إذا عرفت هذا فان التتابع وان لم يلزمه إلا في كل ثلاثة عندنا ولا يلزمه مطلقا عند العامة فان الأفضل التتابع لما فيه من المسابقة إلى فعل ما يوجب المغفرة ولو لم يتلفظ بالتتابع في نذره لكن نواه في ضميره فان قلنا النذر ينعقد بالضمير لزمه وإلا فلا ولو شرط في نذره التفريق لم يلزمه وخرج عن العهدة بالتتابع لان الأولى التتابع فلا ينعقد نذر خلافه عندنا وهو أصح وجهي الشافعية كما لو عين غير المسجد الحرام يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام مسألة لو لم يقيد بالتتابع جاز له التفريق عندنا ثلاثة ثلاثة وهل يجوز التفريق يوما يوما بأن يعتكف يوما عن نذره ثم يضم إليه يومين مندوبا الأقرب الجواز كما لو نذر أن يعتكف يوما وسكت عن الزيادة وعدمها فإنه يجب عليه الاتيان بذلك اليوم ويضم إليه يومين آخرين فحينئذ (إذا نذر) ان يعتكف ثلاثة أيام فاعتكف يوما عن النذر وضم إليه آخرين لاعنه بل تبرع بهما ثم اعتكف يوما اخر عن النذر وضم إليه آخرين ثم اعتكف ثالثا عن النذر وضم إليه آخرين جاز سواء تابع التسعة أو فرقها ولو نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريق الساعات على الأيام لان الاعتكاف يجب فيه الصوم ولا يصح صوم الساعة بمفردها وهو أصح وجهي الشافعية لان المفهوم من لفظ اليوم المتصل قال الخليل ابن احمد إن اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس والثاني للشافعية انه يجوز التفريق تنزيلا للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر ولو دخل المسجد في أثناء النهار وخرج بعد الغروب ثم عاد قبل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت فهو على هذين الوجهين ولو لم يخرج بالليل فعند أكثر الشافعية انه يجزئه سواء جوزوا التفريق أو منعوه لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد وقال بعضهم لا يجزئه تفريعا على الوجه الأول لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم فلا فرق بين ان يخرج فيها من المسجد أو لا يخرج ولو قال في أثناء النهار لله على أن اعتكف يوما من هذا الوقت لم يصح عندنا إذا لم يكن صائما من أوله وإن كان فاشكال وقال الشافعية انه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ولا يجوز أن يخرج بالليل ليتحقق التتابع وقال بعضهم ان الناذر التزم يوما والبعضان يوم والليلة المتخللة ليست من اليوم فلا يمنع التتابع بينهما كما أنه لا يمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع ومن جوز تفريق الساعات من الشافعية في اليوم اكتفى بساعات أقصر الأيام لأنه لو اعتكف أقصر الأيام أجزأه وكذا لو فرق على الساعات أقصر الأيام في سنتين ولو اعتكف في أيام متباينة الطول والقصر فينبغي ان ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إليه إن كان ثلثا فقد خرج من ثلث ما عليه نظر إلى اليوم الذي يوقع فيه الاعتكاف ولهذا لو اعتكف بقدر ساعات أقصر الأيام من يوم طويل لم يكفه مسألة إذا نذر أن يعتكف مدة معينة مقدرة كما لو نذر ان يعتكف عشرة أيام من الآن أو نذر أن يعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر وجب عليه الوفاء به فان أفسد أخره إما بأن خرج لغير عذر أو بسبب غير ذلك فاما ان يقيد بالتتابع أو لا فان قيد نذره بالتتابع بأن قال اعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعا وجب عليه الاستيناف لأنه لم يأت بما نذره فيجب القضاء ويكفر لمخالفته النذر ولو فاته الجمع لغير عذر وجب عليه القضاء متتابعا وهو أصح وجهي الشافعية لأنه صرح في نذره بالتتابع فيكون مقصودا له بالذات والثاني للشافعية انه لا يلزمه الاستيناف لو أفسد اجزاء ولا تتابع القضاء لو احمل الجمع لان التتابع واقع من ضروراته فلا أثر للفظه وتصريحه وهو ممنوع وان لم يقيد بالتتابع لم يجب الاستيناف لو أفسد اخره ولا تتابع القضاء لو اهمله بل يجب القضاء مطلقا لان التتابع فيه كان من حق الوقت ضروراته لا انه وقع مقصودا فأشبه التتابع في صوم رمضان مسألة لو نذر اعتكاف شهر لزمه شهر بالأهلة أو ثلاثون يوما وهل يلزمه التتابع الأقرب العدم بل له ان يفرقه ثلاثة ثلاثة أو يوما ويضيف إليه آخرين مندوبين على الاشكال السابق وقال الشافعي لا يلزمه التتابع لأنه معنى يصح فيه التفريق فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام وهو إحدى الروايتين عن أحمد والثانية يلزمه التتابع وبه قال أبو حنيفة ومالك فان اعتكف شهرا بين هلالين أجزأه وإن كان ناقصا وان اعتكف ثلاثين يوما من شهرين جاز وتدخل فيه الليالي لان الشهر عبارة عنهما ولا يجزئه أقل من ذلك وبه قال الشافعي إلا أن يقول أيام شهر أو نهار هذا الشهر ولا يلزمه الليالي ولو قال ليالي هذا الشهر لم ينعقد عندنا لان من شرط الاعتكاف الصوم والليل ليس محلا للصوم وقال الشافعي ينعقد ويلزم الاعتكاف ليلا ولا يلزمه الأيام ولو نذر اعتكاف يوم قال الشافعي لا يلزم ضم الليلة إلا أن ينوى فحينئذ يلزم لان اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته وللشافعي قول آخر انه تدخل الليلة إلا أن ينوى يوما بلا ليلة ولو نذر اعتكاف يومين وجب عليه ضم ثالث إليهما عندنا وعند العامة لا يلزم فعلى قولهم هل تلزم الليلة بينهما للشافعية ثلاثة أوجه أحدها لا تلزم إلا إذا نواها لما سبق من أن اليوم عبارة عما بين طلوع الفجر وغروب الشمس والثاني تلزم إلا أن يريد بياض النهار لأنها ليلة تتخلل نهار الاعتكاف فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر والثالث ان نوى التتابع أو قيد به لفظا لزمت ليحصل التواصل وإلا فلا ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلل بينهما هذا الخلاف ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو ثلاثين يوما ففي لزوم الليالي المتخللة الوجوه الثلاثة وقال بعض الشافعية ان نذر اليومين لا يستتبع شيئا من الليالي والخلاف في الثلاثة فصاعدا لان العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرد النهار وإذا أطلقت الأيام عنت بلياليها مسألة لا خلاف بين الشافعية في أن الليالي لا تلزم بعدد الأيام فإذا نذر يومين لم تلزم ليلتان بحال وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة تلزم ليلتان ولو نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه ويلزمه ان يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج عنه بعد غروب الشمس وقال مالك يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من ليلته ذلك اليوم كما لو نذر اعتكاف شهر لان الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعا والوجه ما قلناه من أن الليلة ليست من اليوم وهي من الشهر ولو نذر اعتكاف ليلة لزم دخول معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر عند العامة وليس له تفريق الاعتكاف عند احمد وقال الشافعي له التفريق مسألة لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور دخل فيه الأيام والليالي وتكون الليالي هنا بعدد الأيام كما في نذر الشهر وقد تقدم ويخرج عن العهدة إذا استهل الهلال كان الشهر كاملا أو ناقصا لان الاسم يقع على ما بين العشرين إلى اخر الشهر ولو نذر ان يعتكف عشرة أيام من آخر الشهر ودخل المسجد اليوم أو قبيل الحادي والعشرين فنقص الشهر لزمه قضاء يوم لأنه حدد القصد إلى العشرة تذنيب إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد لم ينعقد لأنه ان قدم ليلا لم يلزمه شئ وان قدم نهارا لم ينعقد لمضى بعض اليوم غير صائم للاعتكاف ومن لا شرط الصوم أوجب عليه اعتكافه بقية النهار وللشافعي في قضاء ما مضى من النهار قولان أصحهما عندهم العدم لان الوجوب ثبت من حين القدوم والثاني الوجوب لأنا نتبين؟
بقدومه ان ذلك يوم القدوم فيجب ان يعتكف بقية اليوم ويقضى بقدر ما مضى من يوم اخر وقال بعضهم ليستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولا ولو كان الناذر لوقت القدوم ممنوعا من الاعتكاف بمرض أو حبس قضاه عند زوال العذر وقال بعضهم لا شئ عليه لعجزه وقت الوجوب كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه المطلب الخامس في الرجوع عن الاعتكاف وأحكام الخروج من المسجد مسألة قد بينا ان الاعتكاف في أصله مندوب إليه