اجرة الحمولة وضمان المال ولم يجزئه عن الحج أما لو كان واجدا للزاد والراحلة والمؤنة فغصب فحج بالمغصوب أجزأه ذلك وبه قال الشافعي لان الحج عبادة بدنية والمال والحمولة يرادان للتوصل إليه فإذا فعله لم يقدح فيه ما يوصل به إليه نعم لو طاف أو سعى على الدابة المغصوبة لم يصحا ولو وقف عليها فالأقوى الصحة لان الواجب هو الكون في الموقف وقد حصل وقال احمد إذا حج بالمال المغصوب لم يصح وكذا لو غصب حمولة فركبها حتى اوصلته لان الزاد والراحلة من شرايط الحج ولم يوجد على الوجه المأمور به فلا يخرج به عن العهدة وليس بجيد لان شرط الحج ليس تملك غير الزاد والراحلة بل هما أو ثمنهما والبحث في القادر مسألة الفقير والزمن لا يجب عليه الحج إجماعا فلو بذل له غيره الحج عنه بأن ينوبه لم يجب عليه أيضا وبه قال مالك وأبو حنيفة لقوله عليه السلام السبيل زاد وراحلة ولان الحج عبادة بدنية فوجب ان لا يجب عليه ببذل الغير النيابة عنه فيها كالصلاة والصوم ولان العبادات ضربان منها ما يتعلق بالأبدان فتجب بالقدرة عليها كالصلاة والصيام ومنها ما يتعلق بالأموال فيعتبر في وجوبها ملك المال كالزكاة ولم يعهد في الأصول وجوب عبادة ببذل الطاعة وقال الشافعي يجب لما روى أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الراحلة فهل ترى ان أحج عنه فقال نعم فقالت أينفعه ذاك فقال أفرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه فقالت نعم فقال فدين الله أحق ان يقضى وجه الدلالة انها بذلت الطاعة لأبيها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله بالحج عنه من غير أن يجرى للمال ذكر فدل على أن الفرض وجب ببذل الطاعة ولان المغصوب الموسر يجب عليه الحج بالاستنابة للغير بالمال وهذا في حكمه لأنه قادر على فعل الحج عن نفسه فلزمه كالقادر بنفسه والحديث لا يدل على الوجوب ولهذا شبهه (ع) بالدين مع أن الولد لا يجب عليه قضاء ما وجب على أبيه من الدين بل يستحب له فكذا هنا ونمنع وجوب الاستنابة على المغصوب وسيأتى انشاء الله تعالى تنبيه شرط الشافعية في وجوب الحج ببذل الطاعة سبعة شرايط ثلاثة في الباذل - آ - أن يكون الباذل من أهل الحج فيجتمع البلوغ والعقل والحرية والاسلام لان من لا يصح منه أداء الحج عن نفسه لا تصح منه النيابة فيه عن غيره - ب - ان لا تكون عليه حجة الاسلام ليصح له احرامه بالحج عن غيره - ج - ان يكون واجدا للزاد والراحلة لأنه لما كان ذلك معتبرا في المبذول له كان اعتباره في الباذل أولى إذ ليس حال الباذل أوكد في الزام الفرض من المبذول له وبعض الشافعية لا يعتبر هذا الشرط في بذله للطاعة وان اعتبره في فرض نفسه لأنه التزم الطاعة باختياره فصار كحج النذر المخالف بالأصالة وأربعة في المبذول له - آ - ان يكون المبذول له واقفا بطاعة الباذل عالما انه متى آمره بالحج امتثل أمره لان قدرة الباذل قد أقيمت مقام قدرته فافتقر إلى الثقة بطاعته - ب - ان يكون الفرض غير ساقط عنه - ج - ان يكون معضوبا آيسا من أن يفعل بنفسه - د - ان لا يكون له مال لان ذا المال يجب عليه الحج بماله فإذا اجتمعت الشروط نظر في الباذل فإن كان غير ولد ولا والد ففي لزوم الفرض ببذله وجهان أحدهما وهو الصحيح عندهم ونص عليه الشافعي انه كالولد في لزوم الفرض ببذل طاعته لكونه مستطيعا للحج في الحالين والثاني ان الفرض لا يلزمه ببذل غير ولده لما يلحقه من المنة في قبوله ولان حكم الولد مخالف لغيره في القصاص وحد القذف والرجوع في الهبة فخالف غيره في بذل الطاعة وإذا أكملت الشرائط التي يلزم بها فرض الحج ببذل الطاعة فعلى المبذول له الطاعة ان يأذن للباذل ان يحج عنه لوجوب الفرض عليه وإذا أذن له وقبل الباذل اذنه فقد لزمه ان يحج عنه متى شاء وليس له الرجوع بعد القبول إذا تقرر هذا فعلى المبذول له ان يأذن وعلى الباذل ان يحج فان امتنع المبذول له من الاذن فهل يقوم الحاكم مقامه في الاذن للباذل وجهان أحدهما القيام فيأذن للباذل في الحج لان الاذن قد لزمه ومتى امتنع من فعل ما وجب عليه قام الحاكم مقامه في استيفاء ما لزمه كالديون والثاني وهو الصحيح عندهم ان إذن الحاكم لا يقوم مقام اذنه لان البذل كان لغيره فان اذن المبذول له قبل وفاته انتقل الفرض عنه إلى الباذل وان لم يأذن حتى مات لقى الله تعالى وفرض الحج واجب عليه فلو حج الباذل بغير اذن المبذول له كانت الحجة واقعة عن نفسه لان الحج عن الحي لا يصح بغير اذنه وكان فرض الحج باقيا على المبذول له وهذا كله ساقط عندنا البحث الخامس في امكان المسير ويشتمل على أمور أربعة الصحة والتثبت على الراحلة وأمن الطريق في النفس والبضع والمال واتساع الوقت والنظر هنا في أربعة النظر الأول الصحة مسألة أجمع علماء الأمصار في جميع الأعصار على أن القادر على الحج بنفسه الجامع لشرايط وجوب حجة الاسلام يجب عليه ايقاعه مباشرة ولا تجوز له الاستنابة فيه فان استناب غيره لم يجزئه ووجب عليه ان يحج بنفسه فان مات بعد استطاعته واستنابته واستقرار الحج في ذمته وجب ان يخرج عنه أجرة المثل من صلب ماله لان ما فعله أولا لم يفده براءة ذمته فيكون بمنزلة التارك للحج بعد استقراره في الذمة من غير اجارة أما المريض مرضا لا يتضرر بالسفر والركوب فإنه كالصحيح يجب عليه مباشرة الحج بنفسه فان وجد مشقة أو احتاج إلى ما يزيده على مؤنة سفر الصحيح مع عجزه عنه سقط عنه فرض المباشرة ولو احتاج إلى الدواء فكالزاد مسألة المريض الذي يتضرر بالركوب أو السفر إن كان مرضه لا يرجى زواله وكان مأيوسا من برئه لزمانه أو مرض لا يرجى زواله أو كان معضوبا نضو الخلقة لا يقدر على التثبت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة أو كان شيخا فانيا وما أشبه ذلك إذا كان واجدا لشرايط الحج من الزاد والراحلة وغيرهما لا تجب عليه المباشرة بنفسه إجماعا لما فيه من المشقة والحرج وقد قال تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج ولما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله قال من لم تمنعه من الحج حاجة أو مرض حابس أو سلطان جاير فمات فليمت يهوديا أو نصرانيا ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا وهل تجب عليه الاستنابة قال الشيخ نعم وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وفى التابعين الحسن البصري ومن الفقهاء الشافعي والثوري واحمد وإسحاق لما رواه العامة عن علي عليه السلام انه سئل عن شيخ يجد الاستطاعة فقال يجهز من يحج عنه ولحديث الخثعمية ومن طريق الخاصة ما رواه معوية بن عمار في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال إن عليا عليه السلام رأى شيخا لم يحج قط ولم يطق الحج من كبره فأمر أن يجهز رجلا فيحج عنه ولأنها عبادة تجب بافساده الكفارة فجاز ان يقوم غير فعله مقام فعله فيها كالصوم إذا عجز عنه وقال بعض علمائنا لا تجب الاستنابة وبه قال مالك لان الاستطاعة غير موجودة لعدم التمكن من المباشرة والنيابة فرع الوجوب والوجوب ساقط لعدم شرطه فان الله تعالى قال من استطاع وهذا غير مستطيع ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز كالصوم والصلاة ونمنع عدم الاستطاعة لان الصادق عليه السلام فسرها بالزاد والراحلة وهي موجودة والقياس ضعيف وهذا القول لا بأس به أيضا وقال مالك ولا يجوز ان يستأجر من يحج عنه في حال حياته فان وصى ان يحج عنه بعد وفاته جاز وقال أبو حنيفة ان قدر على الحج قبل زمانه لزمه الحج وان لم يقدر عليه فلا حج عليه مسألة لو لم يجد هذا المريض الذي لا يرجى برؤه مالا يستنيب به لم يكن (يجب) عليه حج إجماعا لأن الصحيح لو لم يجد ما يحج به لم يجب عليه فالمريض أولي وان وجد مالا ولم يجد من ينوب عنه لم يجب عليه أيضا لعدم تمكنه من الاستيجار وعن أحمد روايتان في امكان المسير هل هو من شرايط الوجوب أو من شرايط لزوم السعي فان قلنا من شرايط لزوم السعي يثبت الحج في ذمته يحج عنه بعد موته وإن قلنا من شرايط الوجوب لم يجب عليه شئ وهذا ساقط عندنا مسألة المريض الذي لا يرجى برؤه لو استناب من حج عنه ثم عوفي والمعضوب إذا تمكن من المباشرة بعد ان حج عن نفسه
(٣٠٣)