والمسكين اجهد منه والبائس أجهدهم ولا فايدة للفرق بينهما في هذا الباب لان الزكاة تدفع إلى كل منهما والعرب تستعمل كل واحد منهما في معنى الاخر نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا والنذور وغيرهما والضابط في الاستحقاق عدم الغنى الشامل لهما مسألة قد وقع الاجماع على أن الغنى لا يأخذ شيئا من الزكاة من نصيب الفقراء للآية ولقوله (ع) لا تحل الصدقة لغنى ولكن اختلفوا في الغنى المانع من الاخذ فللشيخ قولان أحدهما حصول الكفاية حولا له ولعياله وبه قال الشافعي ومالك وهو الوجه عندي لان الفقر هو الحاجة قال الله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله أي المحاويج إليه ومن لا كفاية له محتاج وقوله لا تحل الصدقة إلا لثلاثة رجل اصابته فاقة حتى يجد سدادا من عيش أو قواما من عيش ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) لا تحل لغنى الصدقة قال هارون بن حمزة فقلت له الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة وله عيال فان اقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها قال فلينظر ما يستفضل منها فيكال هو ومن يسعه ذلك وليأخذ لمن لم يسعه من عياله وفى رواية سماعة وقد تحل لصاحب سبعمائة وتحرم على صاحب خمسين درهما قلت له كيف هذا فقال إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكف فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله وأما صاحب الخمسين فإنه تحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب فيها ما يكفيه انشاء الله والقول الثاني لشيخ ان الضابط من يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فاضلا عن مسكنه وخادمه وبه قال أبو حنيفة لقوله (ع) لمعاذ أعلمهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم وللمنافاة بين جواز اخذها ووجوب دفعها فالجواب انه (ع) لم يقصد بيان مصرف الزكاة وما قلناه بيان له فكان أولي ونمنع التنافي وقال احمد ان ملك خمسين درهما لم يجز له أن يأخذ لقوله (ع) من سأله وله ما يغنيه جاء يوم القيمة وفى وجهه خدوش قيل يا رسول الله (ص) ما الغنى قال خمسون درهما وهو محمول على أنه إذا كان تحصل به الكفاية على ما فسره أهل البيت (على) وقال الحسن البصري وأبو عبيد الغنى من يملك أربعين درهما لما روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سأل وله قيمة أوقية فقد الحف والأوقية أربعون درهما ولا دلالة فيه وفى رواية عن الصادق (ع) قال لا تحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول ان يأخذها وان أخذها أخذها حراما ولا حجة فيه أيضا لان حولان الحول عليها يدل على استغنائه عنها فيحرم عليه اخذها مسألة لو كان له بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها فان كفاه الغلة له ولعياله أو الربح لم يجز له ان يأخذ الزكاة وان لم يكفه جاز له ان يأخذ من الزكاة ما يتم به كفايته ولم يكلف الانفاق من البضاعة ولا من ثمن الضيعة لما فيه من التضرر ولان سماعة سأله عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم فقال نعم إلا أن تكون داره دار غلة فيخرج له من غلته درهم يكفيه وعياله فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير اسراف فقد حلت له الزكاة وإن كانت غلتها تكفيهم فلا فقد نص على جواز الاخذ مع عدم الاكتفاء بالغلة مع قطع النظر عن الثمن ولا فرق بين الدار والبضاعة والضيعة إذ المشترك وهو المالية هو الضابط دون خصوصيات الأموال فروع - آ - لو لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شياء وإن كان محتاجا حلت له الصدقة وان ملك نصيبا سواء في ذلك الأثمان وغيرها وبه قال مالك والشافعي لان الحاجة هي الفقر وضدها الغنى فمن كان محتاجا فهو فقير ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة - ب - لو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيا وان ملك نصيبا وبه قال الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق وغيرهم - ج - لو كانت له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكوي لم تحل له الصدقة وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر لقوله (ع) لا تحل الصدقة لغنى ولا لقوى مكتسب ولأنه يملك ما يغنيه عن الصدقة فخرج عن الحاجة ولا يتناوله اسم الفقراء وقال أبو يوسف ان دفع الزكاة إليه فهو قبيح وأرجو ان يجزيه وقال أبو حنيفة ومحمد وزفر ويجوز دفع الزكاة إليه لأنه ليس بغنى لما مر من قوله (ع) أعلمهم أن عليهم صدقة - د - لو ملك نصابا زكويا أو نصيبا يقصر عن مؤنته ومؤنة عياله حلت له وبه قال الشافعي واحمد لأنه لم يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الاخذ من الزكاة كما لو كان ما يملكه من غير الزكوي ولان الفقر الحاجة وهي متحققة فيه وقال أصحاب الرأي ليس له أن يأخذ لأنه يجب عليه الزكاة ولا يجب له للخبر والغنى المانع من الاخذ ليس هو الغنى الموجب للدفع - ه - لو كان له معد للانفاق ولم يكن مكتسبا ولا ذا صناعة اعتبرت الكفاية به حولا كاملا له ولعياله من يمونه لان كل واحد منهم مقصود دفع حاجته فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد لأنه لا يسمى فقيرا بالعادة ويحتمل ان يمنع من الزكاة حتى يخرج ما معه بالاتفاق والحق الأول لما روى من جواز تناولها لمن ملك ثلاثمائة درهم أو سبعمائة مع التكسب القاصر فمنع عدمه أولي - و - لو جعلنا مناط المنع ملك النصاب وان قصر عن الكفاية فلو كان له عايله جاز أن يأخذ لعياله حتى يصير لكل واحد منهم ما يحرم معه الاخذ لان الدفع إنما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الاخذ - ز - لو كان للولد المعسر أو الزوجة الفقيرة أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون وكل منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم لان الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة فأشبهوا من له عقار يستغنى بأجرته وان لم ينفق أحد منهم وتعذر ذلك جاز الدفع إليهم كما لو تعطلت منفعة العقار مسألة ويعطى من ادعى الفقر إذا لم يعلم كذبه سواء كان قويا قادرا على التكسب أو لا وقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخا كبيرا أو شابا ضعيف البنية أو زمنا أو كان سليما قوى البنية جلدا وهو أحد وجهي الشافعية لان رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقسم الصدقة فسألاه شياء منها فصعد بصره وصوبه وقال لهما ان شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغنى ولا ذي قوة مكتسب ودفع إليهما ولم يحلفهما والثاني للشافعي انه يحلف إن كان قويا في بنيته ظاهرة الاكتساب لان ظاهره يخالف ما قاله وليس بجيد لأنه مسلم ادعى ركنا ولم يظهر ما ينافي دعواه ولو عرف له مال وادعى ذهابه قال الشيخ يكلف البينة لأنه يدعى خالف الظاهر والأصل البقاء وبه قال الشافعي والأقرب انه لا يكلف بينة تعويلا على صحة اخبار المسلم وكذا البحث في العبد لو ادعى العتق أو الكتابة ولو ادعى حاجة عياله فالوجه القبول من غير يمين لأنه مسلم ادعى أمرا ممكنا ولم يظهر ما ينافي دعواه ويحتمل الاحلاف لامكان إقامة البينة على دعواه وللشافعي كالوجهين مسألة العاملون عليها لهم نصيب من الزكاة وهم السعاة في جباته الصدقات عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي لقوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ولقول الصادق (ع) وقد سئل عن قوله إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها أكل هؤلاء يعطى ان الامام يعطى هؤلاء جميعا وقال أبو حنيفة يعطى عوضا واجرة لا زكاة لأنه لا يعطى إلا مع العمل ولو فرقها الامام أو المالك لم يكن له شئ والزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا ولأنه يأخذها مع الغنى والصدقة لا تحل لغنى ولا يلزم من توقف الاعطاء على العمل سقوط الاستحقاق والمدفوع ليس عوضا بل استحقاقا مشروطا بالعمل ونمنع عدم الدفع إلى الغنى مطلقا لان العامل لا يأخذ باعتبار الفقر وابن السبيل يأخذ وإن كان غنيا في بلده فكذا هنا. مسألة يجب على الامام أن يبعث ساعيا في كل عام لتحصيل الصدقات من
(٢٣١)