الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات وإن قدم وقد فاته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى اعذر لعبده وقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك مشعر الحرام فقد فاته الحج فيجعلها عمرة وعليه الحج من قابل. البحث الثالث. في الاحكام. مسألة. الوقوف بعرفه ركن في الحج يبطل الحج بتركه عمدا عند علماء الاسلام روى العامة عن عبد الرحمن بن نعيم الديلمي قال أتيت رسول الله بعرفه فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج قال الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة الحج فقد تم حجه وأمر مناديا ينادي الحج عرفة ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله أصحاب الأراك لا حج لهم وإذا انتفى الحج مع الوقوف بحد عرفة فمع عدم الوقوف أولى ولو ترك وقوف عرفة سهوا أو لعذر تداركه ولو قبل الفجر من يوم النحر إذا علم أنه يلحق المشعر قبل طلوع الشمس (فإن لم يلحق عرفات إلا ليلا ولم يلحق المشعر إلا بعد طلوع الشمس صح) فقد فاته الحج روى الحلبي في الصحيح إنه سأل الصادق (ع) عن الرجل يأتي بعد ما تفيض الناس من عرفات فقال إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات وإن قدم وقد فاته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى اعذر لعبده وقد تم حجه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل. مسألة. لعرفة وقتان اختياري من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها واضطراري من الغروب إلى طلوع الفجر من يوم النحر عند علمائنا ووافقنا الشافعي في المبدأ وإنه يدخل بزوال الشمس يوم عرفه وخالفنا في آخره فجعله طلوع الفجر يوم النحر فلو اقتصر على الوقوف ليلا كان مدركا للحج على (المذهب صح) المشهور وعندهم ولهم ثلاثة أوجه أحدهما وهو الصحيح عندهم أن المقتصر على الوقوف ليلا مدرك سواء انشاء الاحرام قبل ليلة العيد أو فيها والثاني إنه ليس بمدرك على التقديرين والثالث إنه يدرك بشرط تقديم الاحرام عليها ولو اقتصر على الوقوف نهارا صح وقوفه بالاجماع. مسألة. يجب أن يقف إلى غروب الشمس بعرفه فإن أفاض قبله عامدا أوجب عليه بدنة فإن عجز عن البدنة صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله وصح حجه عند علمائنا وبه قال بن جريح والحسن البصري وقال باقي العامة إلا مالكا يجب عليه دم وللشافعي قول باستحباب الدم وقال مالك يبطل حجه لنا على صحة الحج ما رواه العامة عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثه بن لام الطائي قال أتيت رسول الله بمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طي أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي حج فقال رسول لله من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفه قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن سنان عن الكاظم (ع) قال سألته عن الذمي إن أدركه الناس فقد أدرك الحج فقال إذا أتى جمعا والناس في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له وإن أدرك جمعا بين طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له فإن شاء أن يقيم بمكة أقام وإن شاء أن يرجع إلى أهله رجع وعليه الحج من قابل. احتج مالك بما رواه بن عمر إن النبي صلى الله عليه وآله قال من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل. والجواب إنما خص الليل لان الفوات يتعلق به إذا كان يوجد بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف كقوله صلى الله عليه وآله من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها وعلى وجوب البدنة ما رواه العامة عن النبي قال من ترك نسكا فعليه دم والأحوط البدنة لحصول يقين البراءة ومعها ومن طريق الخاصة ما رواه ضريس عن الباقر (ع) قال سألته عمن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس قال عليه بدنة ينحرها يوم نحر فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله ولو أفاض قبل الغروب ناسيا لم يكن عليه شئ وكذا الجاهل لأصالة البراءة ولقول الصادق (ع) في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال إذا كان جاهلا فلا شئ عليه وإن كان متعمدا فعليه بدنة. مسألة. لو أفاض قبل الغروب عامدا عالما ثم عاد إلى الموقف نهارا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه وبه قال مالك والشافعي تفريعا على الوجوب عنده واحمد لأنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات وهو محرم ثم رجع فأحرم منه ولان الواجب عليه الوقوف حالة الغروب وقد فعله ولأنه لو لم يقف أولا ثم أتى قبل غروب الشمس ووقف حتى تغرب الشمس لم يجب عليه شئ كذا هنا وقال الكوفيون وأبو ثور عليه دم ولو كان عوده بعد الغروب لم يسقط عنه الدم وبه قال أحمد لان الواجب عليه الوقوف حالة الغروب وقد فاته وقال الشافعي يسقط الدم ولو فاته الوقوف بعرفة نهارا وجاء بعد غروب الشمس ووقف بها صح حجه ولا شئ عليه إجماعا لقول النبي صلى الله عليه وآله من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ويجوز له أن يدفع من عرفات أي وقت شاء ولا دم عليه إجماعا. لا يقال إنه وقف الزمانين فوجب الدم كما قلتم إذا وقف نهارا وأفاض قبل الليل. لأنا نقول الفرق إن من أدرك النهار أمكنه الوقوف إلى الليل والجمع بين الليل والنهار فتعين ذلك عليه فإذا تركه لزمه الدم ومن أتاها ليلا لا يمكنه الوقوف نهارا فلم يتعين عليه فلا يجب الدم بتركه. مسألة. لو غم الهلال ليله الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس تاسع ذي الحجة ثم قامت البينة إنه العاشر فالوجه فوات الحج إذا لم يتفق له الحضور بعرفة ولا المشعر قبل طلوع الشمس لقوله (ع) الحج عرفة ولم يدركها وقال الشافعي يجزئهم لقول النبي صلى الله عليه وآله حجكم يوم تحجون ولان ذلك يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله على المشقة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل وإنفاق المال الكثير مال ولو وقفوا يوم التروية لم يجزئهم لأنه لا يقع فيه الخطاء لان نسيان العدد لا يتصور من العدد الكثير والعدد القليل لا يعذرون في ذلك لانهم مفرطون ويأمنون ذلك في القضاء ولو شهد اثنان عشية عرفه برؤية الهلال ولم يبق من النهار والليل ما يمكن الاتيان إلى عرفة اجتزأ بالمزدلفة وقال الشافعي يقفون من العذر ولو أخطاء الناس أجمع في العدد فوقفوا غير ليله عرفة لم يجزؤهم وقال بعض العامة يجزئهم لان النبي صلى الله عليه وآله قال يوم عرفه الذي يعرف الناس فيه وإن اختلفوا فأصاب بعضهم وأخطاء بعض لم يجزئهم لانهم غير معذورين في هذا ولو شهد واحد واثنان برؤية هلال ذي الحجة ورد الحاكم شهادتهما وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقف الناس يوم العاشر عندهما وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن لا يجزئه حتى يقف مع الناس يوم العاشر لان الوقوف لا يكون في يومين وقد ثبت في حق الجماعة يوم العاشر ونمنع كونه لا يقع في يومين مطلقا لامكانه بالنسبة إلى شخصين لاختلاف سبب الوجوب في حقهما والأصل فيه أن الوقوف في نفس الامر واحد و تعدد بالاشتباه كالصلاة المنسية. تذنيب. لو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفه لم يصح حجهم. الفصل الثالث. في الوقوف بالمشعر الحرام وفيه مباحث الأول في مقدماته. مسألة. إذا غربت الشمس في عرفات فليفض منها قبل الصلاة إلى المشعر ويدعو بالمنقول ويستحب أن يقصد في السير فيسير سيرا جميلا بسكينه ووقار ويستغفر الله ويكثر منه لما رواه العامة عن جعفر الصادق (ع) عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل حتى دفع وقد شق القصواء بالزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رجليه ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) في الصحيح إذا غربت الشمس فافض مع الناس وعليك السكينة والوقار وأفض من حيث أفاض الناس واستغفر الله إن الله غفور رحيم فإذا انتهى إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فليقل اللهم ارحم موقفي
(٣٧٣)