أفرد الحج عن نفسه فلما فرغ من الحج خرج إلى أدنى الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلى الميقات لا دم عليه وكذا من تمتع ثم اعتمر بعد ذلك من أدنى الحرم وكذا لو أفرد عن غيره أو تمتع أو قرن ثم اعتمر من أدنى الحل كل هذا لا دم عيه لتركه الاحرام من الميقات بلا خلاف وأما إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحل قال الشافعي في القديم عليه دم وقال أصحابه على هذا لو اعتمر عن غيره ثم حج عن نفسه فأحرم بالحج من جوف مكة فعليه دم لتركه الاحرام من الميقات وعندنا إنه لا دم عليه للأصل ولو اعتمر في أشهر الحج ولم يحج في ذلك العام بل حج من العام المقبل مفردا له عن العمرة لم يجب الدم لأنه لا يكون متمتعا وهو قول عامة العلماء إلا قولا شاذا عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج وأهل العلم كافة على خلافه لقوله تعالى من تمتع بالعمرة إلى الحج وهو يقتضى الموالاة بينهما ولان الاجماع واقع على من اعتمر في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك فليس بمتمتع فهذا أولي لكثرة التباعد بينهما. مسألة. قد بينا إن المتمتع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكة حتى يأتي بالحج لأنه صار مرتبطا به لدخولها فيه لقوله (ع) دخلت العمرة في الحج هكذا وشبك بين أصابعه وقال الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فلو خرج من مكة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه صح له أن يتمتع ولا يجب عليه تجديد عمرة وإن عاد في غير الشهر اعتمر أخرى و تمتع بالأخيرة ووجب عليه الدم بالأخيرة ولا يسقط عنه الدم لقوله تعالى فما استيسر من الهدى وما تقدم من الأحاديث الدالة على صحة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه ووجوب إعادتها إن رجع في غيره وعلى التقديرين يجب الدم وقال عطا والمغيرة واحمد وإسحاق إذا خرج إلى سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله سقط عنه الدم لقول عمر إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج ورجع فليس بمتمتع وهو محمول على من رجع في غير الشهر الذي خرج فيه جمعا بين الأدلة وقال الشافعي إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه وقال أصحاب الرأي إن رجع إلى مصره بطلت متعته وإلا فلا وقال مالك إن رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره بطلت متعته وإلا فلا وقال الحسن البصري هو متمتع وإن رجع إلى بلده واختاره ابن المنذر. مسألة. إنما يجب الدم على من أحل من إحرام العمرة فلو لم يحل وادخل إحرام الحج عليها بطلت المتعة وسقط الدم وبه قال احمد قالت عايشه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله عام حجة الوداع وأهللنا بعمرة فقدمت مكة وأنا حايض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعى العمرة قالت عايشه ففعلت فلما قضينا الحج أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال هذه مكان عمرتك قال عروة فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شئ من ذلك هدى ولا صوم ولا صدقة ولان الهدى إنما يجب على المتمتع والتقدير بطلان متعته أما المكي لو تمتع وجوزناه فإنه يجب عليه الهدى ولو دخل الآفاقي متمتعا إلى مكة ناويا للإقامة بها بعد تمتعه فعليه دم المتعة أجمع عليه العلماء للآية وبالعزم على الإقامة لا يثبت له حكمها ولو كان مولده ومنشؤه مكة فخرج منتقلا مقيما بغيرها ثم عاد إليها متمتعا ناويا للإقامة أو غير نأوى لها فعليه دم المتعة وبه قال مالك والشافعي واحمد وإسحاق لان حضور المسجد الحرام إنما يحصل بنية الإقامة وفعلها وهذا إنما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحج لأنه إذا فرغ من عمرته فهو نأوى للخروج إلى الحج فكأنه إنما نوى أن يقيم بعد أن يجب الدم. مسألة. الآفاقي إذا ترك الاحرام من الميقات وجب عليه الرجوع إليه والاحرام إليه والاحرام منه مع القدرة فإن عجز أحرم من دونه لعمرته فإذا أحل أحرم بالحج من عامه وهو متمتع وعليه دم المتعة ولا دم عليه لاحرامه من دون الميقات لأنه تركه للضرورة قال بن المنذر وابن عبد البر أجمع العلماء على أن من أحرم في أشهر الحج بعمرة وأحل منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامه إنه متمتع عليه دم المتعة وقال بعض العامة إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكة أقل من مسافة القصر وأحرم منه فلا دم عليه للمتعة لأنه من حاضري المسجد الحرام وليس بجيد فإن حضور المسجد إنما يحصل بالإقامة به ونية الإقامة وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيتها ولقوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وهو يقتضى أن يكون المانع من الدم السكنى وهذا ليس بساكن. مسألة. الهدى إنما يجب على المتمتع وهو المحرم بالعمرة في أشهر الحج فإن أحرم بها في غيرها فليس بمتمتع ولا دم عليه إجماعا لا نعلم فيه خلافا إلا قولين نادرين أحدهما قول طاوس إذا اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى يحضر الحج فهو متمتع والثاني قول الحسن من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتع قال بن المنذر لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين أما لو أحرم في غير أشهر الحج ثم أحل منها في أشهره فلذلك لا يصح له التمتع بتلك العمرة وبه قال احمد وجابر وإسحاق والشافعي في أحد القولين وقال في الآخر عمرته في الشهر الذي يطوف فيه وبه قال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري وقال طاوس عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم وقال عطا عمرته في الشهر الذي يحل فيه وبه قال مالك وقال أبو حنيفة إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس بمتمتع وإن طاف الأربعة في أشهر الحج فهو متمتع والحق ما قلناه لأنه بنسك لا تتم العمرة إلا به في غير أشهر الحج فلا يكون متمتعا كما لو طاف في غير أشهر الحج أو طاف دون الأربعة فيها ولقول الصادق (ع) من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة ومن تمتع في غير أشهر الحج ثم جاوز حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة. مسألة. المملوك إذا حج بإذن مولاه متمتعا لم يجب عليه الهدى ولا على مولا ه إجماعا لقوله تعالى عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وفي قول شاذ للشافعي يجب على مولاه أن يهدى عنه لتضمن إذنه لذلك وليس بجيد لان فرض غير الواجد الصوم ولا فاقد كالعبد ولان الحسن العطار سأل الصادق (ع) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج أعليه أن يذبح عنه قال لا لان الله تعالى يقول عبدا مملوكا لا يقدر على شئ إذا ثبت هذا فإن المولى يتخير بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم عند علمائنا وهو إحدى الروايتين عن أحمد لقوله تعالى فما استيسر وبتقدير تمليك المولى يصير موسرا ولان جميل بن دراج قال في الصحيح سأل رجل الصادق (ع) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال فمره فليصم وإن شئت فاذبح عنه وفي الرواية الأخرى عن أحمد لا يجزئه الذبح عنه ويلزمه الصوم عينا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأنه غير مالك ولا سبيل له إلى التملك لأنه لا يملك بالتمليك فصار كالعاجز الذي يتعذر عليه الهدى فيلزمه الصوم. مسألة. الواجب على المملوك من الصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله كالحر وبه قال الشافعي واحمد في إحدى الروايتين لعموم قوله تعالى فمن لم يجد ولأنه صوم وجب لحله من إحرامه قبل إتمامه فكان عشرة أيام كصوم الحر وقال احمد في الرواية الأخرى يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما والمعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وقال بعض العامة يجب لكل مد من قيمة الشاة يوم ويبطل بالآية وبقول عمر لهناد بن الأسود فإن وجدت سعة فاهد وإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت ولو لم يذبح مولى المملوك عنه تعيين عليه الصوم ولا يجوز لمولاه منعه عن الصوم لأنه صوم واجب فلا يحل له منعه عنه كرمضان ولو أعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين
(٣٧٩)