ينبغي إخفاؤها عن المشركين ويجعل عليها حرسا يحرسونها نظرا للمسلمين ودفعا للفتنة عنهم ولو خاف هربهما مع احتياجه إلى حفظهما جاز له أن يقيدهما حتى تنقضي الحاجة ولو لم يخف الامام منهما انفذهما فإن خافا من اللصوص سير معهما من يبلغهما مأمن هما لقوله تعالى " ثم أبلغه مأمنه " ويجوز الاستيجار عليه من بيت المال وكذا مؤنتهما من بيت المال حالة منعهما. البحث الرابع. في وقت الأمان. مسألة. وقت الأمان قبل الأسر فيجوز عقده (لآحاد المشركين قبل الأسر إجماعا وهل يجوز صح) لآحاد المسلمين عقد الأمان بعد الأسر منعه علماؤنا أكثر أهل العلم لأنه قد ثبت للمسلمين حق استرقاقه فلا يجوز إبطاله ولان المشرك إذا وقع في الأسر يتخير الامام فيه بين أشياء تأتى ومع الامن يبطل التخيير فلا يجوز إبطال ذلك عليه وقال الأوزاعي يصح عقده بعد الأسر لان زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أجازت زوجها أبا العاص بن الربيع فأجاز النبي (ص) أمانها وليس حجة لان الامام ذلك فكيف النبي صلى الله عليه وآله والنزاع في آحاد المسلمين. مسألة. يجوز للامام أن يؤمن الأسير بعد الاستيلاء عليه والأسر لان النبي (ص) أجاز أمان زينب لزوجها ولان الامام أن يمن عليه فيطلقه والأمان دليل على ذلك بخلاف آحاد المسلمين ولو حصل الكافر في مضيق أو في حصن فلحقه المسلمون صح الأمان لأنه بعد على الامتناع ولو أقر المسلم بأمان المشرك فإن كان في وقت يصح منه إن شاء الأمان صح إقراره وقبل منه إجماعا وإن كان في وقت لا يصح منه إنشاؤه كما لو أقر بعد الأسر لم يقبل قوله إلا أن يقوم بينة بأمانه قبل الأسر ولو شهد جماعة من المسلمين إنهم أمنوه لم يقبل لانهم يشهدون على فعلهم وبه قال الشافعي وقال بعض العامة يقبل لانهم يشهدون على فعلهم وبه قال الشافعي وقال بعض العامة يقبل لانهم عدول من المسلمين غير متهمين شهدوا بأمانه فوجب أن يقبل كما لو شهدوا على غيرهم إنه أمنه أما لو شهد بعضهم إن البعض الاخر أمنه قبل. مسألة. لو جاء مسلم بمشرك فادعى إنه أسره وادعى الكافر أنه أمنه قدم قول المسلم لاعتضاده بأصالة إباحة دمه وعدم الأمان وقيل يقبل قول الأسير لاحتمال صدقه فيكون شبهة في حقن دمه وقيل يرجع إلى شاهد الحال فإن كان الكفار ذاقوه ومعه سلاحه فالظاهر صدقه وإلا فالظاهر كذبه ولو صدقه المسلم لم يقبل لأنه لا يقدر على أمانه ولا يملكه فلا يقبل إقراره به وقيل يقبل لأنه كافر لم يثبت أسره ولا نازعه فيه منازع فقبل قوله في الأمان ولا بأس به ولو أشرف جيش الاسلام على الظهور فاستذم الخصم جاز مع نظر المصلحة ولو استذموا بعد حصولهم في الأسر فاذم لم يصح على ما قلنا ولو ادعى الحربي الأمان فأنكر المسلم فالقول قول المسلم لأصالة عدم الأمان وإباحة دم المشرك ولو حيل بينه وبين الجواب بموت أو إغماء لم يسمع دعوى الحربي وفي الحالين يرد إلى مأمنه ثم هو حرب. مسألة شرط (الأمان صح) أن لا يزيد على سنة إلا مع الحاجة ويصح على أربعة أشهر وفوق ذلك إلى السنة وللشافعي فيما بين السنة وأربعة أشهر قولان ولو أمن جاسوسا أو من فيه مضرة لم يصح ولا يشترط المصلحة في عقد الأمان بل يكفي عدم المضرة في الصحة ويصح الأمان بجعل وغيره فلو حصر المسلمون حصنا فقال لهم رجل أمنوني افتح لكم الحصن جاز أن يعطوه أمانا إجماعا فإن أمنوه لم يجز لهم نقض أمانه فإن أشكل القايل وادعاه كل واحد من أهل الحصن فإن عرفه صاحب الأمان عمل على ما عرف وإن لم يعرف لم يقتل واحد منهم لاحتمال صدق كل واحد وقد حصل اشتباه المحرم بالمحلل فيما لا ضرورة إليه فكان الكل حراما كالأجنبية المشتبهة بالأخت قال الشافعي ويحرم استرقاقهم لما قلنا في القتل فإن استرقاق من لا يحل استرقاقه محرم وقال (بعض الشافعية صح) يقرع فيخرج صاحب الأمان ويسترق الباقي لان الحق لواحد وقد اشتبه كما لو أعتق عبدا من عشرة ثم اشتبه بخلاف القتل فإن الاحتياط فيه أبلغ من الاحتياط في الاسترقاق قال الأوزاعي لو أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه وكانوا عشرة فاسترق علينا ثم أشكل فادعى كل واحد منهم إنه الذي أسلم سعى كل واحد منهم في قيمة نفسه وترك له عشر قيمته. البحث الخامس. فيما يدخل في الأمان. مسألة. إذا نادى المشركون بالأمان كانت المصلحة تقتضيه امنهم وإلا فلا فإذا طلبوا الأمان لأنفسهم كانوا مأمونين على أنفسهم وللشافعي في السراية إلى ما معه من أهل ومال (لو قال آمنتك صح) قولان ولو طلبوا أمانا لأهليهم فقالوا آمنوا أهلينا فقال لهم المسلمون أمناهم فهم فئ وأهليهم آمنون لأنه لم يذكروا أنفسهم صريحا ولا كناية فلا يتناولهم الأمان أما لو قالوا نخرج على أن نراوضكم في الأمان على أهلنا فقالوا لهم أخرجوا فهم آمنون وأهلهم لانهم بأمرهم بالخروج للمراوضة على الأمان آمنوهم ولهذا لو لم يتفق بينهم أمر كان عليهم أن يردوهم إلى مأمنهم. مسألة.
لو قالوا آمنونا على ذريتنا فآمنوهم على ذلك فهم آمنون وأولادهم وأولاد أبنائهم وإن سفلوا لعموم اسم الذرية جميع هؤلاء والأقرب دخول أولاد البنات لقوله تعالى ومن ذريته إلى قوله وعيسى ولان الذرية اسم للفرع المتولد من الأصل والام والأب أصلان في ايجاد الولد بل التولد والتفرع في جانب الام أرجح لان ماء الفحل يصير مستهلكا في الرحم وإنما يتولد منها بواسطة ماء الفحل ولو قال آمنونا على أولادنا ففي دخول أولاد البنات إشكال. مسألة. لو قالوا آمنونا على إخوتنا ولهم إخوة وأخوات فهم آمنون لتناول اسم الأخوة الذكر والأنثى الاجتماع؟ قال الله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء ولا تدخل الأخوات بانفرادهن لان اسم الذكورة لا يتناولهن منفردات وكذا لو قالوا أمنونا على أبنائنا دخل فيه الذكور والإناث ولا يتناول الإناث بانفرادهن إلا إذا كان المضاف إليه بالقبيلة؟ المراد به النسبة إلى القبيلة ولو تقدم من المستأمن لفظ يدل على طلب الإناث لهن انصراف الأمان إليهن وإن كان بلفظ الذكور مثل ليس لي إلا هؤلاء البنات والأخوات وامنوني على بنتي واخوتي ولو قال أمنونا على آبائنا ولهم آباء وأمهات دخلوا جميعا في الأمان لتناول اسم الآباء لهما قال الله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس وكذا لو كان له أب واحد وأمهات شتى لتناول الأب (الاسم) للجميع من حيث الاستعمال وهل يدخل الأجداد في الاباء الأولى ذلك لان الأب يطلق عليه من حيث إنه أب الأب ويكفى في الأصناف أدنى ملابسته وقال أبو حنيفة لا يدخلون لان اسم الأب لا يتناول الأجداد حقيقة ولا بطريق التبعية لانهم أصول الآباء يختصون باسم خاص فلا يتناولهم اسم الآباء على وجه التبعية لفروعهم ولو قالوا امنونا على أبنائنا دخل فيه أبناء الأبناء أيضا لان اسم الابن يتناول ابن الابن لأنه طلب الأمان لمن يضاف إليه بالبنوة إلا أنه ناقص في الإضافة والنسبة إليه لأنه يضاف إليه بواسطة الابن لأنه متفرع عنه ومتولد بواسطة الابن والإضافة الناقصة كافية في إثبات الأمان لأنه يحتاط في إثباته لان موجبه حرمة الاسترقاق والشبهة ملحقة بالحقيقة في موضع الاحتياط بخلاف الوصية فإن الشبهة فيها غير كافية في الاستحقاق لثبوت مزاحمة الوارث وهذا كله إنما هو بلسان العرب فالحكم متعلق به مع استعماله لكنا قد بينا إن صيغة الأمان تكفى فيه أي لغة كانت فلو كان بعض اللغات يتناول ما أخرجناه في بعض هذه الصور وطلب الأمان بتلك اللغة دخل فيه ما أخرجناه وكذا لو اعتقد المشرك دخول من أخرجناه في الأمان حتى خرج بهم لم يجز التعرض لهم لانهم دخلوا إلينا بشبهة الأمان فيردون إلى مأمنهم ثمن يصيرون حربا. مسألة.
يصح عقد الأمان للمرأة على قصد العصمة عن الاسترقاق وهو أحد وجهي الشافعي للأصل ولأنه غرض مقصود ويصح على سبيل التبعية فجاز على سبيل الاستقلال والثاني لا يصح لأنه تابع وإذا أمن الأسير من أسره فهو فاسد لأنه كالمكره إلا أن يعلم اختياره في ذلك ولو أمن غيره جاز وللشافعية وجهان ويلزمه حكمه وإن لم يلزم غيره فلو امنهم وامنوه بشرط أن لا يخرج من دارهم لزمه الخروج مهما قدر قالت الشافعية وإن حلف بالطلاق والعتاق والايمان المغلظة لكن يكفر عن يمينه ودعة يقع