كما قلناه لأنها عبادة تدخل فيها بفعله فلا يجوز تقديم النية عليها كالصلاة ودخول النيابة لا يقتضى جواز تقديم النية عليها كالحج ونمنع جواز تقديمها وقد مضى سلمنا لكن لا يصلح للعلية ونوجب نية الوكيل أو نيته عند دفعه مسألة الزكاة ان فرقها المالك تولى النية حالة الدفع وان دفعها إلى وكيله ليفرقها فان نوى الموكل حاله بالدفع إلى الوكيل ونوى الوكيل حالة دفعه إلى الفقراء أجزأ إجماعا وإن لم ينويا معا بأن ينويان الصدقة دون الزكاة لم يجزئه وان نوى المزكى حال دفعه إلى الوكيل ولم ينو الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء لم يجزئه عندنا وهو أحد قولي الشافعية بناء على الوجهين في جواز تقديم النية ومنهم من قال يجزئه هنا وجها واحدا لأنه لما أجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة وينتقض بالحج ولان نية الموكل لم تقارن الدفع فوقع الفعل بغير نية فلا تعد عملا ولو نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء ولم ينو الموكل حال الدفع إلى الوكيل لم تجزئه وبه قال الشافعي واحمد لان الفرض يتعلق بالمالك والاجزاء يقع عنه ويحتمل الأجزاء لو نوى الوكيل لأنه نائب عن المالك والفعل مما تدخله النيابة فصحت نية الوكيل كالحج أما لو لم ينو المالك حالة الدفع إلى الوكيل ونوى حالة دفع الوكيل إلى الفقراء ولم ينو الوكيل أجزأ لان النائب لا اعتبار به مع فعل المنوب ما وقعت فيه النيابة مسألة لو دفع المالك الزكاة إلى الامام أو إلى الساعي ونوى حالة الدفع إليهما أجزأ وإن لم ينو أحدهما حالة الدفع إلى الفقراء وبه قال احمد لان الامام وكيل للفقراء ولا فرق بين ان يطول زمان دفع الامام إلى الفقراء وبين أن يقصر والساعي كالامام لأنه نايب عنه وهو نايب عن الفقراء ولو لم ينو المالك حالة الدفع إلى الامام أو إلى الساعي ونوى أحدهما حالة الدفع إلى الفقراء قال الشيخ إن أخذها الامام أو الساعي منه طوعا لم يجزئه وإن أخذها أحدهما عنه كرها أجزأ وهو قول بعض الشافعية لان تعذر النية في حقه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون ومع الاختيار يكون الدفع إلى نايب الفقراء بغير نية فلا يجزى كما لو دفع إلى الفقراء قال الشيخ إنه حالة التطوع وان لم تجزئه لكن ليس للامام مطالبة بها ثانية وقال الشافعي تجزئه سواء أخذها الامام طوعا أو كرها وفرق بين دفعها إلى الفقراء وبين دفعها إلى الامام لان أخذ الامام بمنزلة القسم من الشركاء فلا يحتاج إلى نية ولان الامام انما يأخذ الزكوات الواجبة لأنه لا نظر له إلا في ذلك ولا يحتاج إلى نية ولان للامام ولاية الاخذ ولهذا يأخذها في الممتنع اتفاقا ولو لم تجزئه لما أخذها أو لاخذها ثانيا وثالثا لان أخذها إن كان لأجزائها فلا يحصل الأجزاء بدون النية وإن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها وقال بعض الشافعية لا تجزى فيما بينه وبين الله تعالى سواء أخذها طوعا أو كرها لان الامام إما نايب للفقراء فلا يجزى الدفع إليه بغير نية كما لو دفع إلى الفقراء وإما نائب عن المالك فلا يكون فيكون كالوكيل لا يجزى عنه إلا مع نية ولأنها عبادة فلا تجزى مع عدم نية من وجبت عليه إذا كان من أهل النية كالصلاة وإنما أخذت منه مع عدم الأجزاء حراسة للعلم الظاهر كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها ولو صلى بغير نية لم تجزئه عند الله وهو وجه عندي ومعنى الأجزاء عدم المطالبة بها ثانيا ويمكن الفرق بأن الصلاة لا تدخلها النيابة فلابد من نية فاعلها وقوله الامام إما وكيل المالك أو الفقراء قلنا بل هو وال على المالك ولا يصح الحاق الزكاة بالقسمة لأنها ليست عبادة ولا تعتبر لها نية بخلاف الزكاة إذا عرفت هذا ففي كل موضع قلنا بالاجزاء مع عدم نية المالك لو لم ينو الساعي أو الامام أيضا حالة الدفع إلى الفقراء توجه الأجزاء لان المأخوذ زكاة وقد تعينت بالأخذ ويحتمل عدمه لخلو الفعل حينئذ عن نية مسألة قد بينا إنه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه في النية فلو كان له مالان ونوى عن أحدهما ولم يعينه أجزأ سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شئ منهما وله صرفه إلى أي الصنفين شاء سواء خالف أو لا ومع اختلاف القيمة وقت الاخراج والاحتساب واتحاد المخرج مع أحد الجنسين اشكال ينشأ من حصول الضرر للفقراء مع العدول عنه ومن تسويغه لو لم يختلف فكذا معه وعلى قول المانعين من اخراج القمية كالشافعي ومن وافقه يتخرج الانصراف إلى الجنس خاصة مسألة يشترط في النية الجزم وعدم التشريك بين وجهي الفعل فينوي الفرض إن كان واجبا والنفل إن كان تطوعا فلو نوى النفل عن الفرض لم يجزء لأنه لم يوقع العبادة على وجهها إما لو نوى الفرض عن النفل فالوجه الأجزاء لان نية الأقوى تستلزم نية الأضعف ولو نوى بجميع ما أخرجه الفرض والنفل معا لم يجزئه عن الزكاة وكانت تطوعا وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن لأنه شرك بين الفرض والنفل في نيته فلم تجزء عن الفرض كالصلاة ولان الفعل الواحد لا يقع على جهتين ولم ينو الفرض فلم يقع عنه وقال أبو يوسف يجزئه عن الزكاة لان النفل لا يفتقر إلى تعيين النية فصار كأنه نوى الزكاة والصدقة وليس بصحيح لما تقدم مسألة لو كان له مال غايب فاخرج الزكاة وقال إن كان مالي سالما فهذه عنه أو ان تطوع لم يجزء عنه إن كان سالما وبه قال الشافعي لأنه شرك بين الفرض والنفل فلم يتخلص نية الفرض وقال الشيخ في المبسوط تجزئه وليس بمعتمد ولو قال إن كان سالما فهذه عنه وإن كان تالفا فهي تطوع فكان سالما أجزأ عنه لعدم التشريك في النية بين الفرض والنفل وإنما رتب فيها النفل على الفرض ونوى كل واحد منهما على تقدير لو لم يفعله لوقع لذلك فإنه لو نوى انها عن ماله كان ذلك حكمها إن كان تالفا فهي تطوع فإذا خرج بذلك أجزأه ولو اخرج وقال هذه عن مالي الغائب إن كان سالما وان لم يكن سالما فعن مالي الحاضر أجزأه وكذا لو قال عن مالي الغائب أو الحاضر فإنه يجزئه عن السالم منهما لأنه لا يجب عليه تعيين الزكاة بمال بعينه ولهذا لو كان له أربعمائة فأخرج خمسة دراهم ينوى بها الزكاة أجزأه وان لم يعينها عن إحدى المأتين ولو اخرج خمسة دراهم وقال إن كان قد مات مورثي فهذه زكاة عما ورثته منه فكان قد ورث عنه لم يجزئه لأنه أخرجها عن غير أصل يبنى عليه النية بخلاف ما إذا باع مال مورثه ثم بان انه قد ورثه فإنه يصح البيع لأنه لا يفتقر إلى النية والزكاة تفتقر إليها وقال الشيخ يجزئه ان قلنا بوجوب الزكاة في الغائب ولو لم يكن قد مات بعد ذلك لم يجز لفوات وقت النية مسألة لو أخرج وقال هذه عن مالي الغائب إن كان سالما ولم يقل غير ذلك فبأن ذلك أجزأه وإن بان تالفا قال الشيخ لم يكن له النقل إلى غيره وبه قال الشافعي لأنه عينها لذلك المال فأشبه ما لو كان عليه كفارة فأعتق عبدا عن أخرى عينها فلم يقع عنها لم يجزئه عما عليه كما لو كان عليه كفارة ظهار ويخرج رجلا وتقدم العتق عن كفارة القتل فيبرأ المجروح فإنه لا يجزئه صرفها إلى الظهار وإن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفارة بسببها كذا الزكاة والوجه عندي الأجزاء لأنه نوى ما ليس ثابتا في ذمته ولم ينو مطلق التطوع فلم يزل ملكه عنه فيجوز العدول إلى غيره مسألة يجوز الاخراج عن المال الغايب مع الشك في سلامته والتمكن منه لان الأصل بقاؤه وتكون نية الاخراج صحيحة اجماعا فلو دفعها إلى الساعي أو إلى الامام باختياره وقال هذه عن مالي الغايب فبأن تالفا قبل الوجوب فإن كان المدفوع إليه قد فرقها لم يرجع عليه وله ان يرجع على الفقراء مع بقاء العين لفساد الدفع وإن كانت في يده رجع بها وكان له ان يجعلها عن غيره وبه قال الشافعي لأنه دفعها إلى الوالي ابتداء من غير سؤال ليفرقها فيكون نائبا عنه ولا يضمن بالدفع إلى الفقير لأنه دفعها إليه بسؤاله مسألة لو تصدق بجميع ماله ولم ينو بشئ منه الزكاة لم يجزئه وبه قال الشافعي لأنه لم ينو الفرض فأشبه ما لو صلى الف ركعة بنية التطوع فإنه لا يجزئه عن الفرض وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه استحسانا لأنه تصرف فيه تصرفا لم يتعد به فلم يضمن الزكاة وهو ممنوع لأنه متعد بتصرفه بقدر الزكاة بنية التطوع ولو تصدق ببعضه قال محمد أجزأه عن زكاة ذلك البعض لأنه لو تصدق بجميعه أجزأه عن جميعه فأجزأه إذا تصدق بالبعض عن البعض وقال أبو يوسف لا يجزئه لأنا أسقطنا عنه الزكاة لو تصدق بجميعه لزوال ملكه عن المال على وجه
(٢٤٣)