أي بلد كنتم واعتذر أصحاب الشافعي له لما دخل بغداد وفيها جامع المنصور وجامع المهدى بكبره فحصلت المشقة وهو مصير إلى قول احمد وبأنها كانت قرى متفرقة فاتصلت العمارة أو بأنها ذات جانبين فصارت كالبلدين وهو قول أبى يوسف أو لأنها اجتهادية ولا يجوز التقليد مسألة لو صلت جمعتان بينهما أقل من فرسخ فالأقسام خمسة - آ - ان تسبق إحديهما الأخرى وتعلم السابقة فهي الصحيحة إن كان الراتب فيها إجماعا وإن كانت في الثانية فكذلك عندنا لان السابقة انعقدت صحيحة لحصول الشرايط وانتفاء الموانع فلم يتقدمها ما يفسدها ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها فلا تفسد بعقد الثانية وهو أشهر قولي الشافعي والثاني ان الصحيحة التي فيها الامام لان الحكم ببطلان جمعة الامام تتضمن افتتانا عليه وتفويتا له الجمعة ولمن يصلى معه ويفضى إلى أنه متى شاء أربعون ان يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بان يجتمعوا في موضع ويسبقوا أهل البلد بفعلها ولا يرد علينا لان امام الأصل لا يتقدم عليه أحد غيره وإن كان نائبه اشترط فيه العدالة فلا يتأتى فيه طلب إبطال جمعة غيره ولو كانت المسبوقة في الجامع والاخرى في مكان صغير لا يسع المصلين أو لا تمكنهم الصلاة فيه لاختصاص السلطان وجنده به أو غير ذلك أو كان أحدهما في قصبة البلد والاخرى في أقصاه بطلت المسبوقة خاصة عند علمائنا وبه قال الشافعي لما تقدم وقال مالك واحمد المسبوقة صحيحة خاصة لانهم أهل القصبة ولهذه المعاني مزية تقتضي التقدم فقدم بها كجمعة الامام ونمنع الأصل - ب - ان تقرنا فإنهما تبطلان معا سواء كان الامام الراتب في أحدهما أو لا وهو أحد قولي الشافعي لامتناع صحتهما معا واختصاص إحديهما بالفساد إذ المقتضى للفساد المقارنة وهي ثابتة فيهما معا ولعدم الأولوية كما في الوليين إذا زوجا من كفوين دفعة ثم إن كان الوقت باقيا وجب عليهم إقامة الجمعة لانهم لم يؤدوا فرضها وإلا صلوا الظهر - ج - لو لم يعلم السبق وعدمه حكم ببطلانهما معا ولهم إقامة جمعة واحدة كالأول لتردد كل واحدة منهما بين الصحة والبطلان ولو لم يتسع الزمان أعادوا ظهرا وبه قال الشافعي واليه مال الشيخ ويحتمل إعادة الظهر وان اتسع الزمان فان الظاهر صحة إحديهما لان الاقتران نادر جدا فيجرى مجرى المعدوم ولانا شككنا في شرط إقامة الجمعة وهو عدم سبق أخرى فلم يجز اقامتها مع الشك في شرطها وبه قال بعض الجمهور والوجه عندي انهم يعيدون جمعة وظهرا لاحتمال الاقتران فتجب الجمعة والسبق فتجب الظهر ويتولى إمامة الجمعة من غير القبلتين أو يفترقان بفرسخ - د - علم سبق إحديهما ولم يعلم عينها الخامس علم السابق عيانا ثم أشكل وحكمها واحد وهو وجوب الإعادة عليهما معا لحصول الشك في كل واحدة والتردد بين الصحة والبطلان ولا تصح كل واحدة حتى يعلم أنها السابقة ويسقط بها الفرض فإذا عقدوها ولم يعلموا ان غيرها ما سبقها فقد أخلوا بالشرط وهو علم ذلك وهو قول الشافعية الا المزني فإنه قال لا تجب عليهم الإعادة وتكونان صحيحتين لان كل واحدة منهما عقدت على الصحة فلا يفسدها الشك وهو غلط لأن الشك في الشرط شك في المشروط إذا عرفت هذا فإنهم في الصورتين يقضون ظهرا لأنه بلد صلى فيه جمعة صحيحة فلا تتعقبها أخرى وانما أوجبنا الإعادة عليهما للجهل بالتعيين وبه قال بعض الشافعية وقال الشيخ يصلون جمعة مع اتساع الوقت وهو قول بعض الشافعية لأنا حكمنا بوجوب الإعادة عليهما فكان المصر ما صليت فيه جمعة صحيحة وهو غلط لان السابقة صحيحة قطعا ولم تفسد ولم يتبين لها حكم الصحة للجهل بعينها مسألة ويحصل السبق بتقدم إحديهما تكبيرة الاحرام وبه قال بعض الشافعية لأنه متى أحرم إحديهما حرم إحرام الأخرى وقال بعضهم يعتبر بالفراغ فأيتهما سبقت بالسلام صحت دون الأخرى لأنا قبل التمام لا نعلم صحتها واتمامها وهو خطا لأدائه إلى المضي في جمعتين صحيحتين فإنه قبل الفراغ لا يعلم السبق ويلزم انعقاد جمعة بعد جمعة وقال آخرون منهم بالشروع في الخطبة لقيامها مقام ركعتين وليس بجيد إذ الحرمة بالتحريمة تحصل تذنيب لو صلى فأخبر انه قد سبق استأنف الظهر ولا يعتد بذلك الاحرام لأنه قد ظهر فساده وقال بعض الجمهور يتم ظهرا كالمسبوق إذا أدرك أقل من ركعة والفرق صحة الاحرام هنا دون الأول البحث السادس الخطبتان مسألة الخطبة شرط في الجمعة وهو قول عامة العلماء لقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله والذكر هو الخطبة ولان النبي صلى الله عليه وآله خطب دائما ووقع فعله بيانا للواجب فكان واجبا وقال (ع) صلوا كما رأيتموني اصلى ولم يزل المسلمون يخطبون قبل الصلاة ولو لم تكن شرطا لجاز تركها في بعض الأوقات ولقول الصادق (ع) لا جمعة إلا بخطبة وقول الباقر والصادق (ع) يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب وقال الحسن البصري لا تجب لأنها خطبة مشروعة للصلاة فلم تكن واجبة كساير الخطب وهو خطأ لان الخطبتين هنا أقيما مقام الركعتين فلم يجز تركهما بخلاف ساير الخطب قال عمر قصرت الصلاة لأجل الخطبة وقال سعيد بن جبير جعلت الخطبة مكان الركعتين ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) إنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين وخلافه منقرض وقوله متروك بالاجماع وفعل النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته (على) أولي مسألة ويشترط للجمعة خطبتان عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي واحمد في رواية لان النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب خطبتين ولأنهما أقيما مقام ركعتين فالاخلال باحديهما اخلال بركعة وقال مالك والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر واحمد في رواية وأصحاب الرأي يجزيه خطبة واحدة لان النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى مصعب بن عمران أجمع من قبلك وذكرهم بالله وازدلف إليه بركعتين وخطب عثمان في أول جمعة فقال الحمد لله ثم ارتج عليه فقال إنكم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال وان أبا بكر وعمر كانا يرتادان لهذا المقام مقالا وستأتيكم الخطب من بعد واستغفر الله العظيم لي ولكم ونزل فصلى وتذكير الله يحتمل بالخطبتين كما يحتمل بالخطبة فيبقى دليلنا سالما وفعل عثمان ليس حجة ولحصول العذر يتعذر الخطبة فلا يلزم الترخص مع زواله مسألة ويجب في كل خطبة منهما حمد الله تعالى ويتعين الحمد لله عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي واحمد لان النبي صلى الله عليه وآله داوم على ذلك ولقول الصادق (ع) ينبغي للامام الذي يخطب الناس ان يخطب وهو قائم يحمد الله ويثنى عليه ولحصول البراءة قطعا معه بخلاف غيره وقال أبو حنيفة لا تجب الحمد ولا ذكر معين ولا وعظ بل يجوز ان يخطب بتسبيحة واحدة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة فلو صعد المنبر وقال سبحان الله أجزأه ونزل وصلى بالناس لقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله ولم يفرق ولان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له علمني عملا ادخل به الجنة فقال لئن قصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة فسمى كلامه خطبة والذكر مجمل بينه بفعله (ع) فتجب متابعته والسؤال ليس بخطبته إجماعا فسماه مجازا وقال مالك لا يجزيه إلا ما تسميه العرب خطبة وبه قال أبو يوسف ومحمد أي كلام كان وعنه ان هلل أو سبح أعاد ما لم يصل إذا عرفت هذا فهل يجزيه لو قال الحمد للرحمن أو لرب العالمين إشكال ينشأ من التنصيص على لفظة الله تعالى ومن المساواة في الاختصاص به تعالى مسألة وتجب فيهما الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وآله عند علمائنا لقول الصادق وتصلى على محمد وآله وعلى أئمة المسلمين وأوجب الشافعي الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وآله لقوله تعالى ورفعنا لك ذكرك لا أذكر الا وتذكر معي ولقوله تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وأنكر الباقون ذلك للأصل ويجب فيهما الوصية بتقوى الله تعالى والوعظ وبه قال الشافعي لان النبي صلى الله عليه وآله وآله قال ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ألا وان الآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك قادر وقال الصادق (ع) ثم يوصى بتقوى الله ولم يوجب ذلك أبو حنيفة وأصحابه ويجب أن يقرأ في كل منهما سورة خفيفة من القرآن قاله الشيخ لقول الصادق
(١٥٠)