على أن الشهادة اعتبارا في رؤية الهلال وانها علامة على الشهر وانما الخلاف وقع في عدد الشهور والمشهور عند علمائنا انه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلا شهادة رجلين عدلين سواء الصحة والغيم وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين واحمد في إحدى الروايتين لما رواه العامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين فان شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا وقال عليه السلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما إلا أن يشهد شاهدان ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام ان عليا عليه السلام قال لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين ولأنها عبادة فاعتبر عددها بأعم الشهادات وقوعا اعتبارا بالأعم الأغلب وقال سلار من علمائنا يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ولا يقبل في غيره إلا شهادة عدلين وهو أحد قولي الشافعي والرواية الثانية عن أحمد وقول ابن المبارك لما رواه العامة عن ابن عباس قال جاء اعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال رأيت الهلال قال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ولان الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد ولأنه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة ولأنه خبر ديني يشترك فيه المخبر والمخبر فقبل من واحد عدل كالرواية ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها فيحتمل انه شهد ان النبي صلى الله عليه وآله شاهد اخر ويحتمل ان يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظن فأمر النبي صلى الله عليه وآله بالصوم غدا ليحتفظوا من الفطر فربما شهد بعد ذلك في النهار شاهد اخر فيثبت انه من رمضان فلا ينبغي المبادرة فيه بالافطار وقول أمير المؤمنين عليه السلام تقول بموجبه ولا يدل على مطلوبهم لان لفظة العدل يصح اطلاقها على (الواحد) فما زاد لأنه مصدر يصدق على القليل والكثير تقول رجل عدل (رجلان عدل) ورجال عدل ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة والرواية قبل فيها الواحد للاجماع فإنه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية لعظم خطرها وللشيخ رحمه الله تعالى قولان قال في المبسوط إن كان في السماء علة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته وجب الصوم وان لم يكن هناك علة لم يقبل إلا شهادة القسامة خمسون من البلد أو خارجه وقال في النهاية إن كان في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون نفسا وجب الصوم ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان بل يلزم فرضه لمن رآه حسب وليس على غيره شئ ومتى كان في السماء علة ولم ير في البلد الهلال ورآه خارج البلد شاهدان عدلان وجب أيضا الصوم وان لم يكن في السماء علة وطلب فلم ير لم يجب الصوم إلا أن تشهد خمسون نفسا من خارج البلد انهم رأوه لقول الصادق عليه السلام لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كان من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا انهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز الصادق عليه السلام قلت له كم يجزى في رؤية الهلال فقال إن شهر رمضان فريضة من فرايض الله فلا تؤدوا بالتظني وليس رؤية الهلال ان تقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول الآخر لم يره إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه الف ولا يجزى في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين وإن كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر ولأنه مع انتفاء العلة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسة فلم يكن قولهما مؤثرا ونمنع صحة سند الخبرين وقول الخمسين قد لا يفيد إلا الظن وهو ثابت في العدلين وقال أبو حنيفة لا يقبل في الصحو إلا الاستفاضة وفي الغيم في هلال شهر رمضان تقبل واحد وفي غيره لا يقبل إلا اثنان لأنه لا يجوز ان ينظر إلى مطلع الهلال مع صحة الحاسة وارتفاع الموانع جماعة فيختص واحد برؤيته ونحن نقول بموجبه من أنه لا تقبل شهادة الواحد ولا يشترط الزيادة على الاثنين لجواز الاختلاف في الرؤية لعبد المرئي ولطافته وقوة الحاسة وضعفها والتفطن للرؤية وعدمه واختلاف مواضع نظرهم وكدورة الهوا وصفوه ولأنه ينتقض بما لو حكم برؤيته حاكم بشهادة الواحد أو الاثنين فإنه يجوز ولو امتنع لما قالوه لم ينفد فيه حكم الحاكم مسألة لا تقبل شهادة النساء في ذلك لقول علي عليه السلام لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال وقال الشافعي إن قلنا لا بد من اثنين فلا مدخل لشهادة النساء فيه فلا عبرة بقول العبد ولا بد من لفظ الشهادة ويختص بمجلس القضاء لأنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعاوي وان قبلنا قول الواحد فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية وجهان أصحهما عنده الأول إلا إن العدد سومح به والبينات مختلفة المراتب والثاني انه رواية لان الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئا وهذا خبر عما يستوى فيه المخبر (وغير المخبر) فأشبه رواية الخبر عن النبي عليه السلام فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد وعلى الثاني يقبل وهل يشترط لفظ الشهادة وجهان عنده وقال أبو حنيفة يقبل اخبار المرأة الواحدة لأنه خبر ديني فأشبه الخبر عن القبلة والرواية وهو قياس قول احمد ولا تقبل شهادة الصبي المميز الموثوق به وقال الجويني فيه وجهان مبنيان على قبول رؤية الصبيان وقال بعض الشافعية إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال لزم اتباع قوله وان لم يذكر عند الحاكم وقالت طائفة يجب الصوم بذلك إذا اعتقد ان المخبر صادق ولا خلاف انه لا تقبل في هلال شوال إلا عدلان إلا أبا ثور فإنه قال تقبل شهادة الواحد فيه وهو غلط لما تقدم من الأحاديث احتج بأنه خبر يستوى فيه المخبر والمخبر فأشبه اخبار الديانات ولأنه اخبار عن خروج وقت العبادة فيقبل فيه قول الواحد كالاخبار عن دخول وقتها ونمنع كونه خبرا ولهذا لا يقبل فيه فلان عن فلان فروع - آ - لا تقبل شهادة الفاسق لقوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ولا بد من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلى الخبرة الباطنة وأقوال المزكين وهو أحد قولي الشافعية لان الشرط انتفاء الفسق وإنما يعرف بالاتصاف بالضد - ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم ير الهلال بعد الثلاثين فالوجه الافطار وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين لأن الصوم يثبت شرعا بشهادة الواحد فيثبت الافطار باستكمال العدة ولا يكون افطارا بالشهادة كما أن النسب لا يثبت بشهادة النساء وتثبت بهن الولادة فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة والثاني للشافعي لا يفطرون وبه قال محمد بن الحسن لأنه يكون فطرا بشهادة واحد وقد تقدم جوابه من جواز اثبات الشئ ضمنا بما لا يثبت به أصلا وما موضع القولين للشافعية طريقان أحدهما مع الصحو لو كانت السماء مغيمة وجب الافطار والثاني ان الصحو والغيم واحد - ج - لو صاموا بشهادة عدلين ورؤى الهلال بعد ثلاثين فلا بحث وإن لم ير الهلال فإن كانت السماء مغيمة أفطر وكذا إن كان مصحية عند عامة العلماء لان العدلين لو شهدا ابتداء على هلال شوال لقبلنا شهادتهما وأفطرنا فلئن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أولا أولي وقال مالك لا يفطرون لأنا إنما نتبع قولهما بناء على الظن وقد بينا خلافه وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوال ثم لم ير الهلال والسماء مصحية بعد ثلاثين قضينا أول يوم أفطرنا فيه لظهور انه من رمضان لكن لا كفارة للشبهة - د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد اشكال يأتي وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله إنا لا نوقع به العتق والطلاق المعلقين بهلال رمضان ولا نحكم بحلول الدين المؤجل به - ه - لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا لأصالة البراءة واختصاص ورود القبول
(٢٧٠)