ليناظرهم فلبس حلة حسنة ومضى إليهم فقال هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وزوج ابنته فاطمة (عه) وقد عرفتم فضله فما تنقمون منه قالوا ثلاثا إنه حكم في دين الله وقتل ولم يسب فأما أن يقتل ويسبي أو لا يقتل ولا يسبى إذا حرمت أموالهم حرمت دماؤهم والثالث محى اسمه من الخلافة فقال ابن عباس إن خرج عنها رجعتم إليه قالوا نعم قال ابن عباس أما قولكم حكم في دين الله تعنون الحكمين بينه وبين معاوية وقد حكم الله في الدين فقال وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وقال يحكم به ذوا عدل منكم فحكم في أرنب قيمته درهم فبأن بحكم في هذا الامر العظيم أولي فرجعوا عن هذا قال وأما قولكم كيف قتل ولم يسب فأيكم لو كان معه فوقع في سهمه عايشه زوج النبي صلى الله عليه وآله فكيف يصنع وقد قال الله تعالى " ولا تنكحوا أزواجه من بعد ما بدا " قالوا رجعنا عن هذا قال وقولكم محى اسمه من الخلافة تعنون إنها لما وقعت المواقعة بينه وبين معاوية كتب بينهم هذا ما وافق عليه أمير المؤمنين علي (ع) معاوية قالوا له لو كنت أمير المؤمنين (ع) ما نازعناك فمحى اسمه فقال ابن عباس إن كان محى اسمه من الخلافة فقد محى رسول الله اسمه من النبوة لما قاضى سهيل بن عمرو بالحديبية كتب الكتاب علي (ع) هذا ما قاضى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله سهيل بن عمرو فقالوا له لو كنت نبيا ما خالفناك فقال النبي صلى الله عليه وآله لعلى (ع) أمحه فلم يفعل فقال لعلى (ع) أرينه فأراه إياه فمحاه النبي (ص) بإصبعه وقال ستدعى إلى مثلها فرجع بعضهم وبقى منهم أربعة آلاف لم يرجعوا فقاتلهم على صلى الله عليه وآله فقتلهم . مسألة. ويجب قتال أهل البغى على كل من ندبه الامام لقتالهم عموما أو خصوصا أو من نصبه الامام والتأخير عن قتالهم كبيرة ويجب على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ما لم يستنهضه الامام على التعيين فيجب عليه ولا يكفيه قيام غيره كما قلناه في جهاد المشركين والفرار في حربهم كالفرار في حرب المشركين تجب مصابرتهم حتى يفيؤوا إلى الحق ويرجعوا إلى طاعة الامام أو يقتلوا بغير خلاف في ذلك فإذا رجعوا حرم قتالهم لقوله تعالى " حتى تفئ إلى أمر الله " وكذا إن ألقوا السلاح و تركوا القتال أما لو انهزموا فإنه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها ولو استعان أهل البغى بنسائهم وصبيانهم وعبيدهم في القتال وقاتلوا معهم أهل العدل قوتلوا مع الرجال وإن أتى القتل عليهم لان العادل يقصد بقتاله الدفع عن نفسه وماله ولو أرادت امرأة أو صبى قتل إنسان كان له قتالهما ودفعهما عن نفسه وإن أتى على أنفسهما. مسألة. لو استعان أهل البغى بأهل الحرب وعقدوا لهم ذمة أو أمانا على هذا كان باطلا ولا ينعقد لهم أمان ولا ذمة لان من شرط عقد الذمة و الأمان أن لا يجتمعون على قتال المسلمين فحينئذ يقاتل الامام وأهل العدل المشركين مقبلين ومدبرين كالمنفردين عن أهل البغى وإذا وقعوا في الأسر تخير الامام بين المن و الفداء والاسترقاق والقتل وليس لأهل البغى ان يتعرضوا لهم قاله الشيخ (ره) من حيث إنهم بذلوا لهم الأمان وإن كان فاسدا فلزمهم الكف عنهم لاعتمادهم على قولهم لا من حيث صحة أمانهم فإن استعانوا بأهل الذمة فعاونوهم وقاتلوا معهم أهل العدل أرسلهم الامام وسألهم عن فعلهم فإن ادعوا الشبهة المحتملة بأن يدعوا الجهل واعتقاد أن الطايفة من المسلمين إذا طلبوا المعونة جاز معونتهم أو ادعوا الاكراه على ذلك كانت ذمتهم باقية وقبل قولهم ولم يكن ذلك نقضا للعهد وإن لم يدعوا شيئا من ذلك انتقض عهدهم وخرقوا الذمة وهو أحد قولي الشافعي لانهم لو انفردوا وقاتلوا الامام خرقوا الذمة وانتقض عهدهم فكذا إذا قاتلوا مع أهل البغى والثاني للشافعي لا يكون نقضا لجهل أهل الذمة بالحق فيكون شبهة وليس جيدا لاعتقادهم بطلان الطايفتين. إذا عرفت هذا فإنه بمجرد قتالهم مع أهل البغى من غير شبهة يجوز قتلهم مقبلين ومدبرين ولو أتلفوا أموالا وأنفسا ضمنوها عندنا وأما الشافعي في أحد قوليه فإنه لا يجعل القتال نقضا فيكون حكمهم حكم أهل البغى في قتالهم مقبلين لا مدبرين وأما ضمان الأموال فإن أهل الذمة يضمنونها عنده قولا واحدا وأما أهل البغى فقولان وفرق بأمرين أحدهما إن لأهل البغى شبهه دون أهل الذمة والثاني إذا أسقطنا الضمان عن أهل البغى لئلا تحصل لهم نفرة عن الرجوع إلى الحق وأما أهل الذمة فلا يتحقق هذا المعنى فيهم وأما نحن فلا فرق بينهما في وجوب الضمان عليهما وإن استعانوا بالمستأمنين انتقض أمانهم وصاروا حربا لا أمان لهم فإن ادعوا الاكراه قبل بالبينة لا بمجرد الدعوى بخلاف أهل الذمة لان الذمة أقوى حكما. مسألة. يجوز للامام أن يستعين بأهل الذمة على أهل البغى وبه قال أصحاب الرأي وقال الشيخ (ره) في المبسوط ليس له ذلك وهو خلاف ما عليه الأصحاب والشافعي وخرج ذلك أيضا لان أهل الذمة يجوزون قتل أهل البغى مقبلين ومدبرين وذلك لا يجوز وهو ممنوع على ما يأتي تفصيله أما لو استعان من المسلمين بمن يرى قتلهم مقبلين ومدبرين في موضع لا يجوز ذلك لم يجز إلا بأمرين أحدهما فقد من يقوم مقامه الثاني أن تكون مع الامام قوة متى علم منهم قتلهم مدبرين كفهم عنه عنهم. مسألة. إذا افترق أهل البغى طائفتين ثم اقتتلوا فإن كان للامام قوة على قهرهما فعل ولم يكن له معاونة إحديهما على الأخرى لان كل واحدة على خطأ والإعانة على الخطاء من غير حاجة خطأ بل يقاتلهما معا حتى يعودوا إلى طاعته وإن لم يتمكن من ذلك تركهما فأيهما قهرت الأخرى دعاها إلى الطاعة فان أبت قاتلهم وإن ضعف عنهما وخاف من اجتماعهما عليه جاز أن يضم إحديهما إليه ويقاتل الأخرى ويقصد كسرها ومنعها عن البغى لا معاونة من يقاتل معها و ينبغي أن يعاون التي هي إلى الحق أقرب فإن انهزمت التي قاتلها أو رجعت إلى طاعته كف عنها ولم يجز له قتال الطايفة الأخرى التي ضمها إليه إلا بعد دعائها إلى طاعته لان ضمها إليه يجرى مجرى أمانه إياها. مسألة. إذا لم يمكن دفع البغاة إلا بالقتل وجب ولا يقاتلون بما يعم إتلافه كالنار والمنجنيق والتغريق لان القصد بقتالهم فل جمعهم ورجوعهم إلى الطاعة والنار تهلكهم وتقع على المقاتل وغيره ولا يجوز قتل من لا يقاتل ولو احتاج أهل العدل إلى ذلك واضطروا إليه بأن يكون قد أحاط بهم البغاة من كل جانب وخافوا اصطلامهم ولا يمكنهم التخلص إلا برمى النار أو المنجنيق جاز ذلك وكذا إن رماهم أهل البغى بالنار أو المنجنيق جاز لأهل العدل رميهم به إذا عرفت هذا فلا إثم على قاتلي أهل البغى إذا لم يندفعوا إلا به ولا ضمان مال ولا كفارة لأنه امتثل الامر بقتل مباح الدم لقوله تعالى " قاتلوا التي تبغى " وإذا لم يضمنوا النفوس فالأموال أولي بعدم الضمان والقتيل من أهل العدل شهيد لأنه قتل في قتال أمر الله تعالى به ولا يغسل ولا يكفن ويصلى عليه عندنا لأنه شهيد معركة أمر بالقتال فيها فأشبه معركة الكفار وقال الأوزاعي وابن المنذر يغسل ويصلى عليه لان النبي صلى الله عليه وآله أمر بالصلاة على من قال لا إله إلا الله ونحن نقول بموجبه لأنا نوجب الصلاة على الشهيد وليس في الخبر الامر بالغسل والتكفين. إذا ثبت هذا فإن ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغى حال الحرب غير مضمون لأنه مأمور بالقتال فلا يضمن ما يتولد منه ولا نعلم فيه خلافا لان أبا بكر قال للذين قاتلهم بعد ما تابوا تدون قتلانا ولا ندى قتلاكم ولأنهما فرقتان من المسلمين محقة ومبطلة فلا يستويان في سقوط الغرم كقطاع الطريق وأما ما يتلفه أهل العدل من أموال أهل البغى قبل الشروع في القتال أو بعد تقضى الحرب فإنه يكون مضمونا لأنه ليس لأهل العدل ذلك فكان إتلافا بغير حق فوجب عليهم الضمان ويحتمل أن يقال إن احتاج أهل العدل إلى قتل أو إتلاف مال في تفرقهم وتبديد كلمتهم جاز لهم ذلك ولا ضمان ولو أتلف أهل البغى مال أهل العدل أو نفسه قبل الشروع في القتال أو بعد تقضيه فإنه يضمنه إجماعا وأما ما يتلفه الباغي على العادل من مال ونفس حالة الحرب فإنه مضمون عليه عندنا بالغرامة والدية وهو قول مالك واحد قولي الشافعي لقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ولأنها أموال معصومة
(٤٥٥)