الجلوس ولأنه قد يستقذر فينبغي صيانة المسجد عنه وله أن يرش المسجد بالماء المطلق لا المستعمل إذا استقذرته النفس وإن كان طاهرا لان النفس قد تعافه وكذا يجوز الفصد والحجامة في المسجد إذا لم يتلوث والأولى الاحتراز عنه ولا يجوز أن يبول في المسجد في آنية خلافا للشافعية في بعض أقوالهم لما فيه من القبح والاستهانة بالمسجد واللايق تعظيم المساجد وتنزيهها بخلاف الفصد والحجامة ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة واستدبارها حالة الفصد والحجامة ويمنع منه حالة البول ولان المساجد لم تبن لهذا وهو مما يستخف به فوجب صيانة المسجد عنه كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله وقال بعض الحنابلة يمنع من الفصد والحجامة فيه لأنه إراقة نجاسة في المسجد فلم يجز كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله ولو دعت الحاجة الشديدة إليه خرج من المسجد وفعله وان استغنى عنه لم يكن له الخروج الذي يمكن احتماله والوجه جوازه لان المستحاضة يجوز لها الاعتكاف ويكون تحتها شئ يقع فيه الدم قالت عايشة اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعتا الطشت تحتها وهي تصلى مسألة السكر والردة إن قارنا ابتداء الاعتكاف منعنا صحته إذ لا نية لهما وكذا الاغماء والجنون ولو ارتد في أثناء الاعتكاف فالوجه عندي بطلان الاعتكاف خلافا للشيخ وقال الشافعي في الام انه لا يبطل اعتكافه بل يبنى إذا عاد إلى الاسلام وقال لو سكر في اعتكافه ثم افاق استأنف ولهذا حكم ببطلان الاعتكاف ولأصحابه طريقان أحدهما تقرير القولين والفرق أن السكران ممنوع من المسجد لقوله تعالى ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى أي موضع الصلاة فإذا شرب المسكر وسكر فقد اخرج نفسه عن أهلية اللبث في المسجد فينزل ذلك منزلة خروجه منه والمرتد غير ممنوع من المسجد بل يجوز استدامته فيه وتمكينه من الدخول لاستمتاع القرآن ونحوه فلم يجعل الارتداد متضمنا بطلان الاعتكاف والثاني التسوية بين الردة والسكر وفى كيفيتها طريقان أحدهما أنها على قولين أحدهما إنهما لا يبطلان الاعتكاف أما الردة فلما سبق وأما السكر فلانه ليس فيه إلا تناول محرم وذلك لا ينافي الاعتكاف والثاني إنهما يبطلان أما السكر فلما سبق وأما الردة فلخروج المرتد عن أهلية العبادة والأصح عندهم الجزم في الصورتين وفى كيفيته طرق أحدها انه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما وكلام الشافعي في السكر محمول على ما إذا خرج من المسجد أو اخرج لإقامة الحد عليه وثانيها إن السكر يبطله لامتداد زمانه والردة كذلك إن طال زمانها وثالثا ان الردة تبطل لأنها تفوت شرط العبادة والسكر لا يبطله كالنوم والاغماء ورابعها انهما جميعا مبطلان لان كل واحد منهما أشد من الخروج من المسجد فإذا كان ذلك مبطلا للاعتكاف ففيهما أولي وقوله في الردة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متنافيا فإذا عاد إلى الاسلام بنى على ما مضى لان الردة لا تحبط العبادات السابقة وقوله في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع وهذا كله عندنا باطل لان المرتد لا يمكن من الدخول إلى المسجد وانه مناف للعبادة وكذا السكر إذا عرفت هذا فالمفهوم من كلام الشافعي ان زمان الردة والسكر لا اعتكاف فيه فان الكلام في أنه يبنى أو يستأنف انما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال والمشهور عند أصحابنا ان زمان الردة غير محسوب من الاعتكاف إذ ليس للمرتد أهلية العبادة وأما زمان السكر ففي احتسابه لهم وجهان مسألة إذا عرض الجنون أو الاغماء في أثناء الاعتكاف بطل اعتكافه لفساد الشرط وخروجه عن أهلية العبادة سواء اخرج من المسجد أو لا وقال الشافعي إن لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه لأنه معذور فيما عرض وان اخرج نظر فإن لم يمكن حفظه في المسجد فكذلك لأنه لم يحصل الخروج باختياره فأشبه ما لو حمل العاقل واخرج مكرها وإن أمكن ذلك ففيه خلاف مخرج مما لو أغمي على الصائم ولا يحتسب أيام الجنون من الاعتكاف لان العبادات البدنية لا تصح من المجنون وفي زمان الاغماء للشافعية خلاف وعندنا انه لا يحسب مسألة الجنابة والحيض مانعان من الاعتكاف ابتداء وبه قال الشافعي لأنهما ممنوعان من اللبث في المساجد قال الله تعالى ولا جبنا إلا عابري سبيل وإذا منعا من اللبث منعا من الاعتكاف لأنه أخص منه وإذا طرأ الحيض على المعتكفة وجب عليها الخروج من المسجد فان لبثت فيه لم يحسب من الاعتكاف لأنه منهى عنه والنهى في العبادات تدل على الفساد ولان الصوم شرط في الاعتكاف عندنا والحيض لا يجامعه ومناف الشرط مناف للمشروط ولو طرأت الجنابة فإن كان مما تبطل الاعتكاف والصوم بطل الاعتكاف قطعا وإن طرأت بما لا يبطله كالاحتلام والجماع ناسيا وجب عليه ان يبادر إلى الغسل لئلا يبطل اعتكافه فإن لم يمكنه الغسل فهو مضطر إلى الخروج وان أمكنه عذر في الخروج أيضا ولا يكلف الغسل في المسجد لان الخروج أولي لما فيه من صيانة حرمة المسجد واعلم أن الجناية الطارية إذا لم يقتض بطلان الاعتكاف وبادر إلى الاغتسال احتسب زمانها من الاعتكاف كما في وقت الخروج لقضاء الحاجة وان أهمل بطل الاعتكاف من حين الاهمال وقبله يحسب من زمان الاعتكاف وللشافعية في احتساب زمان الجنابة من الاعتكاف مطلقا وجهان المطلب الرابع في نذر الاعتكاف مسألة قد بينا ان الاعتكاف عبادة مستحبة في أصلها غير واجبة وانما تجب بالنذر أو شبهه كالعهد واليمين فإذا نذر الاعتكاف وجب عليه ثم إما أن يطلق أو يعين والتعيين إما ان يحصل بوصف الفعل أو بخارج عنه كالمكان أو الزمان فان اطلق وجب عليه اعتكاف ثلاثة أيام إذ لا يصح الاعتكاف أقل منها عند علمائنا أجمع ويتخير في أي وقت شاء مما يصح صومه أوقعه فيه ويجب ان يكون صائما هذه الأيام الثلاثة لان الاعتكاف عندنا لا يصح إلا بالصوم وما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا ويتخير أيضا في أحد المساجد الأربعة أيها شاء اعتكف فيه مسألة قد بينا ان الصوم شرط في الاعتكاف فلو نذر اعتكاف أيام لا يجب فيها الصوم وجب صومها عندنا وإن لم ينذر الصوم ولو نذر اعتكاف أيام يجب فيها الصوم كرمضان والنذر المعين اجزاء ومن لم يشترط الصوم فيه من العامة إذا نذر الاعتكاف لم يجب الصوم ولو نذر أن يعتكف أياما هو فيها صائم لزم الاعتكاف في أيام الصوم ووجب عليه الصوم إجماعا لان الاعتكاف بالصوم أفضل وان لم يكن مشروطا به فإذا التزمه بالشرط لزم كما لو التزم التتابع فيه وليس له في هذه الصورة افراد أحدهما عن الاخر إجماعا ولو اعتكف في رمضان أجزأه لأنه لم يلزم هذا النذر صوما وانما نذر الاعتكاف على صفة وقد وجدت ولو نذر ان يعتكف صائما أو يعتكف بصوم لزمه الاعتكاف والصوم جميعا بهذا النذر ولزمه الجمع بينهما عندنا وللشافعية وجهان أحدهما انه لا يجب الجمع لأنها عبادتان مختلفتان فأشبه ما إذا نذر ان يصلى صائما وأصحهما وهو قول الشافعي في الام انه يجب لما تقدم من أن الاعتكاف بالصوم أفضل ولو شرع في الاعتكاف صائما ثم أفطر لزمه استيناف الصوم والاعتكاف عند الشافعية على الوجه الثاني ويكفيه استيناف الصوم على الأول ولو نذر اعتكاف أيام وليالي متتابعة صائما وجامع ليلا ففيه للشافعية هذان الوجهان ولو اعتكف عن نذره في رمضان أجزأه من الاعتكاف في الوجه الأول وعليه الصوم وعلى الثاني لا يجوز الاعتكاف أيضا ولو نذر ان يصوم معتكفا انعقد نذره عندنا لأنها عبادة منذورة فلزمته وللشافعية طريقان أظهرهما طرد الوجهين والثاني القطع بأنه لا يجب الجمع والفرق ان الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم والصوم يصح وصفا للاعتكاف فإنه من مندوباته ولو نذر ان يعتكف مصليا أو يصلى معتكفا لزمه الصلاة والاعتكاف ويلزمه الجمع عندنا وللشافعية طريقان أحدهما طرد الوجهين في لزوم الجمع وأصحهما عندهم القطع وبأنه لا يجب والفرق ان الصوم والاعتكاف متقاربان فان كل واحد منهما كف وامساك والصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف ويخرج على هذين الطريقين ما لو نذر أن يعتكف محرما فإن لم نوجب للجمع
(٢٨٧)