إن كانت بيعا وتجوز إن كانت فسخا وللشافعية على تقدير كونها فسخا وجهان أحدهما المنع كالرد بالعيب وأصحهما عندهم الجواز كالفسخ بالتحالف فعلى هذا يرد المشترى على البايع مثل المبيع إن كان مثليا وقيمته إن كان متقوما. مسألة. يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن والنقصان فيه لا قدرا ولا وصفا فلو أقاله بأكثر أو أقل فسدت الإقالة وكان المبيع باقيا على ملك المشتري وبه قال الشافعي لأنها فسخ في الحقيقة ومقتضاه عود كل عوض إلى مالكه وليست من الألفاظ الناقلة كالبيع وشبهه بحيث يحصل ملك الزيادة بها وقال أبو حنيفة تصح الإقالة ويبطل الشرط ويجب رد الثمن لان الإقالة تصح بغير ذكر بدل فإذا ذكره فاسدا لم يبطل كالنكاح ونحن نقول إنه أسقط حقه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض الذي شرطه فإذا لم يسلم له الذي شرطه ولا بذل له لم يزل ملكه عنه بخلاف النكاح فإنه يثبت فيه عوض آخر ولان شرط الزيادة يخرج الإقالة عن موضوعها فلم تصح بخلاف النكاح. مسألة. تصح الإقالة في بعض المسلم فيه وبه قال عطا وطاوس وعمرو بن دينار والحكم بن عيينة وإليه ذهب أبو حنيفة و الشافعي والثوري وروى عن عبد الله بن عباس إنه قال لا بأس به وهو المعروف لان الإقالة مستحبة وهي من المعروف وكل معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه كالابراء والانظار وقال مالك وربيعه والليث بن سعد وابن أبي ليلى لا يجوز ذلك وكرهه احمد وإسحاق ورواه ابن المنذر عن ابن عمر والحسن وابن سيرين والنخعي لأنه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعا وسلفا وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن البيع والسلف لأنه إذا أقاله في بعضه ورد بعض رأس المال يصير في معنى القرض لأنه رد مثله ويصير الباقي بيعا وهو منقوص بالرجوع بأرش العيب فإنه في معنى ما ذكروه وكذلك ينتقض باليسير فإن بعضهم كان يسلم جواز الإقالة في اليسير منه على أنا نمنع من كونه قرضا ورد المثل لا يوجب كونه قرضا وإلا لزم أن يكون البيع إذا أقيل منه قرضا لوجوب رد المثل وليس كذلك سلمنا لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع لكن منع الاجتماع إنما يكون إذا كان شرطا في البيع وأما لو أسلفه شيئا وباعه شيئا جاز إذا لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم. مسألة. لو اشترى عبدين وتلف أحدهما صحت الإقالة عندنا لأنها فسخ ومن قال إنها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف وإذا تقايلا والمبيع في يد المشترى فقد تصرف البايع فيه لأنها فسخ ومن جعلها بيعا منع إذ لا يصح التصرف في المبيع قبل قبضه ولو تلف في يده إنفسخت الإقالة عند من قال إنها بيع وبقى البيع كما كان ومن قال إنها فسخ صحت الإقالة وكان على المشترى الضمان لأنه مقبوض على حكم العوض كالمأخوذ قرضا وسوما والواجب فيه إن كان متقوما أقل القيمتين من يوم العقد والقبض ولو تعيب في يده فإن كان بيعا تخير البايع بين إجازة الإقالة مجانا وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن وإن كانت فسخا غرم الأرش العيب ولو استعمله بعد الإقالة فإن جعلناها بيعا فهو كالمبيع يستعمله البايع وإن جعلناها فسخا فعليه الأجرة ولو عرف البايع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشترى قبل الإقالة فلا رد له إن كانت فسخا وإن كانت بيعا فله ردها ويجوز للمشترى حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين ولا يشترط فك الثمن في الإقالة ولو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عوض المكسرة لم يجز ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين ويجوز الإقالة في بعض المبيع كما تقدم إذا لم يستلزم الجهالة قال الجويني لو اشترى العبدين وتقايلا في أحدهما لم يجز على قول إنه بيع للجهل بحصة كل واحد منهما ويجوز الإقالة في بعض المسلم فيه لكن لو أقاله في البعض ليعجل الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة نعم لو قال للمسلم إليه عجل له حقي واخذ دون ما استحقه بطيبه من نفسه كان جايزا لأنه نوع صلح وتراض وهو جايز وقال الشافعي لا يجوز. مسألة. لا يسقط أجرة الدلال والوزان والناقد بعد هذه الأفعال بالإقالة لان سبب الاستحقاق ثابت فلا يبطل بالطارئ ولو اختلفا في قيمة التالف من العبدين فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين. المقصد الثامن. في اللواحق وفيه فصلان الأول في أنواع المكاسب. مسألة طلب الرزق للمحتاج واجب وإذا لم يكن له وجه التحصيل إلا من المعيشة وجب عليه قال رسول الله صلى الله عليه وآله ملعون من ألقى كله على الناس وهو أفضل من التخلي للعبارة روى علي بن عبد العزيز عن الصادق (ع) قال ما فعل عمر بن مسلم قال جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة فقال ويحه أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له إن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إليهم فقال ما حملكم على ما صنعتم فقال يا رسول الله (ص) تكفل لنا بأرزاقنا فاقبلنا على العبادة فقال إنه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب وسأل عمر بن زيد الصادق (ع) رجل قال لأقعدن في بيتي ولأصلين ولأصومن ولأعبدن ربي عز وجل فأما رزقي فسيأتيني فقال أبو عبد الله (ع) هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم وسأل العلاء بن كامل الصادق (ع) أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه في دعة فقال لا أدعو لك اطلب كما أمرك الله وسأل الصادق (ع) عن رجل فقيل أصابته حاجة قال فما يصنع اليوم قال في البيت يعبد ربه عز وجل قال فمن أين قوته قيل من عند بعض إخوانه فقال الصادق (ع) (بالله صح) الذي يقوته أشد عبادة منه وقال الباقر (ع) من طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقى الله عز وجل يوم القيمة ووجهه مثل القمر ليلة البدر. مسألة. وفي طلب الرزق ثواب عظيم قال الله تعالى " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه " وقال الباقر (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله العبادة سبعون جزاء أفضلها طلب الحلال وقال الصادق (ع) يا هشام إن رأيت الصفين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم وقال الصادق (ع) إن محمد بن المنكدر كان يقول ما كنت أرى إن علي بن الحسين (ع) يدع خلفا أفضل من علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليهما السلام فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه بأي شئ وعظك قال خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أما لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فرد على بنهر وهو يتصاب عرقا فقلت أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع فقال (ع) لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل أكف بها نفسي وعيالي (عنك صح) عن الناس وإنما كنت أخاف لو جاء الموت وأنا على معصية من معاصي الله تعالى فقلت صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني واعتق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ألف مملوك من كد يده وقال الصادق (ع) اوحى الله عز وجل إلى داود (ع) إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا قال فبكى داود (ع) أربعين صباحا فأوحى الله تعالى إلى الحديد أن لن لعبدي داود فألان الله تعالى له الحديد فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألفا واستغنى عن بيت المال وقال محمد بن عذافر عن أبيه قال اعطى أبو عبد الله (ع) أبى ألفا وسبعمائة دينار فقال له أتجر لي بها ثم قال أما إنه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوبا فيها ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضا لفوايده قال فربحت فيها مائة دينار ثم لقيته فقلت قد ربحت لك مائه دينار وقال ففرح أبو عبد الله بذلك فرحا شديدا ثم قال أثبتها لي في رأس مالي وقال الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " رضوان الله والجنة في الآخرة والمعاش وحسن الخلق في الدنيا وقال رجل للصادق (ع) إنا والله لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتى بها فقال تحب أن تضع بها ما ذا قال أعود بها على نفسي وعيالي واصل منها وأتصدق و وأحج واعتمر فقال الصادق (ع) ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة وقال معاذ بن كثير صاحب الأكسية للصادق (ع) قد هممت أن أدع السوق وفي يدي شئ قال إذن يسقط
(٥٨٠)