مطالبة المشترى بالضمان وبه قال الشافعي لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب ولو وضع المديون الدين بين يدي مستحقه ففي حصول التسليم خلاف بين الشافعية مرتب على المبيع وهذه الصورة أولي بعدم الحصول لعدم تعين الملك وفيه نظر لان الملك يتعين بتعين المديون وبالدفع قد عينه ولو رفع ظرفا إلى البايع وقال اجعل المبيع فيه ففعل لا يحصل التسليم إذا لم يوجد من المشترى ما هو قبض والظرف غير مضمون عليه لأنه استعمله في ملك المشتري بإذنه وفي مثله في السلم يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه لأنه استعمله في ملك نفسه ولو قال البايع أعرني ظرفك واجعل المبيع فيه ففعل لم يصر المشترى قابضا أيضا ولو قبض بالوزن ما اشتراه كيلا أو بالعكس فهو كما لو قبضه جزافا إن تيقن حصول الحق فيه صح وإلا فلا وللشافعية قولان فيما لو علم حصول الحق تقدما ولو قال البايع خذه فإنه كذا فاخذه مصدقا له صح القبض وقال الشافعي لا يصح حتى يجرى الكيل الصحيح فإن زاد رد الزيادة وإن نقص أخذ الباقي ولو تلف المقبوض فزعم (الدافع إنه كان قدر حقه أو أكثر وزعم صح) المدفوع إليه إنه كان دون حقه أو قدره فالقول قوله ومعنى التصديق أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه منا عليه أما لو أقر بجريان الكيل لم يسمع منه خلافه. مسألة. إذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن لم يكن على البايع الرضا بكيل المشترى ووزنه ولا على المشترى الرضا بكيل البايع بل يتفقان على كيال أو وزان ولو اختلفا نصب الحاكم أمينا يتولاه ولو كان لزيد طعام على رجل سلم ولآخر مثله على زيد فأراد زيد أن يوفى ما عليه مما له على الآخر فقال إذهب إلى فلان واقبض لنفسك ما لي عليه فالقبض فاسد والمقبوض مضمون على القابض وهل تبرء ذمة الدافع عن حق زيد للشافعي وجهان أصحهما نعم وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشترى هل يعتق المكاتب فإن قلنا لا يبرء فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع والوجه البراءة ولو قال زيد أقبضه لي ثم أقبضه منى لنفسك بذلك الكيل (أو قال أحضر معي لأقبضه لنفسي ثم تأخذ أنت بذلك الكيل صح) ففعل فقبضه لزيد في الصورة الأولى وقبض زيد لنفسه في الثانية صح وتبرء ذمة البايع عن حقه و القبض الآخر فاسد عند الشافعية والمقبوض مضمون عليه وفي قبضه لنفسه في الصورة الأولى وجه آخر إنه صحيح ولو اكتال زيد فقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه فاقبضه فقد جرى الصاعان وصح القبضان ولا رجوع له وإن زاد كثيرا تبين إن الكيل الأول وقع غلطا فيرد زيد الزيادة ويرجع بالنقصان تذنيب مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البايع كمؤنة إحضار البايع الغايب ومؤنة وزن الثمن على المشترى لتوقف التسليم عليه ومؤنة نقد الثمن على المشترى أيضا وهو أحد وجهي الشافعية والثاني إنه على البايع. مسألة. للمشترى أن يوكل في القبض وإن وكل من يده كيد البايع كعبده خلافا للشافعي ولا بأس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتبه عنده وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان أصحهما عنده إنه لا يجوز ولو قال للبايع وكل من يقبض لي عنك ففعل جاز ويكون وكيل المشترى وكذا لو وكل البايع بأن يأمر من يشترى منه للموكل ولو كان القابض والمقبض واحدا لم يجز عند الشافعي والأولى عندي الجواز ولو اشترى الأب لابنه الصغير من مال لنفسه أو لنفسه من مال الصغير فإنه يتولى طرفي القبض كما يتولى طرفي البيع وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول الأقرب العدم وهو أصح وجهي الشافعية والثاني احتياجه وإتلاف المشترى المبيع قبض وقبض الجزء المشاع إنما يحصل بتسليم الجميع ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده ولو طلب القسمة قبل القبض أجيب إليها وبه قال الشافعي أما إذا جعلنا القسمة إفرازا فظاهر وأما إذا جعلناها بيعا فإن الرضا غير معتبر فيه لان الشريك يجبر عليه وإذا لم يعتبر الرضا جاز أن لا يعتبر القبض كما في الشفعة. مسألة. قد بينا وجوب تسليم ما على كل من البايع والمشترى فلو اختلفا في التقديم فأحد أقوال الشافعي اجبارهما معا على التسليم فيأمر كل واحد منهما بإحضار ما عليه فإذا أحضر أسلم الثمن إلى البايع والمبيع إلى المشترى بأمهما بدء جاز أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك وهو المعتمد عندي لان كل واحد منهما يستحق قبض ما عند الآخر فيؤمر بايفائه كما لو كان لكل منهما وديعة عند الآخر وتنازعا هكذا والثاني إنهما لا يجبران بل يمنعهما من التنازع فإذا سلم أحدهما ما عليه أجبر الآخر لان على كل واحد إيفاء واستيفاء فلا سبيل إلى تكليف الايفاء قبل الاستيفاء والثالث وبه قال مالك وأبو حنيفة إنه يجبر المشترى على تسليم الثمن أو لا لان حقه متعين في المبيع وحق البايع غير متعين في الثمن فيؤمر بالتعيين والرابع وبه قال الشيخ إنه يجبر البايع أولا على التسليم وبه قال احمد لأنه لا يخاف هلاك الثمن فملكه مستقر فيه وتصرفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ وملك المشترى في المبيع غير مستقر فعلى البايع التسليم ليستقر وفي المسألة طريقة أخرى للشافعي وهي القطع بالرابع وحمل الأول والثاني على حكاية مذهب الغير و الثالث من تخريج بعضهم هذا إذا كان الثمن في الذمة وأما إذا كان معينا فإنه يسقط القول الثالث وإن تبايعا عرضا بعرض سقط القول الرابع أيضا وبقى قولان إنهما يجبران ولا يجبران والأول أظهر وبه قال احمد فإن قلنا يجبر البايع على تسليم المبيع أولا أو قلنا لا يجبر لكنه تبرع وابتدأ بالتسليم أجبر المشترى على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس وإلا فإن كان المشترى موسرا فإن كان ماله في البلد حجر عليه إلى أن يسلم الثمن لئلا يتصرف في أملاكه بما يفوت حق البايع وللشافعية وجه آخر إنه لا يحجر عليه ويمهل إلى أن يأتي بالثمن وهو الوجه عندي وعلى تقدير الحجر قيل يحجر عليه في المبيع وساير أمواله وقال بعضهم لا حجر عليه في ساير أمواله إن كان ماله وافيا بل يتبعه به وهل يدخل المبيع في الاحتساب للشافعية وجهان أشبههما عندهم الدخول وإن كان غايبا لم يكلف البايع الصبر إلى إحضاره لتضرره بل في وجه يباع في حقه ويؤدى في ثمنه والأظهر إنه يفسخ لتعذر تسليم الثمن كالمفلس فإن فسخ فذاك وإن صبر على الاحضار فالحجر على ما سبق وحكى عن بعضهم إنه لا فسخ لكن يرد المبيع إلى البايع ويحجر على المشترى ويمهل إلى الاحضار وإن كان دون مسافة القصر فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان على مسافة القصر للشافعية وجهان وعندنا إن للبايع الفسخ بعد ثلاثة أيام وإن كان معسرا فهو مفلس فإن حجر عليه الحاكم يخير البايع بين الفسخ والضرب مع الغرماء وقال الشافعي إذا كان مفلسا فالبايع أحق بمتاعه في وجه وفي اخر لا فسخ لكن يباع ويوفي من الثمن (حق البايع صح) فإن فضل شئ فهو للمشتري وهذا التفريع جاز فيما إذا اختلف المتواجران في البداءة بالتسليم بغير فرق. مسألة. توهم قوم (إن الخلاف صح) في البداءة بالتسليم خلاف في أن البايع هل له حق الحبس أم لا إن قلنا البداة بالبايع فليس له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن وإلا فله ذلك ونازع أكثر الشافعية فيه وقالوا هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد البداة وكان كل واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه فأما إذا لم يبذل البايع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف وكذا للمشترى حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع وأن يحبس بالثمن الحال أما المؤجل فلا وإن حل الاجل ولو تبرع بالتسليم لم يكن له رده إلى حبسه وكذا لو أعاره من المشترى في أصح وجهي الشافعية ولو أودعه إياه فله ذلك ولو صالح من الثمن على مال لم يسقط حق الحبس لاستيفاء العوض ولو اشترى بوكالة اثنين شيئا وفي نصف الثمن عن أحدهما وجب عليه تسليم النصف وقال الشافعي لا يجب بناء على أن الاعتبار بالعاقد ولو باع بوكالة اثنين فإذا أخذ نصيب أحدهما من الثمن فعليه تسليم النصف وبه قال الشافعي. المقصد الخامس في تفريق الصفقة. مسألة. إذا جمع بين الشيئين فإما أن يجمع بينهما في عقد واحد أو في عقدين فالأول إما أن يقع التفريق في الابتداء أو في الانتهاء والأول إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع فالعقد باطل قطعا في الجميع كما لو جمع بين أختين في النكاح وإن لم يكن كذلك فإما أن يجمع بين شيئين كل واحد قابل لما اورده عليه من العقد أو لا يكون كذلك فالأول كما لو جمع بين عينين في البيع صح العقد عليهما ثم إن كانا من جنسين كعبد وثوب أو من جنس واحد لكن قيمتهما مختلفة
(٥٦٤)