على العبيد إن قلنا نعم فهم من أهل فرض الجهاد فإذا وقفوا في الصف وقع عنهم وإلا جاز استيجارهم ولو أخرج العبيد قهرا فإن كان مع الحاجة فلا أجرة وإلا لزمته الأجرة من يوم الاخراج إلى العود إلى ساداتهم أن يستعمل الذمي للجهاد بمال يبذله أما على وجه الإجارة أو الجعالة وللشافعية وجهان أحدهما إنه جعالة لجهالة أعمال القتال وأصحهما عندهم الإجارة ولا يضر جهالة الأعمال فإن المقصود القتال على ما يتفق والمقاصد هي المرغبة (بنية). إذا عرفت هذا فلا حجر في قدر الإجارة بل يجوز بما يتراضيان عليه وهو أصح وجهي الشافعية كغيرها من الإجارات والثاني إنه لا يجوز أن يبلغ به سهم راجل لأنه ليس من أهل فرض الجهاد فلا يعطى سهم راجل كالمرأة وعلى هذا الوجه يحكم بفسخ العقد والرد إلى أجرة المثل إذا ظهر أن الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة وإلا ففي الابتداء لا يدرى قدر الغنيمة وسهم الراجل والأقرب أن لآحاد المسلمين استيجار الذمي للجهاد وأصح وجهي الشافعية المنع لان الآحاد لا يتولون المصالح العامة خصوصا والذمي مخالف في الدين وقد يخون إذا حضر فليفوض أمره إلى الامام. مسألة.
لو أخرج الامام أهل الذمة الأولى أن يعين لهم أجرة فإن ذكر شيئا مجهولا مثل نرضيكم ونعطيكم ما تستعينون به وجب أجرة المثل وإن أخرجهم قهرا وجب أجرة المثل كالاستيجار في ساير الأعمال ولو خرجوا باختيارهم ولم يسهم لهم شيئا فهو موضع الرضخ وسيأتى بيان محله وأما الأجرة الواجبة سواء كانت مسماه أو أجرة المثل فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة إذ لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة فيخرج منها ما يدفع إليهم كساير المؤن وهو أحد وجوه الشافعية والثاني إنه من خمس الخمس سهم المصالح لانهم يحضرون للمصلحة لا إنهم من أهل الجهاد والثالث إنها تؤدى من أربعة أخماس الغنيمة لأنها تؤدى بالقتال كسهام الغانمين ولو أخرجهم الامام قهرا ثم خلى سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف أو فروا ولم يقفوا فلا أجرة لهم عن الذهاب وإن تعطلت منافعهم في الرجوع لأنه لا حبس هناك ولا استيجار فلو وقف المقهورون على الخروج ولم يقاتلوا فالأقرب أن لهم أجرة الوقوف والحضور لأنه كالقتال في استحقاق سهم الغنيمة وكذا في استحقاق أجرة الجهاد وهو أحد وجهي الشافعية وأظهرهما عندهم المنع لان الأجرة في مقابلة العمل والفايدة المقصودة (لم يحصل صح) ويحتمل أن يقال إن استوجروا للقتال فلا أجرة وإلا فلهم. البحث الثالث. في كيفية القتال . مسألة. الجهاد أمر كلي من أعظم أركان الاسلام يحتاج فيه إلى المساعدة والاعتضاد والاستعداد والفكر في الحيل وغيرها فيجب أن يكون أمره موكولا إلى نظر الامام واجتهاده ويجب على الرعايا طاعته والانقياد لقوله فيما يراه فيبدأ بترتيب قوم على أطراف البلاد رجالا كفايا ليقوموا بإزاء من يليهم من المشركين وبعمل الحصون والخنادق وجميع ما فيه حراسة المسلمين ويجعل في كل ناحية أميرا يقلده أمر الحروب وتدبير الجهاد يكون ثقة مأمونا على المسلمين ذا رأى وتدبير في الحرب وله شجاعته وقوة وعقل ومكايدة ولو احتاجوا إلى مدد استحب للامام ترغيب الناس في المقام عندهم والتردد إليهم كل وقت ليأمنوا فساد الكفار ويستغنوا عن طلب الجيوش فإن رأى الامام بالمسلمين قلة يحتاج معها إلى المهادنة هادنهم وإلا جاهدهم مع القدرة في كل سنة مرة وإن كان أكثر منه كان أفضل ويبدأ بقتال الأقرب إلا أن يكون الابعد أشد خطرا فيبدأ به. مسألة. إذا التقى الصفان وجب الثبات وحرم الهرب قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا صح) إذا لقيتم فئة فاثبتوا وعد رسول الله صلى الله عليه وآله الفرار من الزحف من الكباير ويجوز الهرب في أحوال ثلاثة الأول أن يزيد عدد الكفار على ضعف عدد المسلمين لقوله تعالى " الان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مأتين " وما رواه العامة عن بن عباس من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فما فر ومن طريق الخاصة قول الصادق من فر من رجلين في القتال من الزحف فقد فر ومن فر من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفر ولو لم يزد عدد المشركين على الضعف لكن غلب على ظن المسلمين الهلاك أن ثبتوا قيل يجب الثبات لقوله تعالى " إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار " وقيل يجوز لقوله تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولو غلب على ظنه الأسر فالأولى أن يقاتل حتى يقتل ولا يسلم نفسه للاسر لئلا يعذبه الكفار بالاستخدام ولو زاد المشركون على ضعف المسلمين لم يجب الثبات إجماعا ولو غلب على ظن المسلمين الظفر بهم استحب الثبات ولا يجب لانهم لا يأمنون التلف ولو غلب على ظن المسلمين العطب قيل يجب الانصراف لقوله تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقيل لا يجب تحصيلا للشهادة وقيل إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم لزم الفرار وإن كان في الثبات نكاية فيهم فوجهان ولو قصده رجل وظن إنه إن ثبت قتله وجب الهرب ولو ظن الهلاك مع الثبات والانصراف فالأولى الثبات تحصيلا لثواب الصبر ولجواز الظفر لقوله تعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين قيل يجب الثبات وقيل لا يجب لان وجوب الثبات مع تعدد المسلمين فيقوى قلب كل واحد منهم بصاحبه وقيل إن طلباه كان له الفرار لأنه غير متأهب للقتال وإن طلبهما ولم يطلباه لم يجز لان طلبهما والحمل عليهما شروع في الجهاد فلا يجوز الاعراض وفي جواز فرار مائة بطل من المسلمين من مأتى بطل وواحد من ضعفاء الكفار إشكال ينشأ من مراعاة العدد من المقاومة لو ثبتوا والعدد مراعى مع تقارب الأوصاف وللشافعية وجهان وكذا الاشكال في عكسه وهو فرار مائة من ضعفاء المسلمين من مائة وتسعة وتسعين من أبطال الكفار فإن راعينا صورة العدد لم يجز وإلا جاز ويجوز للنساء الفرار لأنهن لسن من أهل فرض الجهاد وكذا الصبى والمجنون ويأثم السكران ولو قصد الكفار بلدا فتحصن أهله إلى تحصيل نجدة وقوة لم يأثموا إنما الاثم على من ولى بعد اللقاء. الحالة الثانية أن يترك لا بنية الهرب بل يتحرك للقتال قال الله تعالى " إلا متحرفا لقتال أو متخيرا إلى فئة " والمتحرف للقتال هو الذي يتصرف ليكمن في موضع ثم يهجم أن يكون في مضيق فيتحرف حتى يتبع العدو إلى موضع واسع ليسهل القتال فيه أو يرى الصواب في التحول من الواسع إلى الضيق أو لينحرف عن مقابلة الشمس أو الريح أو يرتفع عن هابط أو يمضى إلى موارد المياه من المواضع المعطشة أو ليستند إلى جبل وشبهه. الحالة الثالثة أن يتخير إلى فئة وهو الذي ينصرف على قصد أن يذهب إلى طايفة ليستنجد بها في القتال ولا فرق بين أن تكون الطائفة قليلة أو كثيرة للعموم ولا بين أن تكون المسافة قصيرة أو طويلة وهو أحد وجهي الشافعية والثاني إنه يجب أن تكون المسافة قصيرة ليتصور الاستنجاد بها في هذا القتال وإتمامه وهل يجب عليه تحقق ما عزم عليه بالقتال مع الفئة التي تخير إليها للشافعية وجهان أحدهما عندهم لا لان العزم عليه رخص له الانصراف فلا حجر عليه بعد ذلك والجهاد لا يجب قضاؤه ولا فرق بين أن يخاف عجز المسلمين أو لا والثاني نعم لدلالة الآية على العزم على القتال والرخصة منوطة بالعزم ولا يمكن مخادعة الله تعالى في العزم وقال بعض الشافعية إنما يجوز التخير إلى فئة إذا استشعر المتحرف عجزا محوجا إلى الاستنجاد لضعف جند الاسلام فإن لم يكن كذلك فلا والعموم يخالفه وقال بعضهم لا يجوز الانصراف من صف القتال إن كان فيه انكسار المسلمين فإن لم يكن جاز التحيز للتحرف للقتال والمتحيز إلى فئة. إذا عرفت هذا فالاستثناء إنما هو حالة القدرة والتمكن من القتال فينحصر الاستثناء فيها أما العاجز بمرض أو عدم سلاح فله أن ينصرف بكل حال ولو أمكنه الرمي بالحجارة احتمل وجوب الثبات وللشافعية وجهان والمتحيز إلى فئة بعيدة لا يشارك الغانمين في غنيمة فارق قبل اغتنامها ولو فارق بعد غنيمة البعض شارك فيه دون الباقي أما لو تحيز إلى فئة قريبة فإنه يشارك الغانمين في المغنوم بعد مفارقته وهو أحد وجهي الشافعي لأنه لا تفوت نصرته والاستنجاد به فهو كالسرية يشارك