الكتاب قبل نزول القرآن وله إبنان صغير وكبير فأقاما على عبادة الأوثان ثم جاء الاسلام ونسخ كتابهم فإن الصغير إذا بلغ وقال إنني على دين أبى وبذل الجزية أقر عليه وأخذ منه الجزية لأنه تبع أبيه في الدين لصغره وأما الكبير فإن أراد ان يقيم على دين أبيه ويبذل الجزية لم يقبل لان له حكم نفسه ولا يصح له الدخول في الدين بعد نسخه ولو دخل أبوهما في دين أهل الكتاب ثم مات ثم جاء الاسلام وبلغ الصبى واختار دين أبيه يبذل الجزية أقر عليه لأنه تبعه في الدين فلا يسقط بموته وأما الكبير فلا يقر بحال لان حكم منفرد. مسألة. اختلف علماؤنا في الفقير فقال الشيخ لا تسقط عنه الجزية بل ينظر بها إلى وقت يساره ويؤخذ منه حينئذ ما يقرر عليه في كل عام حال فقره وبه قال المزني والشافعي في قول لعموم حتى يعطوا الجزية ولقوله (ع) خذ من كل حالم دينارا وهو عام ولان عليا (ع) وظف على الفقير دينارا وقال المفيد وابن الجنيد منا لا جزية عليه وهو قول اخر للشافعي لان الجزية حق يجب بحؤول الحول فلا تجب على الفقير كالزكاة والعقل في جناية الخطاء (والجواب إن الزكاة والعقل صح) وجبا بطريق المواسات والجزية لحقن الدم والسكنى ولا فرق بين الغنى والفقير في ذلك والشافعي قول ثالث إنه يخرج من الدار. إذا ثبت هذا فالامام يعقد لهم الذمة على الجزية وتكون في ذمته فإذا أيسر طولب بها. مسألة. وتسقط الجزية عن الصبى إجماعا لقوله (ع) لمعاذ خذ من كل حالم دينارا دل بمفهومه على سقوط الجزية عن غير البالغ ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) في حديث والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أهل الحرب من أجل ذلك رفعت عنهم الجزية وإذا بلغ بالانبات أو الاحتلام أو ببلوغ خمس عشرة سنة وكان من أهل الذمة طولب بالاسلام أو بذل الجزية فإن امتنع منها صار حربا فإن اختار الجزية عقد معه الامام ما يراه ولا عبرة بجزية أبيه فإذا حال الحول من حين العقد أخذ ما شرط ولو كان الصبى وثنى وبلغ طولب بالاسلام خاصة ولو بلغ مبذرا لم يزل الحجر عنه ويكون ماله في يد وليه ولو أراد عقد الأمان بالجزية أو المصير إلى دار الحرب أجيب وليس لوليه منعه لان الحجر لا يتعلق بحقن دمه وإباحته بل بماله كما لو أسلم أو ارتد ولو أراد ان يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة يكون المولى منعه لان حقن دمه يمكن بالأقل ولو صالح الامام قوما على أن يؤدوا الجزية عن أبنائهم غير ما يدفعون عن أنفسهم فإن كانوا يؤدون الزايد من أموالهم جاز ويكون زيادة في جزيتهم وإن كان من مال أولادهم لم يجز لأنه تضييع لمالهم فيما ليس واجبا عليهم ولو بلغ سفيها لم تسقط عنه الجزية ولا يقر في دار الاسلام بغير عوض للعموم ولو منعه وليه لم يقبل منه لان مصلحته بقاء نفسه وإن لم يعقد أمانا نبذناه إلى دار الحرب وصار حربا. مسألة. إذا عقد الامام الجزية لرجل دخل هو وأولاده الصغار وأمواله في الأمان فإذا بلغ أولاده لم يدخلوا في أمان أبيهم وجزيته إلا بعقد مستأنف وبه قال الشافعي لان الأب عقد الذمة لنفسه وإنما دخل أولاده الصغار لمعنى الصغر فإن بلغوا أزال المقتضى للدخول وقال احمد يدخلون بغير عقد متجدد لأنه عقد دخل فيه الصغير (لمعنى الصغير صح) فإذا بلغ لزمه كالاسلام والفرق علو الاسلام على غيره من الأديان فألزم به بخلاف الكفر. إذا ثبت هذا فإنه يعقد له الأمان من حين البلوغ ولا اعتبار بجزية أبيه فإن كان أول حول أقاربه استوفى منه معهم في اخر الحول وإن كان في أثناء الحول عقد له الذمة فإذا جاء أصحابه وجاء الساعي فإن اعطى بقدر ما مضى من حوله أخذ منه وإن امتنع حتى يحول الحول لم يجبر على الدفع ولو كان أحد أبوي الطفل وثنيا فإن كان الأب لحق به ولم تقبل منه الجزية بعد البلوغ بل يقهر على الاسلام فإن امتنع رد إلى مأمنه في دار الحرب وصار حربا وإن كانت الام لحق بالأب وأقر في دار الاسلام بالجزية. مسألة. الجزية تسقط عن المجنون المطبق إجماعا لقوله (ع) رفع القلم عن ثلاثة وعد المجنون حتى يفيق ولقول الصادق (ع) جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله ولأنه محقون الدم ولا مقتضى لوجوب الجزية ولو كان الجنون غير مطبق فإن لم يكن مضبوطا بأن تكون ساعة من أيام أو من يوم اعتبر الأغلب (لعدم القدرة صح) على ضبط الإفاقة وإن كان مضبوطا بأن يجن يوما ويفيق يومين أو أقل أو أكثر احتمل اعتبار الأغلب كالأول وبه قال أبو حنيفة لان اعتبار الأصول بالأغلب وإن تلفق أيام إفاقته فإذا كملت حولا أخذت منه جزية ويحتمل أن تؤخذ في آخر كل حول بقدر ما أفاق فيه وكذا الاحتمالان لو كان يجن ثلث الحول ويفيق ثلثيه أو بالعكس ولو تساوت أيام إفاقته وجنونه بأن يجن يوما ويفيق يوما أو يجن نصف الحول ويفيق نصف الحول فإن افاقته تلفق لتعذر الأغلب لعدمه هنا ولو كان يجن نصف الحول ثم يفيق مستمرا أو يفيق نصفه ثم يجن مستمرا فعليه في الأول من الجزية بقدر ما أفاق من الحول إذا استمرت الإفاقة بعد الحول وفي الثاني لا جزية عليه لأنه لم تتم الإفاقة حولا. مسألة. لا تؤخذ الجزية من النساء إجماعا لقوله (ع) خذ من كل حالم خص الذكر به ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل النساء ولو بذلت امرأة الجزية عرفت انه لا جزية عليها فإن ذكرت إنها تعلم ذلك وطلبت دفعه إلينا جاز أخذه هبة لا جزية ويلزم على شرط لزوم الهبة ولو شرطت ذلك على نفسها لم يلزم بخلاف ما لو قدر الرجل أكثر مما قدره الامام عليه من الجزية لأنه لا حد للجزية قلة ولا كثرة فلزمه ما التزم به ولو بعث امرأة من دار الحرب تطلب عقد الذمة وتصير إلى دار الاسلام مكنت منه وعقد لها بشرط التزام أحكام الاسلام ولا يؤخذ منها شئ إلا أن يتبرع به بعد معرفتها إنه لا شئ عليها وإن أخذ منها شئ على غير ذلك يرد عليها لأنها بذلته معتقدة إنه عليها ولو كان في حصن رجال ونساء وصبيان فإن امتنع الرجال من أداء الجزية وبذلوا أن يصالحوا على أن الجزية على النساء والولدان لم يجز لأن النساء والصبيان مال والمال لا يؤخذ منه الجزية ولا يجوز أخذ الجزية ممن لا تجب عليه ويترك من تجب عليه فإن صالحهم على ذلك بطل الصلح ولا يلزم النساء شئ ولو طلب النساء ذلك وتكون الرجال في أمان لم يصح ولو قتل الرجال أو لم يكن (في الحصن صح) سوا النساء فطلبوا عقد الذمة بالجزية لم يجز ويتوصل إلى فتح الصحن ويسبين لأنهن أموال للمسلمين وقال الشيخ (ره) يلزمه عقد الذمة على أن يجرى عليهن أحكام الاسلام ولا يأخذ منهن شيئا فإن أخذ منهن شيئا رده عليهن ولو دخلت الحربية دار الاسلام بأمان للتجارة لم يكن عليها أن تؤدى شيئا وإن أقامت دائما بغير عوض بخلاف الرجل ولو طلبت دخول الحجاز على أن تؤدى شيئا جاز لأنه ليس لها دخول الحجاز. مسألة. تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن وهو أحد قولي الشافعي للعموم والثاني للشافعي لا تؤخذ وفي رواية حفص عن الصادق (ع) إنها تسقط عن المقعد والشيخ الفاني والمرأة والولدان وقال الشيخ (ره) ولو وقعوا في الأسر جاز للامام قتلهم والأعمى مساو لهما على الأقرب ويؤخذ من أهل الصوامع والرهبان وهو أحد قولي الشافعي للعموم وقد فرض عمر بن عبد العزيز على رهبان الديارات الجزية على كل راهب دينارين ولأنه كافر صحيح قادر على الجزية فوجبت عليه كالشماس والثان للشافعي لا جزية عليهم لانهم محقونون بدون الجزية فلا يجب كالنساء ونمنع الصغرى. مسألة. اختلف علماؤنا في ايجاب الجزية على المملوك فالمشهور عدم وجوبها عليهم و هو قول العامة بأسرهم لقوله (ع) لا جزية على العبد ولأنه مال فلا تؤخذ منه الجزية كغيره من الحيوانات وقال قوم لا تسقط لقول الباقر (ع) وقد سئل عن مملوك نصراني لرجل مسلم عليه جزية قال نعم قلت فيؤدى عنه مولاه المسلم الجزية قال نعم إنما هو ماله يفديه إذا أخذ يؤدى عنه ولأنه مشرك فلا يجوز أن يستوطن دار الاسلام بغير عوض كالحر ولا فرق بين أن يكون العبد لمسلم أو ذمي إن قلنا بوجوب الجزية عليه ويؤديها مولاه عنه ومنع بعض الجمهور من أخذ الجزية عن عبد المسلم وإلا لزم
(٤٤٠)