سيد الشهور فيه ليلة خير من ألف شهر تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنان فمن أدركه ولم يغفر له فأبعده الله ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده ومن ذكرت عند ولم يصل علي فأبعده الله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان اطلق كل أسير واعطى كل سائل وينبغي ترك المماراة في الصوم والتنازع والتحاسد قال الصادق عليه السلام ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم اني نذرت للرحمن صوما فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا قال وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تساب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال كل فقالت انى صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس من الطعام والشراب ويكره انشاد الشعر لما فيه من المنع للاشتغال عن الذكر قال الصادق عليه السلام لا ينشد الشعر بليل ولا ينشد في شهر رمضان بليل ولا نهار قال له إسماعيل يا أبتاه فإن كان فينا قال وإن كان فينا وروى حماد بن عثمان في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال سمعته يقول يكره رواية الشعر للصايم والمحرم في الحرم وفى يوم الجمعة وان يروى بالليل قلت وإن كان شعر حق قال وإن كان شعر حق الفصل التاسع في الاعتكاف ومطالبه ستة الأول ماهية الاعتكاف لغة اللبث الطويل قال الله تعالى ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون وأما في الشرع فإنه عبارة عن لبث مخصوص للعبادة وهو مشروع في شريعتنا والشرايع السابقة مستحب باجماع العلماء قال الله تعالى وطهر بيتي للطائفين والعاكفين وقال الله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وروى العامة ان النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف في العشر الأواخر ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه مسألة وقد أجمع أهل العلم كافة على أنه ليس بفرض في ابتداء الشرع وإنما يجب بالنذر وشبهه روى العامة إن النبي صلى الله عليه وآله قال من أراد ان يعتكف فليعتكف العشر الأواخر علقه بالإرادة ولو كان واجبا لما كان كذلك ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام إذا اعتكف يوما ولم يك اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه وإن أقام يومين ولم يك اشترط فليس له ان يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمض ثلاثة أيام وقد أجمع المسلمون على استحبابه لان النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف في كل سنة ويداوم عليه وأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وآله اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين وداوم على اعتكافها حتى قبضه الله تعالى فمن رغب إلى المحافظة على هذه السنة فينبغي ان يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شئ من ليلة الحادي والعشرين ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد وإن بات ليلة العيد فيه إلى أن يصلى فيه العيد أو يخرج منه إلى المصلى كان أولي المطلب الثاني في شرائطه مسألة إنما يصح الاعتكاف من مكلف مسلم لأنه عبادة وشرطه الصوم على ما يأتي وانما يصح الصوم بالشرطين ويصح اعتكاف الصبي المميز كما يصح صومه وهل هو مشروع أو تأديب اشكال ولا يصح من المجنون المطبق ولا من يعتوره وقت جنونه لانتفاء التكليف عنه ولا ينعقد من الكافر الأصلي لفقدان الشرط وهو النية المشروطة بالتقرب مسألة يشرط في الاعتكاف النية فلو اعتكف من غير نية لم يعتد به لأنه فعل يقع على وجوه مختلفه فلا يختص بأحدها إلا بواسطة النية التي تخلص بعض الأفعال أو الوجوه والاعتبارات عن بعض ولان الاعتكاف عبادة فلا يصح من دون النية لقوله تعالى وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ولا معنى للاخلاص إلا النية ولأنه عمل وقد قال عليه السلام إنما الأعمال بالنيات ويشترط نية الفعل والوجه من الوجوب أو الندب والتقرب إلى الله تعالى لان الفعل صالح للوجوب والندب والتقرب واليمين أو منع النفس أو الغضب فلا بد من التقرب والوجه وإذا نوى الاعتكاف مدة لم تلزمه اجماعا نعم يشترط استمرار النية حكما فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيره استأنف النية عند الرجوع إن بطل الاعتكاف بالخروج وإلا فلا مسألة يشترط في الاعتكاف اللبث عند علمائنا أجمع وهو قول أهل العلم لان الاعتكاف في اللغة عبارة عن المقام يقال عكف واعتكف أي أقام وللشافعي وجهان هذا أحدهما والثاني إنه لا يشترط اللبث بل يكفي مجرد الحضور كما يكفي الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحج ثم فرع على الوجهين فقال إذا اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى فقد اعتكف وإذا اعتبرنا اللبث لم يكف ما يكفي في الطمأنينة في أركان الصلاة بل لابد وأن يزيد عليه بما يسمى إقامة وعكوفا ولا يعتبر السكون بل يصح اعتكافه قائما وقاعدا ومترددا في إرجاء المسجد وهذا القول لا عبرة به عند المحصلين مسألة لا يجوز الاعتكاف عند علمائنا أقل من ثلاثة أيام بليلتين متواليات خلافا للعامة كافة فان الشافعي لم يقدره بحد بل جوز اعتكاف ساعة واحدة فأقل وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة رواية أخرى عن أبي حنيفة انه لا يجوز أقل من يوم واحد وهو رواية عن مالك وعن مالك رواية أخرى إنه لا يكون أقل من عشرة أيام لنا ما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا اعتكاف إلا بصوم والصوم لا يقع في أقل من يوم فبطل قول الشافعي ومن وافقه واما التقدير بالثلاثة فلان الاعتكاف في اللغة هو اللبث المتطاول وفى الشروع قيد بالعبادة ولا يصدق ذلك بيوم واحد لان التقدير بيوم لا مماثل له في الشرع والتقدير بعشرة سيأتي ابطاله فتتعين الثلاثة كصوم كفارة اليمين وكفارة بدل الهدى وغير ذلك من النظاير ولقول الصادق عليه السلام لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ومن اعتكف صام واحتجاج الشافعي بأن الاعتكاف لبث وهو يصدق في القليل والكثير وأبي حنيفة بأن من شرطه الصوم وأقله يوم ومالك بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف العشر الأواخر باطل بأن الاعتكاف في اللغة هو اللبث الطويل والأصل بقاء الوضع وقد بينا إنه لا يكون أقل من ثلاثة أيام عن أهل البيت عليهم السلام وفعل الرسول صلى الله عليه وآله لا يدل على تحديد الأقل مسألة ويشترط في الاعتكاف أن يكون في مكان خاص وقد أجمع علماء الأمصار على اشتراط المسجد في الجملة لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ولو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يكن في التقييد فايدة لان الجماع في الاعتكاف مطلقا حرام ولان الاعتكاف لبث هو قربه فاختص بمكان كالوقوف ثم اختلف العلماء بعد ذلك في أنه هل يشترط مسجد معين أم لا فالذي عليه أكثر علمائا انه يشترط ان يكون في مسجد جمع فيه نبي أو وصى نبي وهي أربعة مساجد المسجد الحرام ومسجد النبي عليه السلام جمع فيهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة ومسجد البصرة جمع فيهما علي عليه السلام وقد روى في بعض الأخبار بدل مسجد البصرة مسجد مداين رواه الصدوق وقال ابن أبي عقيل منا انه يصح الاعتكاف في كل مسجد قال وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة وساير الأمصار ومساجد الجماعات وبه قال الشافعي ومالك وللشافعي قول قديم كقول الزهري انه يصح في كل جامع وغير جامع وقال المفيد رحمه الله تعالى لا يكون الاعتكاف إلا في المسجد الأعظم وقد روى أنه لا يكون إلا في مسجد جمع فيه نبي أو وصى والمساجد التي جمع فيها نبي أو وصى وهي أربعة مساجد وعد ما اخترناه وقال أبو حنيفة واحمد لا يجوز إلا في مسجد جمع فيه وعن حذيفة انه لا يصح الاعتكاف إلا في أحد المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله لنا إن الاعتكاف عبادة شرعية فيقف على مورد النص والذي وقع عليه الاتفاق ما قلناه ولان عمر بن زيد سأل الصادق عليه السلام ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها فقال لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عادل صلاة جماعة ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة ومسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد
(٢٨٤)