بسم الله الرحمن الرحيم وبه توكلي القاعدة الثانية في العقود وفيه كتب كتاب البيع وفيه مقاصد الأول في أركانه وفيه فصول الأول في ماهيته وهو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي فلا ينعقد على المنافع ولا على ما لا يصح تملكه ولا مع خلوه عن العوض المعلوم ولا مع الاكراه وهو جايز بالنص قال الله تعالى " وأحل الله البيع " وقال النبي البيعان بالخيار ما لم يفترقا وسأل الصادق (ع) عن معاذ بياع الكرابيس فقيل ترك التجارة فقال عمل عمل الشيطان من ترك التجارة ذهب ثلثا عقله أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قدمت عير من الشام فاشترى منها واتجر وربح فيها ما قضى دينه ولا خلاف بين الأمة فيه ولان الحاجة قد يتعلق بما في يد الغير ولا يبذله بغير عوض فتسويغ البيع يوصل كلا إلى غرضه ورفع حاجته. الفصل الثاني. في الصيغة. مسألة. الأشهر عندنا إنه لابد منها ولا يكفي المعاطاة في الجليل والحقير مثل أعطني بهذا الدينار ثوبا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه وبه قال الشافعي مطلقا لأصالة بقاء الملك وقصور الافعال عن الدلالة على المقاصد وبعض الحنفية وابن شريح في الجليلة وقال احمد ينعقد مطلقا ونحوه قال المالك فإنه قال بع بما يعتقده الناس بيعا لأنه تعالى أحل البيع ولم يبين الكيفية فتحال على العرف كالقبض والبيع وقع في زمانه صلى الله عليه وآله كثيرا ولم ينقل اللفظ وإلا لتواتر والجواب المعاطاة يثبت في غير البيع فيجب عود النص إلى غيرهما ويمنع عدم التواتر والاستغناء بالإباحة عنه والحوالة في الحقيرة على العرف فيختلف بأجناس الأموال وفسره بعض الشافعية بما دون نصاب السرقة وهو تحكم. مسألة. صيغة الايجاب بعت أو شريت أو ملكت من جهة البايع و القبول من المشترى قبلت أو ابتعت أو اشتريت أو تملكت ولا يشترط الاتحاد إجماعا فيقول البايع شريت فيقول المشترى تملكت ويشترط أمور - آ - تقديم الايجاب على الأقوى خلافا للشافعي وأحمد عملا بالأصل والدلالة على الرضا ليست كافية - ب - الاتيان بهما بلفظ الماضي فلو قال أبيعك أو قال اشترى لم يقع إجماعا لانصرافه إلى الوعد ولو تقدم القبول بلفظ الطلب بأن قال بعني بدل قوله اشتريت فقال البايع بعتك لم ينعقد وبه قال أبو حنيفة والمزني والشافعي في أحد القولين لأنه ليس صريحا في الايجاب فقد يقصدان يعرف أن البايع هل يرغب في البيع وأصح وجهي للشافعي الجواز وبه قال مالك لوجود اللفظ المشعر من الجانبين وعن أحمد روايتان كالقولين نعم لو قال المشترى بعد ذلك اشتريت أو قبلت صح إجماعا ولو تقدم بلفظ الاستفهام فيقول أتبيعني فيقول بعتك لم يصح إجماعا لأنه ليس بقول ولا استدعا - ج - النطق فلا يكفي الإشارة إلا مع العجز للأصل ولا الكتابة لامكان العبث وللشافعية وجهان - د - التصريح فلا يقع بالكتابة مع النية مثل أدخلته في ملكك أو جعلته لك أو خذه منى بكذا أو سلطتك عليه بكذا عملا بأصالة بقاء الملك ولان المخاطب لا يدرى بم خوطب وأصح وجهي الشافعي الوقوع قياسا على الخلع وتمنع الأصل وينتقض بالنكاح - ه - الجزم فلو علق العقد على شرط لم يصح وإن كان الشرط المشية للجهل بثبوتها (حالة العقد وبقائها صح) مدته؟ وهو أحد قولي الشافعية وأظهر الوجهين لهم الصحة لأن هذه صفة يقضيها إطلاق العقد لأنه لو لم يشأ لم يشتر فروع - آ - إنما يفتقر إلى الايجاب والقبول فيما ليس الضمني من البيوع أما الضمني كأعتق عبدك عنى بكذا فيكفي فيه الالتماس والجواب ولا تعتبر الصيغ المتقدمة إجماعا - ب - لو اتحد المتعاقدان كالأب عن ولده افتقر إلى الايجاب والقبول وهو أحد وجهي الشافعية وفي الآخر الاكتفاء بأحد اللفظين - ج - لابد من التطابق في المعنى بين الصيغتين فلو قال بعتك هذين بألف فقال قبلت أحدهما بخمس مأة أو قبلت نصفها بنصف الثمن أو قال بعتكما هذا بألف فقال أحدهما قبلت نصفه بنصف الثمن لم يقع على إشكال في الأخير أقربه الصحة واختيار البايع. الفصل الثالث. في المتعاقدين. مسألة. يشترط فيهما البلوغ والعقل فلا تصح عبارة الصبى سواء كان مميزا أو لا أذن له الولي أو لا وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين لان العقل لا يمكن الوقوف على حده المنوط التصرف به لخفائه وتزايده تزايدا على التدريج فجعل الشارع له ضابطا هو البلوغ فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة ولان المميز غير مكلف فأشبه غيره وقال أبو حنيفة واحمد في الرواية الأخرى يصح عقد المميز بإذن الولي لقوله تعالى " وابتلوا اليتامى " وإنما يتحقق الاختيار بتفويض التصرف والجواب الابتلاء يثبت بتفويض الاستيام والمماكسة وتدبير البيع ثم يعقد الولي وفي وجه لنا وللشافعية جواز الاختبار وفي وجه لأبي حنيفة انعقاد بيع المميز بغير إذن الولي موقوفا على إجازة الولي وفي وجه آخر لنا جواز بيعه إذا بلغ عشرا فروع - آ - لو اشترى الصبى وقبض أو استقرض وأتلف فلا ضمان عليه لان التضييع من الدافع فإن كان المال باقيا رده وعلى الولي استرداد الثمن ولا يبرء البايع بالرد إلى الصبى وبه قال الشافعي - ب - كما لا يصح تصرفاته اللفظية كذا لا يصح قبضه ولا يفيد حصول الملك في الهبة وإن اتهب الولي له ولا لغيره وإن أمره الموهوب منه بالقبض ولو قال مستحق الدين للمديون سلم حقي إلى هذا الصبى فسلم قدر حقه لم يبرء عن الدين وبقى المقبوض على ملكه لا يضمنه الصبى لان البراءة تستند إلى قبض صحيح ولم يثبت ولو فتح الصبى الباب وأذن في الدخول عن إذن أهل الدار وأوصل هدية إلى إنسان عن إذن المهدى فالأقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه - ج - المجنون إن كان له حال إفاقة فباع أو اشترى فيها صح وإلا فلا ولو ادعى الجنون حالة العقد قدم قوله ولو لم يعرف له حالة جنون قدم قول مدعى الصحة وتقدم قول الصبى لو ادعى ايقاعه حالة الصبى - د - لا ينعقد بيع المجنون وإن أذن وليه لا المغمى عليه ولا السكران ولا النافل ولا الناسي ولا النايم والهاذل ولا المكره . مسألة. الاختيار شرط في المتعاقدين فلا يصح بيع المكره ولا شراؤه لقوله تعالى " إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وفي معنى الاكراه بيع التلجئة وهو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطئ رجلا على إظهار شرائه منه ولا يريد بيعا حقيقيا ذهب إليه علماؤنا أجمع وبه قال احمد وأبو يوسف ومحمد لأنهما لم يقصدا البيع وكانا كالهازلين وقال أبو حنيفة والشافعي يصح بيع التلجئة لأنه تم بأركانه وشروطه خاليا عن مقارنة مفسد فصح كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقدا بغير شرط ونمنع المقدمات وكذا القصد شرط في البيع إجماعا. مسألة. فروع - آ - لو رضي من منع عقده بفعله بعد زوال المانع لم يصح إلا المكره للوثوق بعبارته - ب - لو أكرهه على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه فإشكال وكذا بثمن فباع بأزيد أو أنقص أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه - ج - لو ادعى الاكراه قبل مع اليمين مع القرينة لا بدونها. مسألة. تشترط أن يكون البايع مالكا أو من له ولاية كالأب والجد له والحاكم وأمينه والوكيل فلو باع الفضولي صح ووقف على إجازة المالك وبه قال مالك وإسحاق وأبو حنيفة والشافعي في القديم واحمد في إحدى الروايتين لان النبي (ص) دفع إلى عروة البارقي دينارا ليشتري له شاة فاشترى به شاتين فباع إحديهما بدينار وجاء بدينار وشاة وحكى له فقال صلى الله عليه وآله له بارك الله لك في صفقة يمينك ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فيجب أن يقف على إجازته كالوصية وقال أبو ثور وابن المنذر والشافعي في الجديد واحمد في الرواية الأخرى يبطل البيع وهو قول لنا لقوله (ع) لحكيم بن حزامه لا تبع ما ليس عندك ولأنه باع ما لا يقدر على تسليمه فأشبه الآبق والطير في الهواء والجواب النهى في المعاملات لا يقتضى الفساد وتصرفه إلى أنه باع عن نفسه ويمضى فيشتريه من مالكه لأنه ذكره جوابا له حين سأله أن يبيع الشئ ثم يمضى ويشتريه
(٤٦٢)