عقد والذمة بشرط أن تجرى عليهم أحكام المسلمين وإن كان ما يجوز في شرعهم كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونكاح المحارم لم يتعرض لهم ما لم يظهروه لأنا نقرهم عليه وترك التعرض لهم فيه لانهم عقدوا الذمة وبذلوا الجزية على هذا فإن أظهروا ذلك وأعلنوه منعهم الامام وأدبهم على إظهاره قال الشيخ وقد روى أصحابنا إنه يقيم عليهم الحد بذلك وهو الصحيح ولو جاء نصراني باع من مسلم خمرا (أو خنزيرا صح) أو اشترى منه خمرا أبطلناه بكل حال تقابضا أو لا ورددنا الثمن إلى المشترى فإن كان مسلما استرجع الثمن واوقنا الخمر لأنا لا نقضي على المسلم برد الخمر وجاز إراقتها لان الذمي عصى بإخراجها إلى المسلم فيعاقب بإراقتها عليه وإن كان المشترى المشرك رددنا إليه الثمن ولا نأمر الذمي برد الخمر بل يريقها لأنها ليست كمال الذمي ونمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن فإن اشترى لم يصح البيع وقال بعض الشافعية يملكه ويلزم البيع والأول أنسب بإعظام القرآن قال الشيخ وكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وآثار السلف وأقاويلهم والأقوى عنده الكراهة أما كتب النحو واللغة والشعر وباقي الأدب فإن شراءها جايز لهم إذ لا حرمة لها. مسألة. لو اوصى مسلم (لذمي بعبد مسلم صح) لم تصح الوصية لان المشرك لا يملك المسلم وقال بعض الناس تصح الوصية وتلزم برفع اليد عنه كما لو ابتاعه فعلى هذا لو أسلم وقبل الوصية صح وملكه بعد موت الموصى وعلى الأول لا يملكه وإن أسلم في حياة الموصى لان الوصية وقعت في الأصل باطله ولو كان العبد مشركا فأسلم العبد قبل موت الموصى (ثم مات فقبله الموصى صح) له لم يملكه لأن الاعتبار في الوصية بحال اللزوم وهي حالة الوفاة وعلى القول الثاني يملكه ويرفع يده عنه ولو اوصى الذمي ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع عبادة لهم لم تصح لأنها في معصية وكذا لو اوصى أن يستأجر خدما للبيعة والكنيسة أو يعمل صلبانا أو يشترى (مصباحا أو يشترى صح) أرضا فيوقف عليها ولو اوصى الذمي ببناء كنيسة تنزلها المارة من أهل الذمة أو من غيرهم أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل أجرتها للنصارى جازت الوصية لان نزولهم ليس بمعصية إلا أن يبنى لصلواتهم وكذا لو وصى للرهبان بشئ صحت الوصية لجواز صدقة التطوع عليهم ولو اوصى أن يكون لنزول المارة للصلاة فيه قيل تبطل الوصية في الصلاة وتصح لنزول المارة فتبنى كنيسة بنصف الثلث لنزول المارة خاصة فإن لم يمكن ذلك بطلت الوصية وقيل تبنى الكنيسة بالثلث ويكون لنزول المارة ويمنعون من الاجتماع للصلاة فيها ولو اوصى بشئ تكتب به التورية والإنجيل والزبور أو غير ذلك من الكتب القديمة بطلت الوصية لأنها كتب محرفة مبدله منسوخة وخرج رسول الله (ص) يوما من داره فوجد في يد عمر صحيفة فقال ما هي فقال من التورية فغضب عليه ورماها من يده وقال لو كان موسى أو عيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي. إذا ثبت هذا فإنه يكره للمسلم أجرة رم ما يستهدم من الكنايس والبيع من بناء ونجار وغير ذلك ليس محرما. الفصل السادس. في قتال أهل البغى الأصل في ذلك قول الله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله " قيل وردت في طائفتين من الأنصار وقع بينهم فلما نزلت قرأها عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله فاقلعوا وليس فيها تعرض للخروج والبغي على الامام ولكن إذا أمرنا بقتال طائفة بغت على طائفة أخرى فلئن نقاتل الذين بغوا على الامام إلى أن يفيؤوا إلى أمر الله أولي والمراد بالباغي في عرف الفقهاء المخالف للامام العادل الخارج عن طاعته بالامتناع عن أداء ما وجب عليه بالشرايط الآتية وسمى باغيا إما لتجاوزه الحد المرسوم له والبغي مجاوزة الحد وقيل لأنه ظالم بذلك والبغي الظلم قال الله تعالى " ومن بغى عليه " أي ظلم وقيل لطلبه الاستعلاء على الامام من قولهم بغى الشئ أي طلبه. مسألة. قتال أهل البغى واجب بالنص والاجماع قال الله تعالى " قاتلوا التي تبغى " وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله قال من حمل علينا السلاح فليس منا ومن طريق الخاصة قول علي (ع) القتال قتالان قتال لأهل الشرك لا ينفى عنهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقتال لأهل البغى لا ينفى عنهم حتى يفيؤوا إلى أمر الله أو يقتلوا ولا خلاف بين المسلمين كافة في وجوب جهاد البغاة وقد قاتل علي (ع) ثلث أهل طوائف البصرة يوم الجمل عايشة وطلحة والزبير و عبد الله بن الزبير وغيرهم وهم الناكثون الذين بايعوه ونكثوا بيعته وقاتل أهل الشام معاوية ومن تابعه وهم القاسطون أي الجائرون وقاتل أهل النهروان الخوارج وهم المارقون وقد أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله فقال تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين قال الشيخ (ره) وهؤلاء كلهم عندنا محكوم بكفرهم لكن ظاهرهم الاسلام وعند الفقهاء إنهم مسلمون لكن قاتلوا الإمام العادل فإن الإمامة كانت لعلى (ع) بعد عثمان عندهم والأصل في ذلك أن الإمامة عندنا من شرايط الايمان فلا يستحق الثواب الدايم إلا به. مسألة. قد جرت العادة بين الفقهاء أن يذكروا الإمامة في هذا الموضع ليعرف الامام الذي يجب اتباعه ويصير الانسان باغيا بالخروج عليه وليست من علم الفقه بل هي من علم الكلام فلنذكر كلاما مختصرا فنقول يشترط في الامام أمور. - آ - أن يكون مكلفا فإن غيره مولى عليه في خاصة نفسه فكيف بل أمر الأمة - ب - أن يكون مسلما ليراعى مصلحة المسلمين والاسلام وليحصل الوثوق بقوله ويصح الركون إليه فإن غير المسلم ظالم وقد قال الله تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا " - ج - أن يكون عدلا لما تقدم فإن الفاسق ظالم ولا يجوز الركون إليه والمصير إلى قوله للنهي عنه في قوله تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا " ولان الفاسق ظالم فلا ينال مرتبة الإمامة لقوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " - د - أن يكون حرا فإن العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرغ للنظر في مصالح المسلمين ولان الإمامة رياسة عامة والعبد مرؤوس وهي من المناصب الجليلة فلا تليق به - ه - أن يكون ذكرا ليهاب وليتمكن من مخالطة الرجال ويتفرغ للنظر فإن المرأة ناقصة العقل - و - أن يكون عالما ليعرف الاحكام ويعلم الناس فلا يفوت الامر عليه بالاستفتاء والمراجعة - ز - أن يكون شجاعا ليغزوا بنفسه ويعالج الجيوش ويقوى على فتح البلاد ويحمى بيضة الاسلام - ح - أن يكون ذا رأى وكفاية لافتقار قيام نظام النوع إليه - ط - أن يكون صحيح السمع والبصر والنطق ليتمكن من فصل الأمور وهذه الشرايط غير مختلف فيها - ى - أن يكون صحيح الأعضاء كاليد والرجل والاذن وبالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقص يمنع من استيفاء الحركة وسرعة النهوض وهو أولى قولي الشافعية - يا - أن يكون من قريش لقوله (ع) الأئمة من قريش وهو أظهر قولي الشافعية وخالف فيه الجويني مع إنه لا خلاف في أن أبا بكر احتج على الأنصار يوم السقيفة به وبذلك أخذت الصحابة بعده قالت الشافعية فإن لم يوجد في قريش من يستجمع الصفات المعتبرة نصب كناني فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل (ع) وهو باطل عندنا لان الإمامة عندنا محصورة في الاثني عشر (على) على ما يأتي ثم إن قريشا ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة فعلى قولهم إذا لم يوجد قرشي ينبغي نصب كناني وينبغي إنه إذا لم يوجد كناني نصب خزيمي وكذا يرتقي إلى أب بعد أب إلى أن ينتهى إلى إسماعيل (ع) فإن لم يوجد من ولد إسماعيل من يصلح كذلك قال بعضهم يولى رجل من العجم وقال بعضهم يولى جرهمي وجرهم أصل العرب وفيهم تزوج إسماعيل (ع) حين أنزله أبوه (ع) أرض مكة فإن لم يوجد جرهمي فرجل من نسل إسحاق ولا يشترط أن يكون هاشميا عندهم - يب - يجب أن يكون الامام معصوما عند الشيعة لان المقتضى لوجوب الإمامة ونصب الامام جواز الخطاء على الأمة المستلزم لاختلال النظام فإن الضرورة قاضية بأن الاجتماع مظنة التنازع والتغالب فإن كل واحد من بنى النوع يشتهى ما يحتاج إليه ويغضب على من يزاحمه في ذلك وتدعوه شهوته وغضبه إلى الجور على غيره ويقع من ذلك الهرج والمرج ويختل أمر الاجتماع مع أن الاجتماع ضروري بنوع الانسان فإن كل شخص لا يمكنه أن يعيش (وحده لافتقاره إلى غذاء وملبوس ومسكن وكأنها صناعية لا يمكن أن تصدر عن صانع واحد إلا في مدة لا يمكن أن يعيش صح) تلك المدة فاقدا لها أو يتعسر إن أمكن وإنما يتيسر لجماعة يتعاونون ويتشاركون في تحصيلها يفرغ كل واحد منهما لصاحبه عن بعض
(٤٥٢)