عليا (ع) أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن وهو من المؤمنين ولأنه مسلم مكلف غير متهم في حق المسلمين فيصح أمانه كالحر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يصح أمان العبد إلا أن يكون مأذونا له في القتال لأنه لا يجب عليه الجهاد فلا يصح أمانه كالصبي وينتقض بالمرأة والمأذون له. مسألة. يصح أمان المرأة إجماعا لان النبي صلى الله عليه وآله أجاز أمان أم هاني وقال أنا نجيزه على المسلمين أدناهم وأما المجنون فلا ينعقد أمانه لرفع القلم عنه وكذا الصبى لا ينعقد أمانه وإن كان مميزا مراهقا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة لرفع القلم عنه وقال مالك واحمد يصح أمان المراهق لقوله (ع) أنا نجير على المسلمين أدناهم وليس حجة لعدم إسلامه حقيقة إنما هو تمرين وأما المكره فلا ينعقد أمانه إجماعا وكذا من زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء أو غير ذلك لعدم معرفته بمصلحة المسلمين فأشبه المجنون وأما الكافر فلا ينعقد أمانه وإن كان ذميا لان النبي (ص) قال ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فجعل الذمة للمسلمين ولأنه متهم على المسلمين وأما الأسير من المسلمين فإذا عقد أمانا باختيار نفذ وبه قال الشافعي واحمد وكذا يجوز أمان التاجر والأجير في دار الحرب وقال الثوري لا يصح أمان أحد منهم والعموم يبطله والشيخ الهم والسفيه ينعقد أمانهما وبه قال الشافعي للعموم. مسألة. إذا انعقد الأمان وجب الوفاء به على حسب ما شرط فيه من وقت وغيره ما لم يخالف المشروع بالاجماع قال الباقر (ع) ما من رجل (آمن رجلا صح) على ذمته ثم قتله إلا جاء يوم القيمة يحمل لواء الغدر ولو انعقد فاسدا لم يجب الوفاء به إجماعا كأمان الصبى والمجنون وكما إذا تضمن الذمام شرطا لا يسوغ الوفاء به وفي هذه الحالات كلها يجب رد الحربي إلى مأمنه ولا يجوز قتله لأنه إعتقد صحة الأمان وهو معذور لعدم علمه بأحكام الاسلام وكذا كل حربي دخل دار الاسلام بشبهة الأمان كمن سمع لفظا فاعتقده أمانا أو صحب رفقة فتوهمها أمانا أو طلبوا أمانا فقال المسلمون لا نذمكم فاعتقدوا إنهم أذموهم فلا يجوز قتلهم بل يردون إلى مأمنهم لقول الصادق (ع) والكاظم (ع) لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا لا فظنوا أنهم قالوا نعم فنزلوا إليهم كانوا آمنين. البحث الثالث. فيما ينعقد به الأمان. مسألة. الأمان ينعقد بالعبارة والمراسلة والإشارة المفهمة والمكاتبة وقد ورد في الشرع للعبارة صيغتان اجرتك وأمنتك قال الله تعالى وإن أحد المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله وقال النبي صلى الله عليه وآله من دخل دار أبي سفيان فهو امن ومن أغلق بابه فهو امن وينعقد الأمان بأي اللفظين وقع ومما يؤدى معناهما مثل أذممتك أو أنت في ذمة الاسلام سواء أدى بالتصريح أو بالمكاتبة مع القصد بلغة العرب أو بغيرها فلو قال بالفارسية مترس أي لا تخف فهو أمن أما قوله لا بأس عليك أو لا تخف أو لا تذهل أو لا تحزن وما شاكله فإن علم من قصده الأمان فهو امن لان المراعى القصد لا اللفظ وإن لم يقصد لم يكن أمانا إلا أنهم لو سكنوا إلى ذلك ودخلوا لم يتعرض لهم ويردون إلى مأمنهم وكذا لو ارمى مسلم إلى مشرك بما يوهمه أمانا فأخلد إليه ودخل دار الاسلام ولو أشار المسلم إليهم بما يرونه أمانا وقال أردت به الأمان فهو أمان وإن قال لم أرد به الأمان فالقول قوله لأنه أبصر بنيته فيرجع إليه ولو دخل بسفارة أو لسماع كلام الله لم يفتقر إلى عقد أمان بل ذلك القصد يؤمنه وقصد التجارة لا يؤمنه وإن ظنه أمانا ولو قال الوالي امنت من قصد التجارة صح ولو خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإشارة وتوهمهم إنها أمان لم يجز قتلهم ولو مات المسلم ولم يبين أو غاب كانوا آمنين وردوا إلى مأمنهم ثم يصيرون حربا ولو قال للكافر قف أو قم أو ألق سلاحك فليس أمانا خلا فان لبعض العامة وقال الأوزاعي لو ادعى الكافر إنه أمان أو قال إنما وقفت لندائك فهو أمن وإن لم يدع ذلك فليس أمانا وهو غلط لأنه لفظ لا يشعر منه الأمان ولا يستعمل فيه دايما فإنه إنما يستعمل غالبا للإرهاب والتخويف فيصدق المسلم فإن قال قصدت الأمان فهو أمان وإن لم أرده سئل الكافر فإن قال اعتقدته أمانا رد إلى مأمنه ولم يجز قتله وإن لم يعتقده فليس بأمان ولو رد الكافر الأمان ارتد الأمان وإن قبل صح ولا يكفي سكوته بل لابد من قبوله ولو بالفعل ولو أشار عليهم مسلم في صف الكفار فانحاز إلى صف المسلمين وتفاهما الأمان فهو أمان وإن ظن الكافر إنه أراد الأمان والمسلم لم يرده فلا يغتال بل يلحق بمأمنه ولو قال ما فهمت الأمان اغتيل. مسألة. يجوز الأمان بالمراسلة وينبغي لأمير العسكر أن يتخير للرسالة رجلا مسلما أمينا عدلا ولا يكون خاينا ولا ذميا ولا حربيا مستأمنا لقوله تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " وأنكر عمر على أبي موسى الأشعري لما اتخذ كاتبا نصرانيا وقال اتخذت بطانة من دون المؤمنين وقد قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونهم خبالا " أي لا يقصرون في فساد أموركم وينبغي أن يكون بصيرا بالأمور عارفا بمواقع أداء الرسالة وإذا أرسل الأمير رسولا مسلما فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلغه الرسالة ثم قال له إني أرسل على لساني إليك الأمان ولأهل ملتك فافتح الباب ثم ناوله كتابا صنعه على لسان الأمير وقرأه بمحضر من المسلمين فما فتحوا ودخل المسلمون وشرعوا في السبى فقال لهم أمير المشركين إن رسولكم أخبرنا إن أميركم آمنا وشهد أولئك المسلمون على مقالته كانوا آمنين ولم يجز سبيهم لعسر التمييز بين الحق والاحتيال في حق المبعوث إليه إذا الاعتماد على خبره فيجعل كأنه صدق بعد ما يثبت رسالته لئلا يؤدى إلى الغرور في حقهم وهو حرام. مسألة. لو أرسل الأمير إليهم من يخبرهم بأمانه ثم رجع الرسول فأخبره بأداء الرسالة فهم آمنون وإن لم يعلم المسلمون التبليغ لان البناء إنما هو على الظاهر فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته ولان قول الرسول يحتمل الصدق فتثبت شبهة التبليغ ولو كتب من ليس برسول كتابا فيه أمانهم وقراءة عليهم وقال إني رسول الأمير إليكم لم يكن أمانا من جهته لأنه ليس للواحد من المسلمين أن يؤمن حصنا كبيرا ولا من جهة الامام لأنه ليس برسوله ولا غرور هنا لان التقصير من جهتهم حيث عولوا على قول مجهول لم يعتضد بشهادة أحد من المسلمين ولو ناداهم من صف المسلمين مسلم وهم قليلون يصح أمان الواحد لهم إني رسول الأمير إليكم وإنه آمنكم كان أمانا من جهته لان من يملك الأمان إذا أخبر عمن يملك الأمان كان أمانا صحيحا لأنه على تقدير صدقه يكون أمانا من جهة المخبر عنه وعلى تقدير كذبه يكون أمانا من جهته. مسألة. إذا أمن الامام أو نايبه المشركين ثم بعث إليهم رسولا لينبذن إليهم ويخبرهم نقض العهد فجاء الرسول وأخبر باعلامهم لم يعرض لهم حتى يعلموا ذلك بشاهدين لان خبره داير بين الصدق والكذب وليس بحجة في نقض العهد لتعلقه باستباحة السبى واستحلال الأموال والفروج والدماء وهو لا يثبت مع الشبهة بخلاف الأمان فان قوله حجة فيه لتعلقه بحفظ الأموال وحراسته الأنفس وحقن الدماء وهو يثبت مع الشبهة فلو أغار المسلمون فقالوا لم يبلغنا خبر رسولكم فالقول قولهم لانهم أنكروا نبذ الأمان والأصل معهم فيصار إلى قولهم لان في وسع الامام أن ينفذ إليهم مع الرسول شاهدين أما لو كتب الامام إليهم نقض العهد وسيره مع رسوله وشاهدين فقرأه عليهم بالعربية واحتاجوا إلى ترجمان يترجم بلسانهم وشهد الآخران عليهم فادعوا إن الترجمان لم يخبرهم بنقض العهد بل أخبرهم بأن الامام زاد في مدة الأمان لم يلتفت إليهم لان الامام أتى بما في وسعه من الاخبار بالنقض والشهادة وإنما التقصير من جهتهم حيث اختاروا للترجمة خاينا إلا أن يعلم من حضر من المسلمين أن الترجمان خان فيقبل قولهم ولو خاف الامام أن يكون الرسول قد رأى عورة للمسلمين يدل عليها العدو جاز له منعه من الرجوع وكذا يمنع التاجر لو انكشف على عورة
(٤١٥)