوم كيوم العيدين وأيام التشريق والمرض المضر والسفر الذي يجب فيه القصر خلافا للشافعي فإنه جوز الاعتكاف في يومى العيدين وأيام التشريق مسألة يشترط في صحة اعتكاف الزوجة المندوب إذن زوجها وكذا السيد في حق عبده لان منافع الاستمتاع والخدمة مملوكة للزوج والسيد فلا يجوز صرفها إلى غيرهما إلا بإذنهما وكذا المدبر وأم الولد ومن انعتق بعضه إلا مع المهاياة ايقاع الاعتكاف في أيام نفسه أما المكاتب فإنه كالعبد إذا كان مشروطا لأنه لم يخرج عن الرق بالكتابة فتوابع الرق لاحقة به وقال الشافعي يجوز لان منافعه لاحق للمولى فيها وليس بجيد لان الرق لم يزل عنه واطلاق الاذن منصرف إلى الاكتساب دون غيره مسألة لو أذن لعبده في الاعتكاف أو لزوجته جاز له الرجوع ومنعهما ما لم يجب وبه قال الشافعي لأنه فعل مندوب يجوز الرجوع فيه لان التقدير انه لم يجب لان الشروع غير ملزم عندنا على ما يأتي كما لو اعتكف بنفسه ثم بدا له في الرجوع ولان من منع غيره من الاعتكاف إذا أذن فيه وكان تطوعا كان له اخراجه منه كالسيد مع عبده وقال أبو حنيفة له منع العبد وليس له منع الزوجة وقال مالك ليس له منعهما لأن المرأة تملك بالتمليك فإذا أذن لها أسقط حقه من منافعها وأذن لها في استيفائها فصار كما لو ملكها عينا بخلاف العبد الذي لا يملك البتة وانما يتلف منافعه على ملك السيد فإذا أذن له في إتلافها صار كالمعير وقال مالك ان السيد قد عقد على نفسه تمليك منافع كان يملكها لحق الله تعالى فلم يكن له الرجوع فيه كصلاة الجمعة والجواب إن منافع المرأة لزوجها ولهذا يجب عليها بذلها فإذا أذن لها في إتلافها جرى مجرى المعير والجمعة تجب بالدخول فيها بخلاف الاعتكاف مسألة لا ينعقد نذر المرأة للاعتكاف إلا بإذن زوجها وكذا العبد إلا بإذن مولاه فإذا اذنا فإن كان النذر لأيام معينة لم يجز للمولى ولا للزوج المنع ولا الرجوع وإن كان لأيام غير معينة جاز المنع ما لم يجب بأن يمضى يومان لأنه ليس على الفور ولو دخلا في المندوب بإذنه جاز الرجوع أيضا وقال الشيخ ره يجب عليه الصبر ثلاثة أيام هي أقل الاعتكاف وليس بجيد لأنا لا نوجب المندوب بالشروع ولو نذرا نذرا غير معين بإذن الزوج والمولى لم يجز لهما الدخول فيه إلا بإذنهما لان منافعهما حق مضيق يفوت بالتأخير بخلاف الاعتكاف وإذا أذن لعبده في الاعتكاف فاعتكف ثم أعتق وجب عليه إتمام الواجب واستحب اتمام المندوب ولو دخل في الاعتكاف بغير نذر فأعتق في الحال قال الشيخ ره يلزمه وليس بجيد لان الدخول منهى عنه ولا ينعقد به الاعتكاف فلا يجب إتمامه تذنيب لا يجوز للأجير أن يعتكف زمان إجارته إلا بإذن المستأجر لان منافعه مملوكة له وكذا ينبغي في الضيف لافتقار صومه تطوعا إلى الاذن المطلب الثالث في تروك الاعتكاف مسألة يحرم على المعتكف الجماع بالنص والاجماع قال الله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها وأجمع العلماء كافة على تحريم الوطي للمعتكف فان اعتكف وجامع فيه متعمدا فسد اعتكافه إجماعا لان الوطي إذا حرم في العبادة أفسدها كالحج والصوم وإن كان ناسيا لم يبطل وبه قال الشافعي لقوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطا والنسيان ولأنها مباشره لا تفسد الصوم فلا تفسد الاعتكاف كالمباشرة فيما دون الفرج وقال أبو حنيفة ومالك واحمد يبطل الاعتكاف لان ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه كالخروج من المسجد ونمنع الأصل والفرق ان الخروج ترك المأمور به وهو مخالف لفعل المحظور فيه فإن من ترك النية في الصوم لا يصح صومه وإن كان ناسيا بخلاف ما لو جامع سهوا ولا فرق في التحريم بين الوطي في القبل والدبر ولا بين الانزال وعدمه وكما يحرم الوطي نهارا يحرم ليلا لان المقتضى للتحريم للاعتكاف فيهما ولا
(٢٨٥)