أراد الخروج من مكة ولو نوى الإقامة فلا وداع عليه واختلف العامة فقال الشافعي واحمد لا وداع عليه سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده لأنه غير مفارق وقال أبو حنيفة إن نوى الإقامة بعد أن حل له النفر لم يسقط عنه طواف الوداع والوجه الأول لقول الصادق (ع) إذا أردت أن تخرج من مكة وتأتى أهلك فودع البيت. مسألة.
يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط وليس هذا الطواف واجبا ولا يجب بتركه دم عند علمائنا وهو أحد قولي الشافعي لا صلاة البراءة ولسقوطه عن الحايض فلا يكون واجبا ولان هشام بن سالم سأل الصادق (ع) في الصحيح عمن نسى زيارة البيت حتى رجع إلى أهله فقال لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه والقول الثاني للشافعي إنه نسك واجب يجب بتركه الدم وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري وإسحاق واحمد وأبو ثور لقول بن عباس أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلا أنه خفف عن المرأة الحايض والامر هنا للاستحباب جمعا بين الأدلة ولا خلاف في أنه ليس بركن في الحج ولهذا يسقط عن الحايض بخلاف طواف الزيارة ووقته بعد فراغ المرء من جميع اشغاله ليكون البيت اخر عهده وإذا طاف للوداع وصلى ركعتيه فإن انصرف فلا بحث وإن أقام بعد ذلك على زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك قال الشافعي لا يجزئه الأول ويعيد طوافا آخر وإن قضى حاجة في طريقه من أخذ الزاد وشبهه لم يؤثر ذلك في وداعه وبه قال احمد وعطا ومالك والثوري وأبو ثور لأنه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعا وقال أبو حنيفة لا يعيد الوداع وإن أقام شهرين وأكثر لأنه طاف للوداع بعد ما حل له النفر فأجزأه كما لو نفر عقيبه وهذا البحث عندنا ساقط لأنه مستحب عندنا ولو كان منزله في الحرم قال أبو ثور عليه الوداع وهو قياس قول مالك وظاهر مذهبنا لانهم ينفرون ويخرجون من مكة فاستحب لهم الوداع كغيرهم وقال أصحاب الرأي ولا وداع عليهم وهو إحدى الروايتين عن أحمد ولو أخر طواف الزيارة حتى يخرج لم يسقط استحباب طواف الوداع لأنهما عبادتان فلا يتداخلان ومن أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامة اختلفوا فالأكثر إن القريب وهو ما نقص عن مسافة التقصير يرجع ويطوف للوداع والبعيد يبعث بالدم ولو رجع البعيد وطاف للوداع قال بعضهم لا يسقط الدم لاستقراره ببلوغ مسافة القصر وقال بعضهم يسقط لأنه واجب أتى به فلا يجب بدله ولو خرج من مكة ولم يودع يكون قد ترك الأفضل عندنا فلو رجع لطواف الوداع كان له ذلك إجماعا فإن رجع وهو قريب لم يخرج من الحرم فلا بحث وإن خرج وقد بعد عن الحرم لم يكن له أن يتجاوز الميقات إلا محرما لأنه من أهل الاعذار فحينئذ يطوف للعمرة لاحرامه ويسعى ولا يجب عليه طواف الوداع عندنا ولو رجع من دون الميقات أحرم من موضعه. مسألة. وطواف الوداع سبعة أشواط كغيره ويستلم الحجر الأسود واليماني في كل شوط فأن تعذر إفتتح به وختم به ويأتي المستجار ويصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكة ويدعو ويلصق بطنه بالبيت ويحمد الله ويثنى عليه ويدعو بالمنقول ثم يصلى ركعتي الطواف وقال الصادق (ع) ليكن اخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول المسكين على بابك فتصدق عليه بالجنة ويستحب له أن يشرب من زمزم إجماعا لما رواه العامة إن النبي صلى الله عليه وآله لما أفاض نزع هو لنفسه بدلو من بئر زمزم ولم ينزع معه أحد فشرب ثم افرغ باقي الدلو في البئر ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج. مسألة. الحايض لا طواف عليها للوداع ولا فدية عليها بإجماع فقهاء الأمصار ويستحب لها أن تودع من أدنى باب من أبواب المسجد ولا تدخله إجماعا وروى العامة عن عمر وابنه إنهما قالا تقيم الحايض طواف الوداع وليس بمعتمد لما رواه العامة إن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجت ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) إذا أرادت الحايض أن تودع البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد فلتودع البيت ولان الزامها بالمقام مشقه عظيمه والمستحاضة تودع بطواف ولو فقدت الماء تيممت وطافت ولو طهرت الحايض قبل مفارقة بنيان مكة استحب لها العود والاغتسال والطواف وأوجبه الموجبون وإن كان بعد مفارقة البنيان لم يعد إجماعا للمشقة بخلاف من خرج متعمدا فإنه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر لأنه ترك واجبا فلا يسقط بمفارقة البنيان وههنا (لم يجب) فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن كما يجب على المسافر إتمام الصلاة في البنيان ولا يجب بعد الانفصال. مسألة.
يستحب لمن أراد الخروج من مكة أن يشترى بدرهم تمرا يتصدق به ليكون كفارة لما دخل عليه حال الاحرام من فعل حرام أو مكروه قال الصادق في الصحيح يستحب للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا يتصدقان به لما كان منهما في إحرامهما ولما كان في حرم الله عز وجل. المقصد الرابع. في اللواحق وفيه فصول الأول في الحصر والصد وفيه مباحث الأول في الصد. مسألة. الحصر عندنا هو المنع من تتمة أفعال الحج بالمرض خاصة والصد بالعدو وعند العامة هما واحد من جهة العدو والأصل عدم الترادف قال الصادق (ع) في الصحيح المحصور غير المصدود فإن المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من مرض والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له والقارن إذا أحصر فليس له أن يتمتع في القابل بل يفعل مثل ما دخل فيه. مسألة. إذا أحرم الحاج وجب عليه إكمال ما أحرم من حج أو عمرة فإذا صده المشركون أو غيرهم عن الوصول إلى مكة بعد إحرامه ولا طريق له وساء موضع الصد أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه تحلل بالاجماع قال الله تعالى " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى " أي إذا أحصرتم فتحللتم أو أردتم التحلل فما استيسر من الهدى لان نفس الاحصار لا يوجب هديا وروى العامة إن النبي صلى الله عليه وآله أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية وهي اسم بئر خارج الحرم أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) المصدود تحل له النساء سواء كان الاحرام للحج أو للعمرة بأي أنواع الحج أحرم جاز له التحلل مع الصد عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة والشافعي واحمد لعموم الآية ولأنها نزلت في صد الحديبية وكان النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه محرمين بعمرة فتحللوا جميعا وقال مالك المعتمر لا يتحلل لأنه لا يخاف الفوات ولو كان له طريق غير موضع الصد فإن كان معه نفقة تكفيه لم يكن له التحلل واستمر على إحرامه ووجب عليه سلوكها وإن بعدت سواء خاف الفوات أو لا فإن كان محرما بعمرة لم تفت فلا يجوز له التحلل وإن كان بحج صبر حتى يتحقق الفوات ثم يتحلل بعمرة وليس له قبله التحلل والاتيان بالعمرة بمجرد خوف الفوات لان التحلل إنما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات وهذا غير مقصود هنا فإنه يجب أن يمضى على إحرامه في ذلك الطريق فإذا أدرك الحج أتمه وإن فاته تحلل بعمرة وقضاه ولو قصرت نفقته جاز له التحلل لأنه ممنوع مصدود ولا طريق له سواء موضع المنع يعجز عن الباقي فيتحلل ويرجع إلى بلده وقال الصادق (ع) في الصحيح إن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة. مسألة. المصدود يتحلل بالهدى ونية التحلل خاصة أما الهدى فعليه فتوى أكثر العلماء للآية قال الشافعي لا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى فإن أحصرتم نزلت في حصر الحديبية ولأنه (ع) حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة وفعله بيان للواجب ولأنه أبيح له التحلل قبل أداء نسكه فكان عليه الهدى كالفوات وقال بن إدريس من علمائنا الهدى مختص بالمحصور لا بالصد لأصالة البراءة ولقوله تعالى " فإن أحصرتم " أراد بالمرض لأنه يقال احصره المرض وحصره العدو وبه قال مالك لأنه تحلل أبيح له من غير تفريط فأشبه من أتم حجه ولا فرق إن من أتم حجه لم يبق عليه شئ من النسك فتحلله لأداء مناسكه بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه وأما النية فلانه خرج من إحرام فيفتقر إليها كالداخل فيه ولان الذبح إنما يختص بالتحلل بالبينة ولأنه عمل فيفتقر إلى النية وبه