وقال عامة الفقهاء ليس بمكروه للعلم برأس المال وقدر الربح فكان جايزا والجواز لا ينافي الكراهية وحملوا ما رووا عن ابن عباس وابن عمر بأن الكراهية لما فيه من أداء الأمانة وتحملها. مسألة. تزول الكراهية بنسبة الربح إلى السلعة بأن يقول هذه السلعة على بعشرة وبعتكها بأحد عشر أو اثني عشر فإنه جايز إجماعا لما تقدم من الاخبار وزوال مقتضى الكراهية من تطرق الجهل ومن مشابهة الربا إذا ثبت هذا فلابد وأن يخير برأس المال أو يكون معلوما عند المشتري فلو قال بعتك بما اشتريت وربح عشرة وكان المشترى جاهلا بالثمن بطل البيع إجماعا منا لما فيه من الجهالة بالعوض فكان باطلا كبيع غير المرابحة وكذا لو كان البايع جاهلا برأس المال والمشترى عالم به أو كانا جاهلين وهو أصح وجهي الشافعية فعلى ما قلناه من البطلان لو أزيلت الجهالة في مجلس العقد لم ينقلب العقد صحيحا لفوات شرط الصحة في صلبه وهو أصح وجهي الشافعية والثاني إنه ينقلب صحيحا وبه قال أبو حنيفة والثاني وهو أن يكون أحدهما جاهلا بالقيمة للشافعي إنه يصح البيع لان الثمن فيه مبنى على الثمن في العقد الأول والرجوع إليه سهل فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الإحاطة بمبلغ الثمن يجوز لسهولة معرفته ويمنع حكم الأصل وينتقض بما لو قال بعتك بشئ ثم بينه بعد العقد في المجلس وعلى تقدير الصحة عندهم ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان ولو كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن فالأقرب المنع من بيعه مرابحة لجهالة الثمن كغير المرابحة وهو أصح وجهي الشافعية وفي الثاني يجوز وليس بشئ ولو جمع بين المكروه وغيره لم تزل الكراهية وكان العقد صحيحا مثل أن يقول اشتريته بمائة وقد بعتك بمأتين وربح كل عشرة درهم فيكون الثمن مأتين وعشرون. مسألة. ولبيع المرابحة عبارات أكثرها دورانا على الألسنة ثلثة - آ - بعتك بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا - ب - بعتك بما قام على وربح كذا أو بما هو على وربح كذا - ج - بعتك برأس المال وربح كذا فإذا قال بالصيغة الأولى لم يدخل فيه إلا الثمن خاصة وإذا قال بالثانية دخل فيه الثمن وما غرمه من أجرة الدلال والكيال والحمال والحارس والقاصر والرفاء والصباغ والخياط وقيمة الصبغ وأجرة الختان وتطيين الدار وساير المؤن التي تلزم للاسترباح وأجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع لان التربص ركن في التجارة وانتظار الأرزاق وأما المؤن الذي يقصد بها استيفاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة فلا يدخل فيه ويقع ذلك مقابلة المنافع والفوايد المستوفاة من المبيع وهو أشهر وجهي الشافعية ولهم آخر إنها تدخل أما العلف الزايد على المعتاد للتسمين فإنه يدخل وأما أجرة الطبيب إن كان مريضا فكأجرة القصار ونحوها فإن قيمته تزيد بزوال المرض فإن حدث المرض في يده فهي كالنفقة وأما مؤنة السايس فالأظهر إلحاقها بالعلف وكذا قول الشافعية ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين الدار بنفسه لم تدخل الأجرة فيه لان السلعة لا تعد قائمة عليه إلا بما بذل وكذا لو تطوع متطوع بالعمل ولو كان بيت الحفظ ملكه أو تطوع بإعارة البيت متطوع لم يضف الأجرة فإن أراد استدراك ذلك قال اشتريته أو قام على بكذا وعملت فيه أو تطوع على متطوع بما اجرته كذا وقد بعتك بهما وربح (كذا صح) وأما العبارة الثالثة والظاهر إنها بمنزلة الأولى فإذا قال رأس مالي كذا فهو بمنزلة اشتريته بكذا لأنه المتبادر إلى الفهم من دلس المال فيكون حقيقة فيه وهو الاظهر من مذهب الشافعي وقال بعض الصحابة إنه كالعبارة الثانية وهو بما قام على وهل يدخل المكسر الذي يؤخذه السلطان في لفظة القيام والفداء الذي يدفعه المولى في جناية العبد إشكال أقربه عدم دخول الفداء ودخول المكس لأنه من جملة المؤن وللشافعية وجهان فيهما ولو أسترد المغصوب بشئ دفعه إلى الغاصب أو غيره ممن يساعده على رده لم يدخل وهذه العبارات الثلاثة تجرى في المحاطة جريانها في المرابحة. مسألة. والمرابحة نوع من البيع فإيجابه كان يجاب ويزيد ضمه الربح والاخبار بالثمن ويجب العلم به قدرا وجنسا وبقدر الربح وجنسه فلو أبهم شيئا من ذلك لتطرق الجهالة في أحد العوضين فلو قال بعتك بما اشتريت و (ربح صح) كذا ولم يعلما أو أحدهما قدر الثمن بطل وكذا لو عينا الثمن وجهلا الربح مثل أن يقول الثمن عشرة وقد بعتك بعشرة ومهما شئت من الربح ويجب أيضا ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف وإذا كان المبيع لم يتغير البتة صح أن يقول اشتريته بكذا أو هو على أو ابتعته أو تقوم على أو رأس مالي ولو عمل فيه ماله زيادة عوض قال اشتريته بكذا و عملت فيه بكذا ولو استأجر في ذلك العمل صح أن يقول تقوم على ويضمن الأجرة وكل ما يلزمه من قصار وصباغ وغير ذلك مما تقدم مع علمه بقدر ذلك كله. مسألة. بيع المرابحة مبنى على الأمانة لاعتماد المشترى بنظر البايع واستقصائه وما رضيه لنفسه فيرضى المشترى بما رضيه البايع من زيادة يبذلها فيجب على البايع حفظ الأمانة بالصدق في الاخبار عما اشترى به وعما قام به عليه أن باع بلفظ القيام فلو اشترى بمائة ثم خرج عن ملكه ثم اشتراه بخمسين فرأس ماله خمسون ولا يجوز ضم الثمن الأول إليه ولو اشتراه بمائه وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة فرأس ماله مائة ولا (يجوز أن صح) يخبر بمائة وخمسين لأجل خسرانه الخمسين ولو اشتراه بمائه وباعه بمائه وخمسين ثم اشتراه بمائه فإن أراد بيعه مرابحة بلفظ رأس المال أو بلفظ ما اشتريت أخبر بمائه ولا يلزمه أن يحط عنه ربح البيع الأول كما لم يجز في الصورة الأولى ضم الخسران إلى المائة وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي لان الثمن الذي يخبر به هو الذي يلي بيع المرابحة والذي يلي بيع المرابحة مائة فجاز أن يخبر بها كما لو لم يربح فيها وقال أبو حنيفة واحمد يجب أن يحط ربح البيع الأول فيمن يخبر فيضم أحد العقدين إلى الآخر لان المرابحة يضم فيها العقود فيخبر بما يقوم عليه كما يضم أجرة الخياط والقصار فيخبر بما يقوم عليه وقد استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الأول لأنه امن به أن يرد عليه بعيب فلا ينقل بعض ما استفاد للعقد بجميع الثمن والفرض ظاهر فإن الذمة لزمته في هذا البيع الذي يلي بيع المرابحة وتقرير الربح وفي الأول وليس بصحيح لأن العقد الأول قد لزم ولم يظهر فيه عيب فلا يتعلق به حكم وإن باعه بلفظ قام على فكذلك عندنا لان الاخبار إنما هو بالثمن الأخير الذي يلي عقد المرابحة والملك الأخير إنما قام عليه بمائه وللشافعية وجهان أصحهما عندهم ما قلناه والثاني إنه لا يخبر إلا بخمسين فإن أهل العرف يعدون السلعة والحال هذه قائمة عليه بذلك. مسألة. يجوز لبايع المتاع شراؤه بزيادة ونقصان حالا ومؤجلا بعد القبض وقبله إلا أن يكون موزونا أو مكيلا فلا يجوز قبل القبض مطلقا على رأى ويكره على رأى ويمنع في الطعام خاصة على رأى وقد سبق إذا تقرر هذا فإذا باع شيئا وشرط الابتياع حال البيع لم يجز لاستلزامه الدور ويجوز لو كان ذلك من قصدهما ولم يذكراه لفظا في العقد فإذا باع غلامه أو صاحبه أو ولده سلعة ثم اشتراها بزيادة من غير شرط الابتياع جاز وإن قصد بذلك الاخبار بالزايد كره وكذا يكره أن يواطئ وكيله فيبيع ما اشتراه منه ثم يشتريه بأكثر ليخبر به في المرابحة لأصالة صحة العقد وهو قول أكثر الشافعية وقال بعضهم لا يجوز ويثبت للمشترى الخيار لأنه تدليس وهو محرم في الشرع فإذا ظهر له ذلك ثبت له الخيار وليس بجيد لأصالة اللزوم والصحة والتدليس ممنوع إذا لم يخبر إلا بالواقع نعم استعمل حيلة شرعية لان للانسان نقل ملكه عنه وشراؤه له. مسألة. إذا اشترى شيئا من ولده أو أبيه جاز أن يبيعه مرابحة ويخبر بثمنه وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لأنه أخبر بما اشتراه به عقدا صحيحا فوجب أن يجوز كما لو اشتراه من الأجانب وقال أبو حنيفة واحمد لا يجوز ذلك حتى يبين لان هؤلاء لا يثبت لهم بشهادته كما لا يثبت لنفسه بقوله فصار الشراء منهم كالشراء من نفسه ولأنه يجابيهم فهم كعبده ومكاتبه ورد الشهادة ممنوع عندنا ولو سلمنا فإن هذا لا يشتبه رد الشهادة لأنه لم يقبل شهادته لهم للتهمة بتفضيلهم على الأجانب والشراء لنفسه منه لا تهمة فيه لان حظ نفسه عنده أوفر فلا يتهم في ذلك فجرى مجرى الشهادة
(٥٤٢)