بأمر جديد القسم الثاني في شرائط وجوب القضاء مسألة يشترط في وجوب القضاء الفوات حالة البلوغ فلو فات الصبى الذي لم يبلغ في شهر رمضان لم يجب عليه القضاء بعد بلوغه سواء كان مميزا أو غير مميز باجماع العلماء لان الصبي ليس محل الخطاب بالأداء فلا يجب عليه القضاء ولا نعلم فيه خلافا إلا من الأوزاعي فإنه قال يقضيه إن كان قد أفطر وهو قادر على الصوم وكذا اليوم الذي بلغ فيه لا يجب عليه قضاؤه لمضى جزء منه لا يصح تكليفه بالصوم فيه فيكون الباقي كذلك لعدم قبوله للتجزى ولا فرق بين أن يصوم اليوم الذي بلغ فيه أو لا وبه قال أبو حنيفة وللشافعي قولان أحدهما انه يجب قضاؤه وإن كان صائما والثاني لا يجب قضاؤه وإن كان مفطرا لأنه يجب عليه صوم ما فيه لبلوغه وتعذر عليه صومه للافطار وقضاؤه منفردا فوجب ان يكمل صوم يوم (ليتوصل إلى صوم) ما وجب عليه كما إذا عدل الصوم بالاطعام فبقى نصف مد فإنه يصوم يوما كاملا وهو غلط لأنا نمنع وجوب صوم باقيه مسألة كمال العقل شرط في القضاء فلو فات المجنون شهر رمضان ثم أفاق لم يجب عليه قضاؤه عند علماؤنا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة لأنه ليس محلا للتكليف فلا يجب عليه (الأداء فلا يجب عليه؟) تابعه وهو القضاء وقال مالك يجب عليه القضاء وبه قال بعض الشافعية وعن أحمد روايتان لان الجنون معنى يزيل العقل فلا ينافي وجوب الصوم كالاغماء ونمنع حكم الأصل والفرق ان الاغماء مرض قد يلحق الأنبياء بخلاف الجنون المزيل التكليف لنقص فيه فإن أفاق في أثناء الشهر لم يقض ما فاته حال جنونه ولا اليوم الذي يفيق فيه الا ان يكون أفاق قبل الفجر وبه قال الشافعي في أحد الوجهين لان الجنون مزيل للخطاب والتكليف فسقط قضاء ما فات من بعض الشهر كما لو فات جميعه وقال أبو حنيفة يجب قضاء ما فات (لان الجنون) لا ينافي الصوم وهو ممنوع بخلاف الاغماء وقال محمد بن الحسن إذا بلغ مجنونا ثم أفاق في أثناء الشهر فلا قضاء عليه أما إذا كان بالغا عاقلا ثم جن قضى ما فاته حالة الجنون لان بلوغه في الأول لم يتعلق به التكليف ونمنع الأصل مسألة اختلف علماؤنا في المغمي عليه هل يجب عليه القضاء فالذي نص عليه الشيخ رحمه الله إنه لا قضاء عليه سواء كان مفيقا في أول الشهر ناويا للصوم ثم أغمي عليه أو لم يكن مفيقا بل أغمي عليه من أول الشهر وهو المعتمد لان مناط التكليف العقل والتقدير زواله فيسقط التكليف ولان أيوب بن نوح كتب إلى الرضا عليه السلام يسئله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته أم لا فكتب لا يقضى الصوم ولا يقضى الصلاة وللشيخ قول اخر انه ان سبقت من النية صح صومه ولا قضاء عليه وان لم يسبق بأن كان مغمى عليه من أول الشهر وجب القضاء وبه قال المفيد والسيد المرتضى لأنه مريض فوجب عليه القضاء كغيره من المرض لان مدته لا تتطاول غالبا ولقول الصادق عليه السلام يقضى المغمى عليه ما فاته ونمنع مساواته للمرض الذي يبقى فيه العقل والرواية محمولة على الاستحباب قال الشافعي وأبو حنيفة يقضى زمان اغمائه مطلقا واختلفا في يوم اغمائه فقال أبو حنيفة لا يقضيه لحصول النية فيه وقال الشافعي يقضيه مسألة الاسلام شرط في وجوب القضاء فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم لم يجب عليه قضاؤه باجماع العلماء لقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله ولو أسلم في أثناء الشهر فلا قضاء عليه لما فات عند علمائنا أجمع وهو قول عامة العلماء لما تقدم ولقوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في رجل أسلم في نصف شهر رمضان ليس عليه قضاء إلا ما يستقبل ولان ما مضى عبادة خرجت في حال كفره فلا يجب قضاؤها كالرمضان الماضي وقال عطا عليه القضاء وعن الحسن كالمذهبين وأما اليوم الذي أسلم فيه فإن كان قبل طلوع الفجر وجب عليه صيامه ولو أفطر قضاه وكفر وإن كان بعد الفجر أمسك استحبابا ولا قضاء عليه ولا يجب عليه صيامه لما تقدم من أن الصوم لا يتبعض وكذا كل ذي عذر وللشافعي وجهان وكقولنا افتى مالك وأبو ثور وابن المنذر وقال احمد يجب عليه الامساك ويقضيه وليس بجيد لان عيص بن القاسم روى في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال سألته عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم ان يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه قال ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر مسألة يجب القضاء على المرتد ما فاته زمان ردته وبه قال الشافعي لأنه ترك فعلا وجب عليه مع علمه بذلك (فوجب عليه) قضاؤه كالمسلم وقال أبو حنيفة لا يجب قضاؤه لقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله والمراد به الأصلي لأنه لا يؤخذ بالعبادات حال كفره ولا فرق بين أن تكون الردة باعتقاد ما يوجب الكفر أو بشكه فيما يكفر بالشك فيه ولو ارتد بعد عقد الصوم صحيحا ثم عاد قال الشافعي يفسد صومه وهو جيد ولو غلب على عقله بشئ من قبله كشرب المسكر والمرقد لزمه القضاء ولو كان بشئ من قبله تعالى لم يلزمه ولو طرح في حلق المغمى عليه أو من زال عقله دواء لم يجب عليه القضاء إذا أفاق خلافا للشيخ ويستحب للمغمى عليه وللكافر القضاء البحث الثالث في الاحكام مسألة من وجب عليه قضاء ما فاته من أيام رمضان يجب عليه القضاء في السنة التي فاته الصوم فيها ما بينه وبين الرمضان الثاني فلا يجوز له تأخيره إلى دخول الرمضان الثاني فإذا فاته شئ من رمضان أو جميعه بمرض وجب عليه القضاء عند البرء وجوبا موسعا إلى أن يبقى إلى الرمضان الثاني عدد ما فاته من الأيام فان اخر القضاء بعد برئه وتمكنه من القضاء حتى دخل الرمضان الثاني فإما أن يكون تأخيره على وجه التواني أو لا فإن كان على وجه التواني صام الرمضان الحاضرة وقضى الأول بالاجماع وكفر عن كل يوم من الفايت بمدين وأقله مد قاله شيخنا المفيد رحمه الله وبه قال الشافعي ومالك والثوري واحمد وإسحاق والأوزاعي وهو قول ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير لما رواه العامة عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله أوجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر فقال إن كان براء ثم توانا قبل ان يدركه الصوم الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه وإن كان لم يتمكن من قضائه حتى أدركه شهر رمضان صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا لمسكين وليس عليه قضاؤه وقال ابن إدريس هنا لا كفارة عليه وبه قال أبو حنيفة والحسن البصري والنخعي لأصالة براءة الذمة ولأنه تأخير صوم واجب فلا تجب الكفارة كما لو أخر القضاء والنذر وأصالة البراءة حجة إذا لم يقم دليل على شغلها والاخبار به كثيرة والقياس باطل عندنا خصوصا إذا عارض النص مسألة ولو ترك القضاء بعد برئه غير متهاون به بل كان عازما كل وقت على القضاء ويؤخر لعذر من سفر وشبهه وعلى كل حال لم يتهاون به بل تركه لأمور عرضت ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه من القضاء كان معذورا يلزمه قضاؤه إجماع ولا كفارة عليه لعدم التفريط منه ولو استمر به المرض من الرمضان الأول إلى الرمضان الثاني ولم يصح فيما بينهما صام الحاضر وسقط عنه قضاء الأول وتصدق عن كل يوم بمدين أو بمد عند أكثر علمائنا لقول الصادق عليه السلام فإن كان لم يزل مريضا حتى أدركه (شهر رمضان صام الذي أدركه) وتصدق عن الأول لكل يوم مدا لمسكين وليس عليه قضاؤه ونحوه روى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام وقال الصدوق يقضي الأول ولا كفارة وهو قول العامة لعموم قوله فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر إذا عرفت هذا فحكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين سواء ولو أخره سنين تعددت الكفارة بتعدد السنين وللشافعي وجهان ولو استمر به المرض إلى أن مات سقط القضاء وجوبا لا استحبابا ولا كفارة عند جمهور العلماء لأصالة البراءة ولان سماعة سأل الصادق عليه السلام
(٢٧٥)