العهد بها أو لا ينتقض يقام عليهم بموجب ما فعلوه من حد أو تعزير فإن قتل الذمي لقتله مسلما أو لزناه وهو محصن فهل يصير ماله فيأ تفريعا على الحكم بالانتقاض للشافعية وجهان وأما ذكر الرسول صلى الله عليه وآله بسوء إذا جاهروا به فللشافعية فيه طريقان أحدهما انه ينتقض العهد به بلا خلاف كالقتال لان ما يجب شرطه عليهم إذا خالفوه انتقض العهد وأظهرهما عندهم إنه كالزنا بالمسلمة ويجئ الخلاف فيه وطعنهم في الاسلام وفي القرآن كذكرهم الرسول (ع) بالسوء وقال بعضهم إن ذكر النبي صلى الله عليه وآله بسوء يعتقده أو يتدين به بأن قال إنه ليس برسول وإنه قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب ففيه الخلاف وأما ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه فإنه ينتقض به العهد سواء شرط عنهم الكف عنه أو لا وقال آخرون إن الخلاف فيما إذا طعنوا بما لا يتدينون به وأما ما هو من قضية دينهم فلا ينتقض العهد بإظهاره بلا خلاف ومن هذا القبيل قولهم في القرآن إنه ليس من عند الله وذكر الله تعالى بسوء كذكر رسول الله بطريق الأولى لكن جعلوا إظهار الشرك وقولهم إنه ثالث ثلاثة ومعتقدهم في المسيح بمثابة إظهار الخمر والخنزير وقالوا لا ينتقض العهد بها مع أن جميع ذلك يتضمن ذكر الله تعالى بالسوء ولا يستمر ذلك إلا على أن السوء الذي يتدينون به لا ينتقض العهد به. مسألة. حيث حكمنا بانتقاض العهد فهل يبلغهم المأمن للشافعي قولان أحدهما نعم لانهم دخلوا دار الاسلام بأمان فيبلغون المأمن كمن دخل بأمان صبى وأصحهما عندهم المنع بل يتخير الامام فيمن انتقض عهده بين القتل والاسترقاق والمن والفداء لأنه كافر لا أمان له كالحربي بخلاف من أمنه صبى فإنه يعتقد لنفسه أمانا وهنا فعل بنفسه (باختياره) ما يوجب الانتفاض و القولان فيما إذا انتقض الأمان بغير القتال فأما إذا نصبوا القتال صاروا حربا في دار الاسلام فلا بد من استيصالهم. البحث الخامس. في المهادنة. مسألة.
المهادنة والموادعة والمعاهدة ألفاظ مترادفة معناها وضع القتال وترك الحرب مدة بعوض وغير عوض هي جايزة بالنص والاجماع قال الله تعالى " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " وقال تعالى " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " وقال تعالى " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " وصالح رسول الله سهيل بن عمرو بالحديبية على وضع القتال عشر سنين والاجماع واقع عليه لاشتداد الحاجة إليه. ويشترط في صحة عقد الذمة أمور أربعة الأول أن يتولاه الامام أو من يأذن له لأنه من الأمور العظام لما فيه من ترك الجهاد على الاطلاق أو في جهة من الجهات ولأنه لابد فيه من رعاية مصلحة المسلمين والنظر لهم والامام هو الذي يتولى الأمور العامة هذا إذا كانت المهادنة مع الكفار مطلقا أو مع أهل إقليم كالهند والروم ويجوز لوالي الإقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة تلى ذلك الإقليم للحاجة وكانه مأذون فيه بتفويض مصلحة الإقليم إليه فإن عقد المهادنة واحد من المسلمين لم يصح فان دخل قوم ممن هادنهم دار الاسلام بناء على ذلك العقد لم يقروا ولكن يلحقون مأمنهم لانهم دخلوا على اعتقاد أمان الثاني أن يكون للمسلمين إليه حاجة ومصلحة إما لضعفهم عن المقاومة فينتظر الامام قوتهم وإما لرجاء إسلام المشركين وإما لبذل الجزية منهم والتزام أحكام الاسلام ولو لم تكن هناك مصحلة للمسلمين بأن يكون في المسلمين قوة في المشركين ضعف ويخشى قوتهم واجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال لم تجز له مهادنتهم بل يقاتلهم إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية إن كانوا أهل كتاب قال الله تعالى " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وإذا طلب الكفار الهدنة فإن كان فيها مضرة على المسلمين لم تجز إجابتهم وإن لم تكن لم تجب الإجابة أيضا ويجتهد الامام ويحافظ على الأصلح من الإجابة والترك فيفعله بخلاف الجزية فإن الإجابة فيها واجبه الثالث أن يخلوا العقد من شرط فاسد وهو حق كل عقد فإن عقدها الامام على شرط فاسد مثل أن يشترط رد النساء أو مهورهن أو رد السلاح المأخوذ منهم أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك أو أن لهم نقض الهدنة متى شاؤوا أو يشترط رد الصبيان أو الرجال أو ان لا ينزع اسراء المسلمين من أيديهم أو يرد إليهم المسلم الذي أسروه وافلت منهم أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم فهذه بالشروط كلها فاسدة يفسد بها عقد الهدنة كما يفسد عقد الذمة باقتران الشروط الفاسدة به مثل أن يشترط عدم التزام أحكام المسلمين في أهل الذمة أو اظهار الخمور والخنازير أو يأخذ الجزية بأقل ما يجب عليهم أو على أن يقيموا بالحجاز أو يدخلوا الحرم ويجب على من عقد معهم الصلح إبطاله ونقضه الرابع المدة ويجب ذكر المدة التي يهادنهم عليها فلا يجوز له مهادنتهم مطلقا لأنه يقتضى التأبيد والتأبيد باطل إلا أن يشترط الامام الخيار لنفسه في النقض متى شاء وكذا لا يجوز إلى مدة مجهولة وهذا أحد قولي الشافعية والثاني إنه إذا هادن مطلقا نزل الاطلاق عند ضعف المسلمين على عشر سنين وأما عند القوة فقولان أحدهما إنه يحمل على أربعة أشهر تنزيلا على الأقل والثاني على سنة تنزيلا على الأكثر واعترضه بعضهم بأنه لا يجوز الهدنة مع القوة إلى سنة بل أقل من سنة. مسألة. إذا كان للمسلمين قوة ورأى الامام المصلحة في المهادنة هادن أربعة أشهر فما دون إجماعا قال الله تعالى " فسيحوا في الأرض أربعة أشهر " ولا يجوز أن يهادن سنة لأنها مدة الجزية ولا يقرر الكافر سنة بغير جزية وفيما بين الأربعة الأشهر والسنة للشافعي قولان الجواز لأنها مدة تقصر عن مدة الجزية كالأربعة وأصحهما عندهم المنع لان الله تعالى أمر بقتل المشركين مطلقا وأذن في الهدنة أربعة أشهر وأما إذا كان في المسلمين ضعف فإنه تجوز الزيادة على السنة بحسب الحاجة إلى عشر سنين فإن رسول الله هادن قريشا بالحديبية عشر سنين وكان (ع) قد خرج ليعتمر لا ليقاتل وكان بمكة مستضعفون فأراد أن يكثروا (ويظهر المسلمون فهادنهم حتى كثروا صح) وأظهر من بمكة إسلامه قال الشعبي لم يكن في الاسلام فتح قبل صلح الحديبية ولا يجوز الزيادة على عشرة سنين عند الشيخ وبن الجنيد وبه قال الشافعي فإن اقتضت الحاجة الزيادة استأنف بمقدار قال أبو حنيفة واحمد لا تتقدر الزيادة بعشر بل يجوز بحسب ما يراه الامام في العشر فجاز في الزيادة عليها كعقد الإجارة ولا بأس به وعلى الأول لو صالح على أكثر من عشر سنين بطل الزايد خاصة وصح في العشر وهو أحد قولي الشافعي الثاني يبطل العقد بناء على تفريق الصفقة. مسألة. إذا كان في المسلمين قوة لم يجز للامام أن يهادنهم أكثر من سنة إجماعا لقوله تعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ويجوز إلى أربعة أشهر فما دون إجماعا وتردد الشيخ في أكثر من أربعة أشهر وأقل من سنة ثم قال والظاهر إنه لا يجوز وللشافعي قولان وإذا شرط مدة معلومة لم يجز أن يشترط نقصها لمن شاء منها لأنه يقضى إلى ضد المقصود وهل يجوز أن يشترط الامام لنفسه دونهم قال الشيخ وبن الجنيد يجوز وبه قال الشافعي لان النبي صلى الله عليه وآله لما فتح خير عنوة بقى حصن منها فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله تعالى ففعل ولأنه عقد شرع لمصلحة المسلمين فيتبع مظان المصلحة وقال بعض العامة لا يجوز لأنه عقد لازم فلا يجوز اشتراط نقضه كالبيع ومنع الملازمة والحكم في الأصل فإن العقود اللازمة عندنا يدخلها الخيار وهذا نوع خيار إذا ثبت هذا فلو شرط الامام لهم أن يقرهم ما أقرهم الله لم يجز لانقطاع الوحي بعد النبي (ص) ويجوز أن يشترط أن يقرهم ما شاء. مسألة.
الهدنة ليست واجبة على كل تقدير لكنها جايزة لقوله تعالى " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " بل المسلم يتخير في فعل ذلك برخصة قوله " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وبما تقدم وإن شاء قاتل حتى يلقى الله تعالى شهيدا بقوله تعالى " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " وكذلك فعل مولانا الحسين (ع) والنفر الذين وجههم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى هذيل وكانوا عشرة فقاتلوا مئة حتى قتلوا ولم يغلب منهم أحد إلا حبيب فإنه أسر وقتل بمكة وتجوز مهادنتهم على غير مال إجماعا وكذا على مال يأخذه منهم إجماعا أما لو صالحهم