مواعظ لا على أحكام مشروعة والقول الثاني للشافعي يقرون بالجزية لقوله تعالى " من الذين أوتوا الكتاب " وليس حجة لأنه للعهد قال بن الجنيد من علمائنا الصابيون تؤخذ منهم الجزية ويقرون عليها كاليهود والنصارى وهو أحد قولي الشافعي بناء على أنهم من أهل الكتاب وإنما يخالفونهم في فروع المسايل لا في أصولها وقال احمد إنها جنس من النصارى وقال أيضا إنهم يسبون فهم من اليهود وقال مجاهد إنهم من النصارى وقال السدى إنهم من أهل الكتاب وكذا السامرة ومتى كانوا كذلك قبلت منهم الجزية وقد قيل عنهم إنهم يقولون إن الفلك حي ناطق وإن الكواكب السبعة السيارة آلهة ومتى كان الحال كذلك لم يقرون على دينهم الجزية وقال المفيد وقد اختلف فقهاء العامة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سواما ذكرناه من الثلاثة الأصناف فقال مالك وأنس والأوزاعي كل دين بعد الاسلام سوا اليهودية والنصرانية فهو مجوسية وحكم أهله حكم المجوس وروي عن عمر بن عبد العزيز إنه قال الصابئون مجوس وقال الشافعي وجماعة من أهل العراق (حكمهم حكم المجوس وقال بعض أهل العراق صح) إن حكمهم حكم النصارى قال فأما نحن فلا نجاوز بايجاب الجزية غير من عددناه لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد عنهم في أحكامهم قال وقد روى عن أمير المؤمنين (ع) إنه قال المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات لأنه كان لهم فيما مضى كتاب ولو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدفية والديصانية عندي بالمجوس أولي من الصابئين لانهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسية وتكاد تختلط بها وأما المزفونية والماهانية فإنهم إلى النصرانية أقرب من المجوسية لقولهم في الروح والكلمة والابن بقول النصارى وإن كانوا يوافقون الثنوية في أصول اخر وأما الكينونية فقولهم يقرب من النصرانية لا مثلهم في التثليث وإن كان أكثره لأهل الدهر وأما السمينة فتدخل في حكم مشركي العرب وتضارع مذاهبها في قولها في التوحيد للباري وعبادتهم سواء تقربا إليه وتعظيما فيما زعموا من عبادة الخلق لهم وقد حكى عنهم ما يدخلهم في جملة الثنوية ثم قال فأما الصابيون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه لان جمهورهم يوحد الصانع في الأزل ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وإنه المدبر لما في العالم والدال عليه وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله تعالى وسماها بعضهم ملائكة وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا للعبادات وهؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب وعباد الأوثان أقرب من المجوس لانهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله تعالى في التحقيق وعلى القصد والضمير وسموا من عداه من خلقه بأسمائه جل عما يقول المبطلون والمجوس قصدت بالعبادة الله تعالى على نياتهم في ذلك وضمايرهم وعقودهم وإن كانت عبادة الجميع على أصولنا غير متوجهة في الحقيقة إلى القديم ولم يسموا من أشركوا بينه وبين الله تعالى في القديم باسم في معنى الإلهية ومقتضى العبادة بل من ألحقهم بالنصارى أقرب في النسبة لمشاركتهم إياهم في اعتقاد الإلهية في غير القديم وتسميتهم له بذلك وهما الروح عندهم والنطق الذي اعتقده المسيح وليس هذا موضع الرد على متفقهة العامة فيما اجتبوه من خلافنا فلنسترجع وإنما ذكرنا منه طرفا لتعلقه بما تقدم من وصف مذهبنا في الأصناف وبيناه في التفصيل هذا آخر كلام شيخنا المفيد (ره) وللشافعي في الصابئين والسامرة وهم عنده مبتدعة النصارى واليهود قولان وقال بعض أصحابه إن كانوا كفرة دينهم فلا يقرون وإن كانوا مبتدعة أقروا فلو عقدنا له واسلم منهم عدلان وشهد لكفره تبين بطلان العقد ويغتال لتلبيسه والمتولد بين الكتابي والوثني في مناكحته قولان للشافعي والصحيح عنده إنه ولو توثن نصراني وله ولد صغير أمه نصرانية فله حكم التنصر وإن كانت وثنية فهو تابع للتوثن أو يبقى عليه حكم التنصر للشافعي وجهان ولا يقال إذا بلغ وإن كان يغتال أبوه على الأصح عندهم ولا يحل وطى سبايا غور لانهم ارتدوا بعد الاسلام وفي استرقاقهم خلاف بينهم فالظاهر عندهم جواز استرقاق الوثني وسبايا غور أولاد المرتدين وأما عندنا فإن ذبايح أهل الكتاب لا تحل إجماعا منا فأما مناكحتهم ففيه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى. مسألة. بنو تغلب بن وايل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية وانتقل أيضا من العرب قبيلتان اخريان وهم تنوخ ومهرا فصارت القبالى الثلاثة من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية كافة كما تؤخذ من غيرهم وبه قال علي (ع) وعمر بن عبد العزيز لانهم أهل كتاب فيدخلون تحت عموم الامر بأخذ الجزية من أهل الكتاب وقال أبو حنيفة لا تؤخذ منهم الجزية بل تؤخذ منهم الصدقة مضاعفة فيؤخذ من كل خمس من الإبل شاتان ويؤخذ من كل عشرين دينار دينارا ومن كل مأتى درهم عشرة دراهم ومن كل ما يجب فيه نصف العشر العشر وما يجب فيه العشر الخمس وبه قال الشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وأحمد بن حنبل لان عمر ضعف الصدقة عليهم وهي حكاية حال لا عموم لها فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كف أذاهم بذلك ولأنه كان يأخذ جزية لا صدقة وزكاة ولأنه يؤدى إلى أن يأخذ أقل من دينار بأن تكون صدقته أقل من ذلك ولأنه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الاسلام مؤبدا بغير عوض بأن لا يكون له زرع ولا ماشية وروى العامة عن علي (ع) إنه قال لئن تفرغت لبنى تغلب ليكونن لي فيهم رأى لأقتلن مقاتلهم ولأسبين ذراريهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم. إذا ثبت هذا إن المأخوذ جزية فلا يؤخذ من الصبيان والمجانين والنساء وبه قال الشافعي لما تقدم ولان عمر قال هؤلاء حمقاء رضوا بالمعنى دون الاسم وقال عمر بن عبد العزيز حيث لم يقبل من نصارى بنى تغلب إلا الجزية لا والله إلا الجزية وإلا فقد أذنتكم بالحرب وقال أبو حنيفة إنها صدقة تؤخذ مضاعفة من مال من يؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما وبه قال احمد وعلى ما قلناه يكون مصرفه مصرف الجزية ولو بذل التغلبي الجزية وتحط عنه الصدقة قبل منه لان المأخوذ عندنا جزية ومن قال إنه صدقه قال ليس لهم ذلك لئلا يغير الصلح أما للحربي؟ من التغلبيين فإنه إذا بذل الجزية قيل قبلت منه لقوله (ع) ادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ولو أراد الامام نقض صلحهم وتجديد الجزية عليهم جاز خلافا لبعض العامة. مسألة. لا تحل ذبايح بنى تغلب ولا مناكحتهم كغيرهم من أهل الذمة أما من أباح أكل ذبايح أهل الذمة فقال الشافعي لا يباح أكل ذبايح أهل الذمة من العرب كافة ونقله العامة عن علي (ع) وعطا وسعيد بن جبير والنخعي لانهم أهل الكتاب فلا تحل ذبايحهم على ما يأتي ولما رواه العامة عن علي (ع) من التحريم ومن طريق الخاصة رواية الحلبي في الصحيح إنه سأل الصادق (ع) عن ذبايح نصارى العرب هل تؤكل فقال كان علي (ع) ينهى عن أكل ذبايحهم وصيدهم وقال لا يذبح لك يهودي ولا نصراني أضحيتك وقال الباقر (ع) لا تأكل ذبيحة نصارى العرب وقال أبو حنيفة تحل ذبايحهم وبه قال الحسن البصري والشعبي والزهري والحكم وحماد وإسحاق عن أحمد روايتان. مسألة. تؤخذ الجزية من أهل خيبر وما ذكره بعض أهل الذمة منهم إن معهم كتابا من النبي صلى الله عليه وآله بإسقاطها لا يلتفت إليهم لأنه لم ينقله أحد من المسلمين قال بن شريح ذكر إنهم طولبوا بذلك فأخرجوا كتابا ذكروا إنه بخط علي (ع) كتبه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية وتاريخه بعد موت سعد وقبل إسلام معاوية فاستدل بذلك على بطلانه ولو غزا الامام قوما فادعوا إنهم أهل كتاب سألهم فان قالوا دخلنا أو دخل آباؤنا قبل نزول القران (في دينهم صح) أخذ منهم الجزية وشرط عليهم نبذ العهد والمقاتلة لهم إن بان كذبهم ولا يكلفون البينة على ذلك ويقرون بأخذ الجزية فإن بان كذبهم انتقض عهدهم ووجب قتالهم ويظهر كذبهم باعترافهم بأجمعهم بأنهم عباد وثن فإن اعترف بعضهم وأنكر الآخرون انتقض عهد المعترف خاصة دون غيره ولا تقبل شهادتهم على الآخرين فإن أسلم منهم اثنان وعدلا ثم شهدا إنهم ليسوا أهل ذمة انتقض العهد ولو دخل عابد وثن في دين أهل
(٤٣٩)