كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون مسألة يستحب ان يكون الخطيب بليغا ليأتي بالألفاظ الناصة على التخويف والانذار مواظبا على الصلوات ليكون وعظه أبلغ في القلب حافظا لمواقيت الفرايض واستقبال الناس بوجهه فلا يلتفت يمينا ولا شمالا وبه قال الشافعي لان النبي (ع) كان يفعل ذلك ولئلا يخص قوما دون آخرين بل يخطب تلقاء وجهه وقال أبو حنيفة يلتفت يمينا وشمالا كالمؤذن والأصل ممنوع ولأنه خطاب مع الغياب والخطبة مع الحاضرين فلا يختص بها البعض دون غيرهم قال الشيخ (ره) ولا يضع يميه على شماله وهو جيد كالصلاة بل يشتغل بما يعتمد عليه يسراه ويقبض باليمنى حرف المنبر وينبغي ان يكون صادق اللهجة لا يلحن في الخطبة ولا يأتي بألفاظ غريبة أو وحشية لبعدها عن الافهام ولا يقول في خطبته ما يستنكره عقول الحاضرين لقول علي (ع) كلموا الناس على قدر عقولهم أتحبون ان يكذبوا الله ورسوله وان يأتي بالكلمات على تأن وترسل وسكون ولا يمدها مدا يشبه الغناء ولا يدرجها بحيث لا يفهم ولا يطول الخطبة بل يقصرها لان النبي صلى الله عليه وآله أمر بذلك بل يطول الصلاة وقال (ع) إنه من فقه الرجل مسألة يستحب ان يكون السورة التي يقرأها في الخطبة خفيفة واجتزأ بعض علمائنا بالآية ونقل الجمهور ان النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ سورة (ق) في الخطبة ولو قرأ إحدى العزايم جاز إذ السجود ليس بمبطل لها قال الشيخ ثم ينزل ويسجد المأمومون معه والوجه انه إن كان في المنبر سعة يمكنه السجود عليها سجد قبل نزوله وإلا نزل وسجد ولو كانت السجدة من غير العزايم جاز تركها وله ان يسجد والاشتغال بالخطبة أولي فان نزل وسجد عاد إلى الخطبة ان لم يطل الفصل وكذا ان طال على الأقوى وللشافعي في الطول وجهان المطلب الثاني فيمن تجب عليه مسألة شرائط الوجوب عشرة البلوغ والعقل والذكورة والحرية والسلامة من المرض والعمى والعرج والشيخوخة المانعة من الحركة والسفر والزيادة على فرسخين وليس الاسلام شرطا للوجوب لان الكفار عندنا مخاطبون بالفروع وبه قال الشافعي خلافا لأبي حنيفة والعقل شرط في الوجوب والجواز معا وباقي الشروط شرط في الوجوب لا الجواز والصبي وان لم تجب عليه ولا المجنون لانتفاء التكليف عنهما إلا أنه يستحب احضار الصبى الجمعة للتمرين كما يمرن بالعبادات خصوصا المراهق مسألة الذكورة شرط في الوجوب فلا يجب على المرأة إجماعا لقوله (ع) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة الا على امرأة أو مسافر أو عبد أو صبى أو مريض ومن الخاصة قول الصادق (ع) إن الله فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة واجبة على كل مسلم ان يشهدها إلا خمسة المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي ولان شرطها الاجتماع وفى وجوبه على النساء مشقة وافتتان أما العجايز فإنهن كالشواب لعموم الامر بالستر لهن وقال الشافعي يستحب لهن الحضور مع إذن أزواجهن لانتفاء الفتنة فيهن مسألة الحرية شرط في الوجوب فلا تجب على العبد عند علمائنا أجمع وبه قال عامة العلماء لما تقدم في الحديثين ولأنه محبوس على السيد فأشبه المحبوس في الدين وقال داود تجب وعن أحد روايتان وقال الحسن البصري وقتادة يجب على العبد المخارج وهو الذي يؤدى الضريبة لعموم الآية والخاص مقدم ولو أذن له السيد استحب له الحضور ولا يجب عليه لان الحقوق الشرعية تتعين بخطاب الشرع لا بإذن السيد ولا فرق بين القن والمدبر والمكاتب المطلق والمشروط و أم الولد لبقاء الرق فيهم وقال الحسن البصري وقتادة يجب على المكاتب لان منفعته له فأشبه الحر وهو ممنوع فروع آ من بعضه حر وبعضه رق لا تجب عليه الجمعة سواء تساويا أو كانت الحرية أكثر لأنه رق البعض يمنع من الكمال والاستقلال كرق الجميع ب لو هاياه مولاه واتفقت الجمعة بنصيب الحرية لم تجب عليه أيضا لقيام المانع وهو الظاهر من قولي الشافعية ولهم وجه انها يجب لانقطاع سلطنة السيد عن استخدامه واختاره الشيخ في المبسوط ج لو ألزمه مولاه الحضور احتمل وجوبه لوجوب طاعته فيما ليس له عبادة ففيها أولي والعدم لما تقدم مسألة لا تجب على المريض الجمعة لما تقدم من الأحاديث والمشقة سواء خاف زيادة المرض أو المشقة الغير المحتملة أو لا وقال الشافعي المرض المسقط هو ما يخاف فيه أحدهما وليس شرطا للعموم ولو كان المريض قريبه أو ضيفه أو زوجته أو مملوكه جاز له ترك الجمعة لأجل تمريضه وكذا تترك لصلاة الميت وتجهيزه لان ابن عمر كان يستجمر للجمعة فاستصرخ على سعيد بن زيد فترك الجمعة ومضى إليه بالعقيق ولو كان المريض لا قرابة له به ولا صحبة فإن كان له من يمرضه لم تترك الجمعة له وان لم يكن له من يقوم جاز له تركها للقيام بأمره وكذا لو اشتغل فيه بأخذ الكفن وحفر القبر أو غير هما سواء كان مشرفا أو لا خلافا للشافعي وسواء اندفع بحضوره ضرر عن غير المشرف أو لا خلافا له وكذا لو كان عليه حق قصاص يرجو بالاستتار الصلح فيه ولو كان عليه حد قذف لم يجز له الاستتار عن الامام لأجله وترك الجمعة لأنه حق واجب ولا بدل ولا يجوز له القصد إلى اسقاطه وكذا غيره من الحدود لله تعالى بعد ثبوتها بالبينة والمديون المعسر يجوز له الاختفاء وكذا الخايف من ظالم على مال أو نفس أو ضرب أو شتم مسألة الأعمى لا تجب عليه الجمعة عند علمائنا سواء كان قريبا من الجامع يتمكن من الحضور إليه من غير قايد أو بعيدا يحتاج إلى القايد أو لا وبه قال أبو حنيفة للمشقة بالحضور ولقول الباقر (ع) فرض الله الجمعة ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس أزيد من فرسخين وقال الشافعي واحمد تجب عليه مع المكنة لان عتبان بن مالك قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله انى رجل محجوب البصر وان السيول تحول بيني وبين المسجد فهل لي من عذر فقال النبي صلى الله عليه وآله أتسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء و المراد نفى العذر في الحضور مطلقا الشامل للاستحباب والوجوب لا الحضور والواجب فلو لم يجد قايدا سقطت عنه إجماعا فان وجد لكن بأجرة يمكن منها لم يجب بذلها عندنا للشافعي مسألة الأعرج والشيخ الذي لا حراك به لا جمعة عليهما عند علمائنا أجمع ان بلغ العرج للاقعاد للمشقة ولقول الباقر (ع) والكبير ولان المشقة هنا أعظم من المشقة في المريض فتثبت الرخصة هناك إما لو لم يكن العرج بالغا حد الاقعاد فالوجه السقوط مع مشقة الحضور وعدمه مع عدمها والشيخ أطلق الاسقاط ولم يذكره المفيد في المسقطات ولا الجمهور إما الحر الشديد فان خاف معه الضرر سقط عنه وكذا البرد الشديد والمطر للمانع من السعي لقول الصادق (ع) لا بأس ان تدع الجمعة في المطر ولا خلاف فيه والوحل كذلك للمشاركة في العجز مسألة الإقامة أو حكمها شرط في الجمعة فلا تجب على المسافر عند عامة العلماء لقول النبي صلى الله عليه وآله الجمعة واجبة إلا على خمسة امرأة أو صبى أو مريض أو مسافر أو عبد ومن طريق الخاصة قول الباقر (الصادق) (ع) ووضعها عن تسعة وعد منهم المسافر ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا أحد من الأئمة (ع) انهم صلوها في أسفارهم ولان الجمعة ظهر مقصورة بشرايط والمسافر يباح له القصر دون تلك الشرايط فلم يكن لاعتبار تلك الشرائط في حقه وايجاب الجمعة عليه معنى ولأنه خفف عنه العبادات الراتبة فغيرها أولي وقال الزهري والنخعي تجب عليه الجمعة ان سمع النداء للآية ولقوله (ع)
(١٥٣)