ذلك فيتم النظام بمعاوضة عمل يعمل ومعاوضة عمل بأجرة فلهذا قيل الانسان مدني بالطبع فلابد حينئذ من سلطان قاهر مطاع نافذ الامر متميز عن غيره من بنى النوع وليس نصيبه مفوضا إليه وإلا وقع المحذور ولا إلى العامة لذلك أيضا بل يكون من عند الله تعالى ولا يجوز وقوع الخطاء منه وإلا لوجب أن يكون له إمام آخر ويتسلسل فلهذا أوجب أن يكون معصوما ولأنه تعالى أوجب علينا طاعته وامتثال أوامره لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم " وذلك عام في كل شئ فلو لم يكن معصوما لجاز أن يأمر بالخطأ فإن وجب علينا اتباعه لزم الامر بالضدين وهو محال وإن لم يجب بطل العمل بالنص ويجب عندهم أن يكون معصوما من أول عمره إلى آخره لسقوط محله عند الناس لولاه - مج - أن يكون منصوصا عليه من الله تعالى ومن النبي صلى الله عليه وآله أو ممن ثبتت إمامته بالنص فيهما لان العصمة من الأمور الخفية التي لا يمكن الاطلاع عليها فلو لم يكن منصوصا عليه لزم تكليف ما لا يطاق والنص من الله تعالى يعلم إما بالوحي على نبيه (ع) أو بخلق معجزة على يده عقيب إدعائه - يد - أن يكون أفضل أهل زمانه ليتحقق التمييز عن غيره ولا يجوز عندنا تقديم المفضول على الفاضل خلافا لكثير من العامة للعقل والنقل أما العقل فإن الضرورة قاضية بقبحه وأما النقل فقوله تعالى " أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " وهذه صيغة تعجب من الله تعالى دالة على شدة الانكار لامتناعه في حقه تعالى والأفضلية تتحق بالعلم والزهد و الورع وشرف النسب والكرم والشجاعة وغير ذلك من الأخلاق الجميلة (الحميدة خ ل) - يه - أن يكون منزها عن القبايح لدلالة العصمة عليه ولأنه يكون مستحقا للإهانة والانكار عليه فيسقط محله من قلوب العامة فتبطل فايدة نصبه وأن يكون منزها من الدناءة والرذايل كاللعب والاكل في الأسواق وكشف الرأس بين الناس وغير ذلك مما يسقط محله ويوهن مرتبته وأن يكون منزها عن دناءة الآباء والأمهات؟ وقد خالفت العامة في ذلك كله. مسألة. وإنما تنعقد الإمامة بالنص عندنا على ما سبق ولا تنعقد بالبيعة خلافا للعامة بأسرهم فإنهم أثبتوا إمامة أبى بكر بالبيعة ووافقوا على صحة الانعقاد بالنص لكنهم جوزوا انعقادها بأمور أحدها البيعة واختلفوا في حد الذين تنعقد الإمامة ببيعتهم فقال بعضهم لابد من الأربعين لان عهد الإمامة أعظم خطرا من عقد الجمعة وهذا العدد معتبر في الجمعة عند الشافعية ففي البيعة أولي وقال بعض الشافعية إنه تكفى أربعة لأنه أكمل نصب الشهادات وقال بعضهم ثلاثة لان الثلاثة مطلق الجمع فإذا اتفقوا لم يجز مخالفة الجماعة وقال بعضهم اثنان لان أقل الجمع اثنان وقال بعضهم واحد لان عمر بن الخطاب بايع أبا بكر أولا ثم وافقه الصحابة وقال بعضهم يعتبر أهل بيعة الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يسهل حضورهم ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد في ساير البلاد بل إذا وصل الخبر إلى أهل البلاد البعيدة فعليهم الموافقة والمتابعة وعلى هذا فلا يتعين للاعتبار عدد بل لا يشترط العدد فلو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته لانعقاد الإمامة قالوا ولابد وأن يكون الذين يبايعون بصفات الشهود حتى لو كان واحد اشرط ذلك فيه وهل يشترط في البيعة حضور شاهدين وجهان للشافعية ويشترط في انعقاد البيعة أن يجيب الذين يبايعونه فإن الممتنع لم تنعقد إمامته الأمر الثاني استخلاف الامام قبله وعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر وانعقد الاجماع بينهم على جوازه قالوا والاستخلاف أن يجعله خليفة في حياته ثم يخلفه بعد موته ولو اوصى له بالإمامة من بعده ففيه وجهان عندهم لأنه بالموت يخرج عن الولاية فلا يصح منه تولية الغير ويشكل بأن مرادهم بجعله خليفة في حياته إن كان استنابه فلا يكون عهدا إليه بالإمامة أو جعله إماما في الحال فهذا ما خلع نفسه أو إجتماع إمامين في وقت واحد أو جعله إماما بعد موته وهذا معنى لفظ الوصية ولو جعل الامر شورى بين اثنين فصاعدا بعده كان كالاستخلاف إلا أن المستخلف غير معين فيحتاج إلى تشاورهم واتفاقهم على جعل واحد منهم خليفة كقضية عمر حيث (جعل صح) الامر شورى في ستة ثم اختلفوا في أنه هل يشترط في المولى شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيرا أو فاسقا عند العهد بالغا عدلا عند موت المولى لم ينصب إماما إلا أن يبايعه أهل الحل والعقد وبعضهم لم يشترط ذلك ولو عهد إلى غايب مجهول الحياة لم يصح ولو كان معلوم الحياة صح فإن مات المستخلف وهو غايب بعد أن تقدمه أهل الاختيار فإن بعدت غيبته واستضر المسلمون بتأخير النظر في أمورهم اختار أهل الحل والعقد نائبا له يبايعونه بالنيابة دون الخلافة فإذا قدم انعزل النايب ولو خلع الخليفة نفسه كان كما لو مات فينتقل الخلافة إلى ولى العهد على خلاف ويجوز أن يفرق بين أن يقول الخلافة بعد موتى لفلان أو بعد خلافتي واختلفوا في أنه هل يجوز (العهد صح) إلى الوالد والولد كما يجوز إلى غيرهما فقال بعضهم بالمنع كالتزكية والحكم لهما عندهم وقال آخرون بالفرق بين الوالد والولد لان الميل إلى الولد أشد واختلفوا في أن ولى العهد لو أراد أن ينقل ما (له) إليه من ولاية العهد إلى غيره لم يجز لأنه إنما يجوز له النظر وتثبت الولاية بعد موت المولى ولو عهد إلى اثنين أو أكثر على الترتيب فقال الخليفة بعدي فلان وبعد موته فلان جاز وانتقلت الخلافة إليهم على ما رتب ولو مات الأول (في حياة الخليفة فالخلافة بعده للثاني ولو مات الأول صح) والثاني في حياته فهو للثالث على خلاف لان المفهوم من اللفظ جعل الثاني خليفه بعد خلافة الأول ولو مات الخليفة والثلاثة أحياء وصارت الخلافة إلى الأول فأراد أن يعهد بها إلى غير الآخرين فالظاهر (من مذهب صح) الشافعي جوازه لأنه إذا انتهت الخلافة إليه صار أملك؟ بها ويوصلها إلى من شاء بخلاف ما إذا مات ولم يعهد بها إلى أحد ليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني ويقدم عهد الأول على اختيارهم وليس لأهل الشورى أن يعينوا واحدا منهم في حياة الخليفة إلا أن يأذن لهم في ذلك فإن خافوا انتشار الامر بعده استأذنوه فإن أذن فعلوا وإنه يجوز للخليفة أن ينص على من يختار الخليفة بعده كما يجوز له أن يعهد إلى غيره حتى لا يصح إلا اختيار من نص عليه كما لا يصح إلا تقليد من عهد إليه لأنهما من حقوق خلافته وإذا عهد بالخلافة إلى غيره فالعهد موقوف على قبول المولى واختلفوا في وقت القبول فقيل بعد موت المولى لأنه وقت نظره وقيامه بالأمور والأصح عندهم ان وقته ما بين عهد المولى وموته وقيل إذا امتنع المولى من القبول فبايع غيره فكأنه لا يوليه وكذا إذا جعل الامر شورى فترك القوم الاختيار لا يجبرون عليه فكأنه ما جعل الامر إليهم الأمر الثالث القهر والاستيلاء فإذا مات الامام فتصدى للامامة من يستجمع شرايطها من غير استخلاف وبيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت الخلافة لانتظام الشمل بما فعل ولو لم يكن مستجمعا للشرايط بل كان فاسقا أو جاهلا فللشافعية وجهان أظهرهما إن الحكم كذلك وإن كان عاصيا بما فعل وهذا من أغرب الأشياء ايجاب المعصية وهذا كله ساقط عندنا لأنا قد بينا أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص لوجوب العصمة وإن البيعة لا تصلح للتعيين قال الله تعالى " ما كان لهم الخيرة " والامر الثالث أبلغ في المنع والبطلان. مسألة. تجب طاعة الامام عندنا وعند كل أحد أوجب نصب الإمام ما لم يخالف المشروع وهذا القيد (يفتض؟) إليه غيرنا حيث جوزوا إمامة الفاسق لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وقال (ع) من نزع يده من طاعة إمامة فإنه يأتي يوم القيمة ولا حجة له ولا فرق عندهم بين أن يكون عادلا أو جايرا ولا يجوز عندهم نصب إمامين في وقت واحد لما فيه من اختلاف الرأي وتفرق الشمل وجوز أبو إسحاق من الشافعية نصب إمامين في إقليمين لأنه قد يحدث في أحد الإقليمين ما يحتاج إلى نظر الامام ويفوت المقصود بسبب البعد فإن عقدت البيعة لرجلين معا فالبيعتان باطلتان وإن ترتبتا فالثانية باطلة وينظر إن جهل الثاني
(٤٥٣)