ينظر إن قصد قبضه للمشترى صح قبض البيع ولابد من استيناف قبض الهبة ولا يجوز له أن يأذن في قبضه من نفسه لنفسه وإن قصد قبضه لنفسه لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة فإن قبضه يجب أن يتأخر عن تمام البيع والاقتراض والتصدق كالهبة والرهن ففيهما خلاف عند الشافعي والأقوى عندي النفوذ وأما تزويج الأمة قبل القبض فإنه جايز عندنا وهو أصح وجهي الشافعية وبعضهم فرق فابدء قولا ثالثا هو أن يقال إما أن يكون للبايع حق الحبس فلا يصح التزويج لأنه منقص وإما أن لا تكون فيصح وطرد بعضهم التفصيل في الإجارة فإن كانت منقصة لم يصح وإلا صحت ولو باع من البايع وللشافعية وجهان سبقا ولو وهب منه أو رهن فطريقان أحدهما القطع بالمنع لأنه لا يجوز أن يكون نائبا عن المشترى في القبض وأصحهما عندهم إنه على القولين فإن جوزنا فإذا أذن له في القبض أو الرهن ففعل أجزء ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن بل إذا تلف ينفسخ العقد ولو رهنه من البايع بالثمن جاز عندنا. تذنيب لو باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد له بيع الثوب وللآخر بيع العبد عندنا ومن منع من البيع قبل القبض منع من بيع العبد فلو باع الثوب وهلك العبد في يده بطل العقد في العبد ولا يبطل في الثوب ويعزم قيمته لبايعه ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله لخروجه عن ملكه بالبيع ولو تلف العبد والثوب في يده غرم لبايع الثوب القيمة وعلى مشتريه الثمن. مسألة قد بينا أن المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه فلو اشترى من مورثه شيئا ومات المورث قبل التسليم فله بيعه سواء كان على المورث دين أو لم يكن وحق الغريم يتعلق بالثمن وإن كان له وارث آخر لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه عند المانعين ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام وفي يد المشترى والمتهب في البيع والهبة الفاسدين وكذا بيع المغصوب من الغاصب والأرزاق من السلطان لا تملك إلا بالقبض فليس له بيعها قبل قبضها خلافا للشافعي فإنه جوزه فبعض أصحابه قال هذا إذا أفرزه السلطان فيكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ويكفى ذلك لصحة البيع ومنهم من لم يكتف بذلك وحمل قوله على ما إذا وكل وكيلا يقبضه فقبضه الوكيل ثم باعه للموكل وإلا فهو بيع شئ غير مملوك ولو وهب الأجنبي شيئا ثم رجع كان له بيعه قبل استرداده والشفيع إذا تملك الشقص بالشفعة له بيعه قبل القبض وبه قال بعض الشافعية وقال بعضهم ليس له ذلك لان الاخذ بالشفعة معاوضة وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أخذها ولو استأجرها صباغا لصبغ ثوب وسلمه إليه كان للمالك بيعه قبل الصبغ وقال الشافعي ليس له بيعه ما لم يصبغ لان له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحق به العوض وإذا صبغه فله بيعه قبل الاسترداد إن وفي الأجرة وإلا فلا لأنه يستحق حبسه إلى استيفاء الأجرة ولو استأجر قصار القصارة الثوب وسلمه إليه جاز له بيعه قبل القصر ومنع الشافعي من بيع ما لم يقصر وإذا قصر فمبنى عنده على أن القصارة عين فيكون كمسألة الصبغ أو أثر فله البيع إذ ليس للقصار الحبس وكذا صياغة الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل وإذا قاسم شريكه فباع ما صار إليه قبل القبض من الشريك صح البيع وقال الشافعي يبنى على أن القسمة بيع أو افراز ولو أثبت صيدا في أحبولة أو سمكة في شبكة فله بيعه وإن لم يأخذه. مسألة. تصرف المشترى في زوايد المبيع قبل القبض كالولد والثمرة جايز عندنا وقال الشافعي يبنى على أنها تعود إلى البايع لو عرض انفساخ أو لا تعود إن عادت لم ينصرف فيها كما في الأصل وإلا كان له التصرف ولو كانت الجارية حبلى عند البايع وولدت قبل القبض كان له التصرف في الولد وقال الشافعي إن قلنا الحمل يقابله قسط من الثمن لم يتصرف فيه وإلا فهو كالولد الحادث بعد البيع. مسألة. لو باع متاعا بنقد معين مشخص من ذهب أو فضة جاز للبايع التصرف فيهما قبل القبض وقال الشافعي ليس للبايع التصرف فيهما قبل القبض لان الدراهم والدنانير يتعينان بالتعيين كالمبيع فلا يجوز للمشترى إبدالها بمثلها ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع وإن وجد البايع بها عيبا لم يستبدلها بل يرضى بها أو يفسخ العقد وبه قال احمد وقال أبو حنيفة لا يتعين ويجوز إبدالها بمثلها وإذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد وإذا وجد بها عيبا فله الاستبدال وقد تقدم. مسألة. الدين في ذمة الغير قد يكون ثمنا ومثمنا ولا ثمنا ولا مثمنا ونعني بالثمن ما الصق به الباء لأن هذه الباء تسمى باء التثمين على قول أو النقد لاطلاق أهل العرف اسم الثمن عليه دون غيره والمثمن ما قابل ذلك على الوجهين على قول فإن لم يكن في العقد نقدا وكان العوضان نقدين فالثمن ما الصق به الباء والمثمن ما قابله فلو باع أحد النقدين بالآخر فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه ولو باع عرضا بعرض فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه وإنما هو مقابضة ولو قال بعتك هذه الدراهم بهذا العبد فعلى الأول العبد ثمن والمثمن الدراهم وعلى الثاني في صحة العقد وجهان كالسلم في الدراهم والدنانير لأنه جعل الثمن مثمنا وإن صح فالعبد ثمن ولو قال بعتك هذا الثوب بعبد ووصفه صح العقد إن قلنا الثمن ما الصق به الباء فالعبد ثمن ولا يجب تسليم الثوب في المجلس وإن لم نقل بذلك ففي وجوب تسليم الثوب للشافعية وجهان في وجه لا يجب إذا لم يجز بينهما لفظ السلم وفي وجه يجب اعتبارا بالمعنى إذا عرفت هذا فالضرب الأول المثمن وهو المسلم فيه لا يجوز الاستبدال عنه ولا بيعه من غيره عند الشافعي وهل الحوالة تدخل في المسلم فيه إما به بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف (ولما عليه بأن يجعل السلم من له عليه دين قرض أو إتلاف صح) على المسلم إليه فيه ثلاثة أوجه للشافعية أصحهما لا لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره والثاني فيه نعم تخريجا على إن الحوالة استيفاء وإيفاء لا اعتياض والثاني إنه لا يجوز الحوالة عليه لأنها بيع سلم بدين ويجوز الحوالة به على القرض ونحوه لان الواجب على المسلم إليه توفيه الحق على المسلم وقد فعل الضرب الثاني الثمن وإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها قولان للشافعي القديم إنه لا يجوز لمطلق النهى عن بيع ما لم يقبض ولأنه عوض في معاوضة فأشبه المسلم فيه والجديد (الجواز صح) وهو الأقوى عندي الضرب الثالث ما ليس بثمن ولا ثمن كدين القرض والاتلاف فيجوز الاستبدال عنه إجماعا كما لو كان في يده عين ما بغصب أو عارية يجوز بيعه منه ويفارق المسلم فيه لأنه غير مستقر لجواز أن يطرأ ما يقتضى انفساخ السلم وقال بعض الشافعية إنما يستبدل عن القرض إذا استهلكه أما إذا بقي في يده فلا لأنا إن قلنا إن القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة لان للمقرض أن يرجع في عينه وإن قلنا يملك بالتصرف فالمستقرض مسلط عليه وذلك يوجب ضعف ملك المقرض فلا يجوز الاعتياض عنه ونحن نمنع أن يكون للمقرض الرجوع في العين واعلم أن الاستبدال عند الشافعي بيع ممن عليه الدين ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال ويجوز العكس وكان من عليه الدين قد عجله. مسألة. القبض فيما لا ينقل كالدور والأراضي هو التخلية بينه وبين المشترى وتمكنه من اليد والتصرف بتسليم المفتاح إليه ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه والأقرب إنه لا يشترط تفريغ الدار من أقمشة البايع خلافا للشافعي ولو جمع البايع متاعه في بيت من الدار وخلا بين المشترى وبين الدار حصل القبض في الدار كلها عندنا وعندي حصل في غير البيت ولو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الأرض التي عليها الصبرة وخلى البايع بينه وبينها حصل القبض في الصبرة عند الشافعي ولو جاء البايع بالمبيع فامتنع المشترى من قبضه أجبره الحاكم عليه فإن أصر أمر الحاكم من يقبضه عنه كالغايب ولو أحضره البايع فوضعه بين يدي المشترى ولم يقل المشترى شيئا أو قال لا أريده فوجهان للشافعية أضعفهما إنه لا يحصل القبض كما لا يحصل به الايداع وأصحهما عندهم إنه يحصل لوجود التسليم فعلى هذا للمشترى التصرف فيه ولو تلف فهو من ضمانه لكن لو خرج مستحقا ولم يجز إلا وضعه بين يديه فليس للمستحق
(٥٦٣)