عن الاستطاعة البحث الثالث في الاستطاعة مسألة الاستطاعة شرط في وجوب الحج والعمرة باجماع العلماء وبالنص قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا دل بمفهومه على سقوطه عن غير المستطيع ولا نعلم في ذلك خلافا ولقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر إذا عرفت هذا فنقول الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد والراحلة باجماع علمائنا وبه قال الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي واحمد وإسحاق قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم لما رواه العامة ان النبي صلى الله عليه وآله سئل ما السبيل قال الزاد والراحلة ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي قال سأل حفص الكناسي الصادق عليه السلام وأنا عنده عن قول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلا سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة واشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد وقال عكرمة الاستطاعة هي الصحة وقال الضحاك إن كان شابا فليواجر نفسه باكله وعقبه حتى يقضى نسكه وقال مالك إن كان يمكنه المشي وعادته سؤال الناس لزمه الحج لأن هذه الاستطاعة في حقه فهو كواجد الزاد والراحلة وليس بجيد لان هذا فعل شاق فليس استطاعة وإن كان عادة والشارع اعتبر عموم الأحوال دون خصوصها كما في مشقة السفر فإنها غير معتبرة بل المطية وإن كانت المشقة منتفية مسألة الراحلة إنما هي شرط في حق البعيد عن مكة وأما أهل مكة فلا يشترط الراحلة فيهم وكذا من كان بينه وبين مكة قريب لا يحتاج إلى الراحلة وإنما تعتبر الراحلة في حق من كان على مسافة يحتاج فيها إلى الزاد والراحلة سواء قصرت المسافة أو بعدت وشرط العامة ان يكون بينه وبين البيت مسافة القصر فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه لأنها مسافة قريبته يمكنه المشي إليها كالسعي إلى الجمعة ولو لم يتمكن من المشي اشترط في حقه وجود الحمولة لأنه عاجز عن المشي فأشبه البعيد وأما الزاد فلا بد من اشتراطه في حق القريب والبعيد فإن لم يجد زادا لم يلزمه الحج لعجزه مسألة الراحلة شرط في الحج للقادر على المشي والعاجز عنه وبه قال الشافعي لقوله عليه السلام لما سئل عن تفسير السبيل زاد وراحلة ويعتبر راحلة مثله فإن كان يستمسك على الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقة شديدة فلا يعتبر في حقه إلا وجدان الراحلة بحصوله؟ الاستطاعة معها وإن كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقة عظيمة اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل ولو كان يجد مشقة عظيمة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنبيسة؟ ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك وقال بعض الشافعية ان المحمل معتبر في حق المرأة مطلقا وليس بمعتمد والستر يحصل بالملحفة فروع - آ - لا يشترط وجود غير الزاد والراحلة بل المعتبر التمكن منهما تملكا أو استجارا - ب - إنما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد المسافة أما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته والمكي لا تعتبر الراحلة في حقه ويكفيه التمكن من المشي - ج - إذا وجد شق محمل ووجد شريكا يجلس في الجانب الآخر لزمه الحج فإن لم يجد الشريك ولم يتمكن إلا من مؤنة الشق سقط عنه الحج مع حاجته إلى المحمل وان تمكن من المحمل بتمامه احتمل وجوب الحج لأنه مستطيع وعدمه لان بذل الزيادة خسران لا مقابل له - د - القريب إلى مكة إذا شق عليه المشي أو الركوب بغير محمل اشترطت الراحلة والمحمل في حقه كالبعيد ولا يؤمر بالزحف وان أمكن - ه - يجب شراء الراحلة والمحمل مع الحاجة إليهما أو استيجارهما بثمن المثل واجرته فان زاد فإن لم يتمكن من الزيادة سقط الحج وان تمكن منها وجب لأنه مستطيع وقيل لا يجب وليس بمعتمد مسألة الزاد شرط في وجوب الحج لعدم التمكن بدونه والمراد منه ان يملك ما يبلغه إلى الحج إما عين الزاد أو ثمنه مع وجود بايعه بقدر كفايته مدة سفره وعوده إلى وطنه سواء كان له أهل وعشيرة يأوى إليهم أو لم يكن وهو أحد وجهي الشافعية والثاني لهم انه لا يشترط في حق من لا أهل له ولا عشيرة مؤنة الإياب لان البلاد بالنسبة إليه متساوية وليس بجيد لان النفوس تطلب الأوطان ولا فرق أيضا بين ان يملك في بلدته مسكنا أو لا وخصص الجويني الوجهين بمن له ملك في البلد ويجرى الوجهان لهم في الراحلة ولهم وجه اخر ضعيف عندهم لأنه لا يعتبر مؤنة الإياب مطلقا إذا عرفت هذا فالمشترط في الراحلة والزاد راحلة مثله لتفاوت الاشخاص في خشونة العيش ونعومته فيعتبر في حق الرفيع زيادة على ما يحتاج إليه غيره مما يناسبه مسألة يشترط ان يكون الزاد والراحلة فاضلين عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته مدة ذهابه و رجوعه وثبت ثوب يليق به وهل يشترط ان يكونا فاضلين عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إلى خدمته لعجزه أو لمنصبه الوجه ذلك كما في الكفارة وهو أظهر وجهي الشافعية والثاني لا يشترط بل يباعان في المؤنة وبه قال مالك لان الاستطاعة في الحر مفسرة بالزاد والراحلة وهو واجد لهما والوجه الأول لحاجته إلى المسكن فأشبه ثياب بدنه فعلى هذا إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله لم يبع شيئا منهما وإن كانت الدار فاضلة عن حاجته وأمكن بيع بعضها أو كانت نفيسة أو العبد كذلك وأمكن شراء أدون منه مما تندفع به حاجته احتمل وجوب البيع والاقتصار على الأدون وعدمه كما في الكفارة وربما يفرق بين الحج والكفارة بان الحج لا بدل له والعتق في الكفارة له بدل إذا ثبت هذا فالزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وعوده من مأكول ومشروب وكسوة فإن كان يملك ذلك أو وجده يباع بثمن المثل في الغلا والرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله لزمه شراؤه وإن كانت تجحف بماله لم يلزمه وان تمكن على اشكال كما قلنا في شراء الماء للوضوء وإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله وان لم يجده كذلك لزمه حمله وأما الماء وعلف البهايم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة فلا كلام وان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها لما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة به ولا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق والطعام بخلاف ذلك مسألة كما تعتبر قدرته على المطعوم والمشروب والتمكن من حمله من بلده كذا تعتبر قدرته على الآلات والأوعية التي يحتاج إليها كالغراير ونحوها وأوعية الماء القرب وغيرها وجميع ما يحتاج إليه كالسفرة وشبههما لأنه مما لا يستغنى عنه فأشبه علف البهايم وكذا يشترط وجود راحلة تصلح لمثله على ما بيناه إما بشراء أو بأجرة لذهابه وعوده ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله فإن كان ممن يكفيه الرحل والقنب ولا يخشى السقوط أجزأه وجود ذلك وإن كان ممن لم يجر عادته بذلك ويخشى السقوط عنهما يعتبر وجود محمل وما أشبهه مما لا مشقة في ركوبه ولا يخشى السقوط عنه لان الراحلة إنما اعتبرت في حق القادر على المشي لدفع المشقة عنه فيجب ان يعتبر هنا ما تندفع به المشقة وإن كان ممن لا يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبرت القدرة على من يخدمه لأنه من سبيله مسألة يعتبر ان يكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلة عما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مؤنتهم في سفره ذاهبا وعايدا لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه أنه قال يكفي بالمرء أثمان؟ ان يضيع من يقوته ومن طريق الخاصة ما رواه أبو الربيع الشامي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا فقال ما يقول الناس قال فقيل له الزاد والراحلة قال فقال أبو عبد الله عليه السلام سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال هلك الناس اذن ان كل من؟
له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغنى به عن الناس ينطلق فيسلبهم إياه فقد هلكوا اذن فقيل له ما السبيل قال فقال السعة من المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله أ ليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من ملك مأتى درهم ولان النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد ويشترط أيضا أن تكون فاضلة عما يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم وما لا بد منه من ثياب وغيرها وأن يكون فاضلا عن قضاء دينه لان قضاء الدين من حوايجه الأصلية وتتعلق به حقوق الآدميين فهو آكد ولهذا منع الخمس مع تعلق حقوق الفقراء من ذوي القربى وحاجتهم إليها فالحج الذي هو خالص حق الله تعالى أولي ولا فرق بين ان يكون الدين لآدمي معين