فله الهرب وأخذ ما أمكنه من مالهم لأنه قهروه على نفسه ولم يملكوه بذلك فجاز له قهرهم ولو اطلقوه على مال لم يجب الوفاء به لان الحر لا قيمه له ولو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربي مالا وعاد إلينا ودخل صاحب المال بأمان كان عليه رده إليه لان مقتضى الأمان الكف عن أموالهم ولو اقترض حربي مالا ثم دخل المقترض إلينا بأمان كان عليه رده إليه لان الأصل وجوب الرد ولا دليل على براءة الذمة منه ولو تزوج الحربي بحربيه وامهرها مهرا وجب عليه رده عليها وكذا لو أسلما معا وترافعا إلينا فإنا نلزم الزوج المهر إن كان مما يصح للمسلمين تملكه وإلا وجب عليه قيمته خاصة ولو تزوج الحربي بحربيه ثم أسلم الحربي خاصة والمهر في ذمته لم يكن للزوجة مطالبته به لأنها أهل حرب ولا أمان لها على هذا المهر وكذا لو ماتت ولها ورثة كفار لم يكن لهم أيضا المطالبة به لما مر في الزوجة ولو كان الورثة مسلمين كان لهم المطالبة به ولو ماتت الحربية ثم أسلم الزوج (بعد موتها كان لوارثها المسلم مطالبة الزوج صح) بالمهر وليس للحربي مطالبته به وكذا لو أسلمت قبله ثم ماتت طالبه وارثها المسلم دون الحربي ولو دخل المسلم أو الحربي دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم اشترى به شيئا لم يتعرض له سواء كان مع المسلم أو الذمي لأنه أمانة معهم وللحربي أمان ولو دفع الحربي إلى الذمي في دار الاسلام شيئا وديعة كان في أمان إجماعا. مسألة. إذا خلى المشركون أسيرا مسلما من أيديهم واستحلفوه على أن يبعث إليهم فداء عنه أو يعود إليهم فإن كان كرها لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فدية إجماعا لأنه مكره وإن لم يكن مكرها لم يجب الوفاء بالمال وبه قال الشافعي لأنه حر لا يستحقون بدله فلا يجب الوفاء بشرطه وقال عطا والحسن والزهري والنخعي والثوري والأوزاعي واحمد يجب الوفاء به لقوله تعالى " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " وليس حجة لأنه ليس على إطلاقه إجماعا بل المعتبر فيه المصلحة الدينية ولو عجز عن المال لم يجز له الرجوع إليهم سواء كان رجلا أو امرأة أما المرأة فاجمعوا على تحريم رجوعها إليهم وأما الرجل فعندنا كذلك وبه قال الحسن البصري والنخعي والثوري والشافعي واحمد في إحدى الروايتين لان الرجوع إليهم معصية ولا يلزمه بالشرط كما لو كان امرأة وقال الزهري والأوزاعي واحمد في إحدى الروايتين يلزمه الرجوع لان النبي صلى الله عليه وآله عاهد قريشا على رد من جاءه مسلما وهو ممنوع. مسألة. المستأمن من إذا نقض العهد ورجع إلى داره فما خلفه عندنا من وديعة ودين فهو باق في عهدة الأمان إلى أن يموت وللشافعي أربعة أوجه أحدهما انه فئ والثاني إنه في أمانه إلى أن يموت فإن مات فهو فئ والثالث إنه في أمانه فإن مات فهو لوارثه الرابع إنه في أمانه لان عقد الأمان للمال مقصود وإلا فينتقض أيضا تابعا لنفسه والرق كالموت في الرقيق فإن قلنا يبقى أمانه بعد الرق فلو عتق رد عليه ولو مات رقيقا فهو فئ إذ لا إرث من الرقيق وفيه قول اخر لهم مخرج انه لورثته ومهما جعلناه للوارث فله أن يدخل بلادنا لطلبه من غير عقد أمان ولهذا العذر يؤمنه لقصد السفارة. البحث السابع. في التحكيم. مسألة. إذا حصر الامام بلدا جاز أن يعقد عليهم أن ينزلوا على حكمه فيحكم فيهم بما يراه هو أو بعض أصحابه إجماعا لان النبي صلى الله عليه وآله لما حاصر بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأجابهم النبي صلى الله عليه وآله إلى ذلك وهل يجوز للامام إنزالهم على حكم الله تعالى قال علماؤنا بالمنع وبه قال محمد بن الحسن لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا حصرتم حصنا أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله فلا تنزلوهم فإنكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم ولكن انزلوهم على حكم ثم اقضوا فيهم ما رأيتم ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) في وصية النبي صلى الله عليه وآله إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تتركهم ولكن انزلهم على حكمي ثم اقض بينهم بعد بما شئتم فإنكم إذا أنزلتموهم على حكم الله لم تدروا تصيبوا حكم الله فيهم أم لا ولان حكم الله تعالى في الرجال القتل أو المن أو الاسترقاق أو المعادات وفي النساء الاسترقاق أو المن فيكون مجهولا فكان الانزال على حكم الله مجهولا فكان باطلا وقال أبو يوسف يجوز ذلك لان حكم الله تعالى معلوم لأنه في حق الكفرة القتل في المقاتلين والاسترقاق في ذراريهم والاستغنام في أموالهم ونحن نقول حكم الله تعالى معلوم في حق قوم ممتنعين ومع الظهور عليهم إما في حق قوم ممتنعين تركوا منعتهم باختيارهم فمجهول. مسألة.
يجوز أن ينزلوا على حكم الامام أو بعض أصحابه فيحكم فيهم بما يرى بلا خلاف فإن النبي صلى الله عليه وآله أجاب بني قريظة لما رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم بقتل الرجال وسبى الذراري فقال له النبي صلى الله عليه وآله لقد حكم بما حكم الله تعالى به فوق سبعة أرقعة قال الخليل الرقيع اسم سماء هذه الدنيا ويقال كل واحدة رقيع للأخرى فهي أرقعة. مسألة. يشترط في الحاكم سبعة الحرية والاسلام والبلوغ والعقل والذكورية والفقه والعدالة فالعبد ليس مظنه للفراغ في نظر أمور الناس والدين وكيفية القتال وما يتعلق به من المصالح لاشتغال وقته بخدمة مولاه والكافر لا شفقة له في حق المسلمين ولا يؤمن عليهم والصبي جاهل بالأمور الخفية المنوطة بالحرب وكذا المجنون والمرأة قاصرة النظر قليل المعرقة بمواقع الحروب ومصالحه والجاهل قد يحكم بما لا يجوز شرعا والفاسق ظالم فيدخل تحت قوله تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم " ولا يشترط الفقه بجميع المسايل بل بما يتعلق بالجهاد ويجوز أن يكون أعمى وبه قال الشافعي واحمد لان المقصود رأيه دون بصره والرأي لا يفتقر إلى البصر وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه لا يصلح للقضاء والفرق احتياج القاضي إلى معرفة المتداعين بالبصر مع إنا نمنع الحكم في الأصل وكذا يجوز أن يكون محدودا في القذف مع التوبة لاجتماعه الشرايط خلافا لأبي حنيفة ويجوز على حكم أسير معهم مسلم لارتفاع القهر بالرد إليه وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه مقهور وهو ممنوع ولو كان المسلم عندهم أو عندنا حسن الرأي فيهم احتمل الجواز على كراهية لأنه جامع للصفات والمنع للتهمة ولو نزلوا على حكم رجل غير معين ويتعين باختيارهم جاز فإن اختاروا من يجوز حكمه قبل وإلا فلا وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز اسناد الاختيار إليهم لأنه قد يختارون ما لا يصلح للتحكيم أما لو جعلوا اختيار التعيين إلى الامام جاز إجماعا لأنه لا يختار إلا من يصلح للتحكيم ويجوز أن يكون الحاكم اثنين إجماعا فإن اتفقا جاز ولو مات أحدهما لم يحكم الاخر إلا بعد الاتفاق عليه أو تعيين غيره ولو اختلفا لم ينفذ حكم أحدهما إلا أن يتفقا ويجوز أن يكون الحاكم أكثر من اثنين إجماعا ولو كان أحدهما كافرا لم يجز لان الكافر لا يركن إليه لا حالة الجمع ولا الانفراد ولو مات الحاكم الواحد قبل الحكم لم يحكم غيره إلا أن يتفقوا على من يقوم مقامه فإن اتفقوا ردوا إلى مأمنهم ولو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرايط ورضى به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا ثم ظهر عدم صلاحيته لم يحكم وردوا إلى مأمنهم ويكونون على الحصار كما كانوا. مسألة.
وينفذ ما يحكم به الحاكم ما لم يخالف مشروعا ويشترط أن يكون الحظ للمسلمين فإن حكم بقتل الرجال وسبى النساء والذرية وغنيمة المال نفذ إجماعا كقضية (لقضية خ ل) سعد وإن حكم باسترقاق الرجال وسبى النساء والولدان وأخذ الأموال جاز أيضا وإن حكم بالمن وترك السبى بكل حال جاز أيضا إذا رآه حظا لأنه قد يكون مصلحة للمسلمين وكما يجوز للامام أن يمن على الأسارى مع المصلحة جاز للحاكم وإن حكم بعقد الذمة وأداء الجزية جاز لانهم رضوا به فينفذ كغيره من الاحكام وهو إحدى قولي الشافعي وفي الاخر لا يلزمه لان عقد الذمة عقد معاوضة فلا يثبت إلا بالتراضي فلهذا لا يسوغ للامام إجبار الأسير على إعطاء الجزية والفرق إن الأسير لم يرض بفعل الامام وهؤلاء قد رضوا وإن حكم عليهم بالفداء جاز (كما جاز صح) للامام ولو حكم بالمن على الذرية قال بعض العامة لا يجوز لان الامام لا يملك المن على الذرية إذا سبوا فكذا الحاكم