فكذلك وعليهما التقابض فإن تفرقا قبله انفسخ العقد ثم إن تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما فإن إنفرد أحدهما بالمفارقة عصى وهو أحد وجهي الشافعية وفي الثاني إن الإجازة قبل التقابض لاغية لان القبض متعلق بالمجلس وهو باق فيبقى حكمه في الخيار. البحث الثاني. في خيار الحيوان مسألة. إذا كان المبيع حيوانا يثبت الخيار فيه للمشترى خاصة ثلاثة أيام من حين العقد على رأى فله الفسخ والامضاء مدة ثلاثة أيام عند علمائنا أجمع خلافا للجمهور كافة لنا الأخبار المتواترة عن أهل البيت (على) بذلك وهم أعرف بالأحكام حيث هم مظانها ومهبط الوحي وملازموا الرسول صلى الله عليه وآله قال الصادق (ع) الشرط في الحيوان كله ثلاثة أيام للمشترى وهو بالخيار اشترط أو لم يشترط ولان العيب في الحيوان قد يثبت خفيا غالبا وفي الثلاثة يختبر ويظهر أثره فوجب أن يكون مشروعا دفعا للضرر ولأنه يثبت في الشاة المصراة فكذا في غيرها لان المناط هو ظهور العيب الخفى ولان الحيوان يغتذى ويأكل في حالتي صحة وسقمه ويتحول طبعه قل ما ينفك عن عيب خفى أو ظاهر فيحتاج إلى إثبات الخيار ليندفع عنه هذا المحذور مسألة. هذا الخيار وخيار المجلس يثبتان بأصل الشرع وسواء شرطاه في العقد أو أطلقا أما لو شرط السقوط فإنه يسقط إجماعا لعموم قوله (ع) المؤمنون عند شروطهم إذا ثبت هذا فإنما يثبت الخيار للمشترى لو لم يتصرف في الحيوان في الثلاثة فإن تصرف فيه سقط خياره إجماعا لأنه دليل على الرضا (ع) به ولقول الصادق (ع) فإن أحدث المشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط له قيل وما الحدث قال إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء ولا فرق بين أن يكون التصرف لازما كالبيع أو غير لازم كالهبة قبل القبض والوصية فإنه بأجمعه مسقط للخيار. مسألة. وكما يسقط هذا الخيار بالتصرف كيف كان فكذا يسقط باشتراط سقوطه في العقد وكذا بالتزامه واختيار الامضاء بعد العقد ولا يسقط بالرضا بالعيب الموجود في الحيوان ولا بالتبري من عهدة العيب الحادث في الثلاثة وكذا لا يسقط خيار العيب باسقاط خيار الثلاثة نعم لو أسقط خيار الثلاثة سقط خيار العيب المتجدد فيها وكان من ضمان المشترى. مسألة وهذا الخيار يثبت للمشترى خاصة عند أكثر علمائنا وقال المرتضى (ره) يثبت للبايع أيضا لنا الأصل لزوم العقد خرج عنه جانب المشترى نظرا له لخفاء العيب فإن عيوب الحيوانات أكثرها باطنة لا تظهر له إلا بالاختيار والتراخي والتروي المفتقر إلى طول الزمان أما البايع فإنه المالك وقل أن يخفى عليه جودة حيوانه وعيب الثمن ظاهر في الحال ولان الصادق (ع) قال الشرط في الحيوان كله ثلاثة أيام للمشترى والتخصيص بالوصف يدل على نفى الحكم عما عداه احتج السيد المرتضى (ره) بقول الصادق (ع) المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا والجواب ثبوته للمشترى يدل على ثبوته للمجموع ولا يدل على ثبوته للاخر وأيضا يحمل على ما إذا كان الثمن حيوانا إما في ثمن حيوان آخر أو في ثوب أو غيرهما جمعا بين الأدلة ولوجود المقتضى لثبوت الخيار للمشترى وهو خفاء عيب الحيوان فإذا كان الثمن حيوانا كان المقتضى لثبوت الخيار فيه متحققا ولا يثبت إلا للبايع ويؤيده قول الباقر (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله المتبايعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلث وهو عام في البايع والمشترى فعلى هذا لو باع حيوانا بحيوان يثبت الخيار لهما معا وعلى ما اخترناه يكون الخيار للمشترى خاصة ولو كان الثمن حيوانا والمثمن ثوبا فلا خيار أما للمشترى فلانه لم يشتر حيوانا وأما البايع فلانه ليس بمشتر والحديث إنما يقتضى ثبوته للمشترى خاصة. البحث الثالث في خيار الشرط. مسألة. لا خلاف بين العلماء في جواز اشتراط الخيار في البيع للأصل ولقوله تعالى " أوفوا بالعقود " فإذا وقع على شرط سايغ وجب الوفاء لقوله (ع) المؤمنون عند شروطهم وإنما اختلفوا في أنه مقدر أم لا فمن قدره اختلفوا في مدة تقديره فالذي عليه علماؤنا أجمع إنه لا يتقدر في أصل الشرع بقدر معين بل يجوز أن يشترط خيارا مهما أراد من الزمان طال أو قصر بشرط ضبطه بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كاليوم والشهر والسنة والسنتين المعدودة المعينة المضبوطة ابتداء وانتهاء وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل للعمومات السابقة وقول الصادق (ع) المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز وسئل الصادق (ع) عن رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال أبيعك داري هذه ويكون لك أحب إلى من أن يكون لغيرك على أن يشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن يرد على فقال لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه قلت فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن يكون الغلة قال الغلة للمشترى ألا ترى إنها لو احترقت لكانت من ماله ولأنه لا فرق بين المدة القليلة والكثيرة فإذا جاز في القليلة جاز في الكثيرة بل هي أولي لان الخيار جعل إرفاقا بالمتعاقدين فإذا زادت المدة كان الارفاق المطلوب حصوله في نظر الشرع أزيد ولأنها مدة ملحقة بالعقد فكانت إلى تقدير المتعاقدين وقال الشافعي لا يجوز اشتراط مدة في العقد تزيد على ثلاثة أيام وبه قال أبو حنيفة لقول عمر ما أحل لكم أو سع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله لحنان بن سعد جعل له عهدة ثلاثة أيام إن رضي أخذ وإن سخط ترك وعن ابن عمر إن حنان بن سعد أصابته أمة في رأسه فكان يخدع في البيع فقال صلى الله عليه وآله إذا بايعت فقل لا خلا به وجعل له الخيار ثلاثة أيام وقوله لا خلا به عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا إذا اطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط ولان الخيار غرر ينافي في مقتضى العقد وإنما جوز لموضع الحاجة فجاز القليل منه الذي تدعوا الحاجة إليه في الغالب وآخر حد القلة الثلاثة لقول تعالى " فيأخذكم عذاب قريب " ثم قال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء مناسكه ثلاثا وقال مالك يجوز في ذلك قدر ما يحتاج إليه فإن كان البيع من الفواكه التي لا يبقى أكثر من يوم جاز الخيار فيها يوما واحدا وإن كان ضيعة لا يمكنه أن يصل إليها إلا في أيام جاز الخيار أكثر من ثلاث لان الخيار إنما يثبت للحاجة إليه فجاز حسب الحاجة والجواب لا عبرة بتحريم عمر فإنه ليس أهلا لان يحلل أو يحرم وجعل رسول الله (ص) لحنان بن سعد عهدة ثلاثة أيام لا يدل على المنع عن الزائد ولو كان الخيار مشتملا على غرر لما ساغ التقدير بثلاثة أيام وإذا كان الضابط الحاجة وجب أن يتقدر بقدرها كما قاله المالك والغالب الحاجة إلى الزيادة على الثلاثة ولما كانت الحاجة تختلف باختلاف الاشخاص وأحوالهم وجب الضبط بما يعرفه المتعاقدان من المدة التي يحتاجان إليها. مسألة. وإنما يصح شرط الخيار وإذا كان مضبوطا محروسا من الزيادة والنقصان وأن يذكر في متن العقد فلو جعل الخيار إلى مقدم الحاج أو إدراك الغلاة أو ابتاع الثمار أو حصاد الزرع أو دخول القوافل أو زيادة الماء أو نقصانه أو نزول الغيث أو انقطاعه بطل العقد لان للأجل قسطا من الثمن فيؤدى جهالته إلى جهالة العوض ويؤدى إلى الغرر المنهى عنه ولو ذكرا مثل هذا الخيار ثم اسقطاه بعد العقد أو اختار الامضاء لم ينقلب صحيحا لأنه وقع فاسدا فلا عبرة به و الأصل بقاء الملك على بايعه ولم يوجد مزيل عنه فبقى على حاله وإذا ذكر أجلا مضبوطا قبل العقد أو بعده لم يعتد به لأن العقد وقع منجزا فلا يؤثر فيه السابق و اللاحق وإنما يعتد بالشرط لو وقع في متن العقد بين الايجاب والقبول فيقول مثلا بعتك كذا بكذا ولى الخيار مدة كذا فيقول اشتريت. مسألة. إذا اشترطا مدة معينة أكثر من ثلاثة أيام في العقد صح على ما بيناه وقال الشافعي بناء على أصله يبطل العقد فإن أسقطا ما زاد على الثلاث في مدة الخيار لم يحكم بصحة العقد وبه قال زفر لأنه عقد وقع فاسدا فلا يصح حتى يبتدأ كما لو باع درهما بدرهمين وأسقطا درهما وقال أبو حنيفة يصح العقد بإسقاط ذلك لان المفسد ما زاد على الثلاث فإذا أسقطه وجب أن يصح العقد والدليل على جواز إسقاطه إنه خيار مشروط في العقد فإذا أسقطاه في الثلاث سقط كاليوم الثالث وهو ممنوع لأن العقد غير قايم بينهما والخيار لم يثبت فيسقط
(٥١٩)